المسلمون والعالم
بقلم: عبد العزيز كامل
كثيراً ما ينظر إلى الأمم المتحدة على أنها إطار مؤسسي لنظام متكامل يهدف
إلى السيطرة على العالم، وكثيراً ما يطلق على أجهزتها وفعالياتها أنها: (حكومة
عالمية) .
إن هذا الوصف بالضبط؛ هو ما اختاره الأمين القبطي للمنظمة الدولية عندما
ألف عنها كتاباً سماه: (الحكومة العالمية) [*] .
فهل الأمم المتحدة حقّاً حكومة عالمية؟ !
وهل لهذه الحكومة ما للحكومات من أركان: حاكم، ومحكوم، ونظام حكم؟
إن المتأمل سيرى أن لهذه الحكومة حاكم، أو بالأحرى مجلس قيادة، يتمثل في الدول دائمة العضوية، وفيها محكوم هو الدول الصغرى والمتوسطة، وأما نظام الحكم فيها: فهو الميثاق والمقررات والمرئيات لدى الدول الكبرى، المبرمة في نصوص وفصول ومواد وضعتها في الأساس دول الكبر الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فلها الدور الأساس في صياغة هذا البرنامج التسلطي الدولي (الحكومة العالمية) ؛ فأمريكا ظلت ترقب أوضاع العالم أثناء الحرب العالمية الثانية التي لم تدخلها إلا متأخرة بعد عامين من اندلاعها فضلاً عن أن أراضيها لم تشهد أي معارك، وأتاح لها ذلك كله فرصة التأمل الهادئ من أجل التخطيط لعالم ما بعد الحرب، وقد شهدت الولايات المتحدة وحتى قبل أن تشارك رسميّاً في الحرب ظهور عشرات المنظمات والهيئات التي ركزت كل جهودها لبحث سبل إرساء نظام جديد للعالم، في وقت كانت فيه أوروبا مشغولة حتى النخاع ببحث سبل وآليات كسب الحرب؛ ولذلك: لم يكن غريباً أن تصبح الصياغات الأولى لمشروع ميثاق الأمم المتحدة في مراحله الأولى كلها صياغات أمريكية بالأساس.
ولذلك: لم يكن محض مصادفة أن يسمى إعلان الأمم المتحدة: (إعلان
واشنطن) ، ويصدر في تلك العاصمة الأمريكية في يناير 1942م، وأن تعقد أهم
مراحل المفاوضات التمهيدية الخاصة بإنشاء المنظمة في مدينة (دامبرتون أوكس)
إحدى ضواحي واشنطن عام 1944م، وأن يعقد المؤتمر التأسيسي المنشئ للأمم
المتحدة في (سان فرانسيسكو) عام 1945م، وأن تصبح (نيويورك) هي المقر الدائم
لتلك الحكومة العالمية، بعد الإعلان عن قيامها في 24 أكتوبر 1945م.
إن تلك الحكومة أو هذه المنظمة هي أمريكية الوجهة، نصرانية المصدر..
فهي أمريكية الوجهة؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبتها، ومنشئتها،
ونصرانية المصدر؛ لأن النصرانية هي ديانة أمريكا والديانة الأصلية للحضارة
الغربية بأكملها، بشقيها الغربي والشرقي؛ ولم يكن ظل النصرانية غائباً عن
صياغة بنود ذلك الميثاق الأممي، ويدل على ذلك دلالة صارخة: أن ما يعرف بـ
(مجلس اتحاد كنائس المسيح) كان أحد أهم جهتين وكلتا بتشكيل اللجان لصياغة
الأفكار الأمريكية الرسمية حول فلسفة المنظمة وملامح مبادئها، وقد ترأس تلك
اللجنة الكنسية (فوستر دالاس) الذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية الأمريكية، وقد
شارك في اللجنة كذلك عدد من رموز اليهودية والكاثوليكية.
هل هي مصادفة ألا يوجد في قائمة أسماء أمناء المنظمة الدولية طوال تاريخها
اسم مسلم، على الرغم من أن الدول الإسلامية الأعضاء فيها تبلغ الثمانين؟ وهل
هي مصادفة أنه عندما تقرر اختيار رجل من العرب أميناً، أن يكون هذا (الأمين)
نصرانيّاً؟ ! إن ميثاق المنظمة بعد بلورته لم يعرض على جهة قبل مجلس الشيوخ
الأمريكي، فللأمريكيين قبل غيرهم حق النظر في الكيفية التي سينتهي إليها نظام
العالم، ولهذا: لم يكن أمام مجلس الشيوخ إلا أن أقره بأغلبية (89) صوتاً ضد
صوتين، ووافق أن تكون الولايات المتحدة هي أول دولة تودع وثائق تصديقها لدى
المنظمة الدولية الجديدة، وأصبحت أمريكا بعد ذلك المستودع الرئيس للأفكار
الخاصة، ليس فقط بإنشاء منظمة الأمم المتحدة، ولكن أيضاً بإنشاء العديد من
الوكالات الدولية المتخصصة والتابعة لها.
أما اليهود: فلا تسل عن ضلوعهم في تهيئة الأوضاع لنشوء تلك المنظمة،
ويكفي دليلاً على ذلك: أن باكورة إنتاج الأمم المتحدة بعد قيامها، كان: إقامة دولة
اليهود.. (إسرائيل) !
كيف إذن تدير هذه الحكومة سلطاتها على (الرعية) من دول العالم الصغرى
والوسطى؟ لقد أجاب على ذلك المؤتمرون في (يالتا) عندما اتفقوا على اقتسام
مناطق النفوذ في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.. حينها تطرق بحث زعماء
إنجلترا وروسيا وأمريكا (تشرشل ستالين روزفلت) إلى كيفية تكريس واقع ما بعد
الحرب لصالحهم، وفي (يالتا) تم الاتفاق على أن يكون للدول الكبرى حق النقض
(الفيتو) دون أن يكون لبقية الدول ولو حق النقد لهذا الحق، وقد وصل الأمر بعد
استقرار هذا التقليد، إلى حد أن السناتور الأمريكي (كوناللي) قام بتمزيق نسخة من
طلب قدمته بعض الدول لتعديل نظام التصويت، وصاح قائلاً: (إنه من دون الفيتو، لن يكون هناك ميثاق أصلاً..) ! !
وهكذا ... بالقوة.. أراد أساطين الشرعية الدولية فرض شريعتهم الديكتاتورية
على الجموع البشرية.
إن ربع هذه الجموع تمثله أمة الإسلام، التي تقترب دولها من نصف أعضاء
المنظمة (80 من 180) ! ولهذا: يحق لنا ونحن نتساءل عن مدى شرعية
(الشرعية الدولية) أن نطرح هذه الأسئلة:
هل كان هناك لأمة الإسلام دور في صياغة هذا (الدستور) الذي يطبق على
دولها في شؤونها الدولية؟ وهل استشير الإسلام في وضع مبادئه؟ ، أو كان
مصدراً من مصادر استلهامه؟ ، وهل روعيت مصلحة الشعوب الإسلامية في أثناء
وضع أهدافه؟ ، وهل تملك تلك الشعوب والدول، مجتمعة أو منفردة أن تخرج عن
إطار الهيمنة التي أدخلت نفسها بنفسها تحت سلطتها؟ وهل يملك أحد ولو كانت
الدول الإسلامية كلها، أو الدنيا بأسرها أن تغير حقائق وأهداف وقيم الدين الخاتم،
وسلب أحقيته ولو نظريّاً في قيادة البشرية وتوجيهها بمقتضى رسالة الله الأخيرة إلى
البشر؟
لقد كنت أظن أن برنامج الأمم المتحدة لحكم العالم قد صيغ لضمان سيطرة
الغرب النصراني مع صنوه اليهودي على العالم فقط، ولكن تأكد لي بعد التفحص
في بنود هذا البرنامج: أنه قد أحكمت خطته ليحول دون قيام أي منافسة لهم على
زعامة العالم، وخاصة إذا كانت من العالم الإسلامي، الذي قامت زعامتهم على
أنقاض خلافته الضائعة.
إن هذا البرنامج بعبارة أخرى يراد منه أن يمكِّن للدول الكبرى النصرانية أن
تظل قائدة إلى الأبد، وفي القمة إلى الأبد، ويراد منه في الوقت نفسه: أن تظل
الدول الصغرى التي يمثل المسلمون غالبيتها مقودة إلى الأبد، وفي القاع إلى الأبد،
فهل هذه شرعية؟ ! !
إننا ونحن نناقش مدى شرعية (الشرعية الدولية) ينبغي أن نستحضر الثوابت
الإسلامية، ونستظهر المعاني القرآنية، بعيداً عن ضغط الواقع الذي يدفع بعضنا
إلى الخروج من جلده والتكلم بغير لسانه ...
وهنا: لابد من استظهار الحقائق التالية، قبل استعراض ماهية ونوعية بنود
الميثاق الدولي لحكم العالم:
-أن الفرضية التي انطلق منها الغرب وهو يؤسس لحكومته العالمية، وهي
بقاء أمم العالم الثالث (وأكثرها من العالم الإسلامي) مستضعفة، هذه الفرضية
لاينبغي أن تغير من قناعة الأمة الإسلامية في أحقيتها الأصلية في أخذ الزمام وتسلم
الدفة.
-أن الإصرار على وصف هذا الوضع الشاذ المتمثل في تسلط الأعداء بـ
(الشرعية) ، والإمعان في إضفاء الاحترام والتبجيل لهم، يساعد على ترسيخ مفهوم
التبعية لدى شعوب المسلمين.
-أنه لا معنى للاستتار بحقائق الدين خلف جدران الوهن، وترديد مقولة
المهزومين بأنه لا مخرج عن تلك الولاية الدولية القسرية، ولا مناص بالتالي من
النزول على شرعيتها؛ فإن هذه إن وقعت قدراً، فليس معناها أن تسوغ شرعاً.
-أن النزول على كل أحكام تلك الشرعية الدولية، سيعني التسليم لولاتها
الدوليين بحقوق ليست لهم، ولا هي مقبولة منهم، مثل: إلغاء الجهاد الإسلامي
لنشر الدين الحق أو حتى حمايته، إنْ طلباً أو دفعاً، وإلغاء القسمة الإسلامية لدول
الأرض إلى ديار إسلام وديار كفر، واستبدال ذلك بدول مستقلة أو غير مستقلة
بحسب ارتضاء الغرب عنها.
- بل سيعني هذا النزول على أحكام الشرعية الدولية: التنازل عن التقسيم
الإلهي للبشر إلى مؤمن وكافر من الناحية العملية، مما يترتب عليه التنازل عن
عقيدة الولاء والبراء.
- أن أصحاب شريعة الإسلام الإلهية التي لم تلق شرعية أو احتراماً من
أصحاب الشرعية الدولية حين أصلوا لها، لاينبغي أن يكافئوا تلك (الشرعية
الوضعية) بإضفاء الشرعية الإسلامية عليها.
- أن شريعة الإسلام الشاملة الكاملة تأبى أن تكون حاكمة في داخل بلاد
المسلمين ومحكومة خارجها، وترفض أن يُتحاكم إليها في السياسة الداخلية، ثم
يتحاكم إلى غيرها في السياسة الخارجية.
-أن ما تهدف إليه المنظمة الدولية لا يتعلق بأمر ثانوي بالنسبة لأمة الإسلام، بل يتعلق بأصل كيانها ووظيفتها التي أنيطت بها في حاضرها ومستقبلها.
-أن الاضطرار إلى أكل جزء من الميتة لا يجعل لحمها من الطيبات،
واللجوء إلى استبقاء النفس بجرعة خمر؛ لا يجعل الخمر من المباحات، فكذلك
الوقوع تحت حكم الكفار اضطراراً؛ لايجعلهم من الأخيار الذين نتسابق إلى
تحكيمهم في رقاب الأمة ودمائها وأموالها.
- سواء أكانت المعاهدات الدولية عقوداً أو عهوداً، فإن العقود والعهود تحل
أو تحرم بحسب المعقود عليه، ولا يتصور حِل التعاقد على إهانة أمة الإسلام على
يد الظالمين، أو التعاهد على تسليم الكافرين زمام أمر العالمين.
وأخيراً:
- قد يثور تساؤل حول مدى صدقية القول باستهداف الأمة الإسلامية من
خلال فرض همينة الدول النصرانية، فقد يقول قائل: وهل الدول الإسلامية فقط
من ضمن دول العالم الثالث هي المقصودة بالعداء وفرض الهيمنة، أم أن ذلك أمر
مشترك مع كل الأمم الضعيفة والمتخلفة بسبب ضعفها وتخلفها؟ والجواب على ذلك
ينبع من استقراء ممارسات الدول الكبرى والفَرق بين تعاطيها مع القضايا الإسلامية
كما سبق التفصيل في مقال سابق وتعاملها مع القوى الناهضة الأخرى، ولننظر
على سبيل المثال في نموذج (الهند وباكستان) : كيف سمح لهذه الهندوسية بتملك
القنبلة النووية، ولم يسمح لتلك المسلمة بتملكها؟ ، وهناك مثال أظهر يوضح
التحيز السافر، وهو نموذج (الدولة العبرية) مع الدول العربية، بل مع كل الدول
الإسلامية، ليس في المجال النووي فقط، بل في كل المجالات ... وليس آخر
الأمثلة ما يحدث مع كل من البوسنة وألبانيا وكوسوفو من جهة وما يحدث مع
الصرب والكروات من جهة أخرى.
إن الممارسات نعم الممارسات هي التي تفصح عن الشعارات، فتفضحها أو
تمدحها، وقد لا يتفطن كثير من الناس لخفايا وخبايا الشعارات؛ لدقة حبكتها أو
التواء صياغتها أو استتار غايتها، ولكن سرعان ما يكشف الظاهرُ الباطن. وقد
تبنت الأمم المتحدة منذ أبرم ميثاقها سبعة مبادئ، حوتها المادة الثانية منه،
فلنستعرض تلك المبادئ، ولنقرأ ما بين سطورها غير مخدوعين بظواهرها،
ولنسأل الأيام والليالي ... لأي شيء وضعت؟ .
المبدأ الأول: المساواة السيادية بين الدول، فتنص الفقرة الأولى من المادة
الثانية على أن (الأمم المتحدة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها، سيادة قانونية في الحقوق والواجبات) ، وقد نقضت المنظمة واقعيّاً هذا المبدأ الذي
خطته نظريّاً، فلم تتردد في هدمه بإعطاء الدول الكبرى وحدها مزايا خاصة،
أهمها الحق في مقعد دائم في مجلس الأمن الذي يبت في القضايا الدولية، وكذلك
أعطت الدول الكبرى لنفسها حق النقض الذي يمكّن كل دولة كبرى عمليّاً من
الحيلولة دون صدور أي قرارات تتعلق بمسائل موضوعية إذا كانت لا ترغب في
صدورها!
المبدأ الثاني: وقد قررته الفقرة الثانية من المادة الثانية، إذ يشترط لكي يكفل
للأعضاء جميع الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية بأن يقوموا بتنفيذ
الالتزامات التي تعهدوا بها على أنفسهم (بحسن نية) ، وهي التزامات قد تكون مادية
أو في شكل تسهيلات لتمكين الأمم المتحدة من الدفاع أو الهجوم في العمليات التي
تدور في فلك المصالح العليا للقوى العظمى. و (حسن النية) المشترط لكسب مزايا
العضوية، قد ضربت الدول الكبرى فيه (أروغ) الأمثلة، وبخاصة في القضايا
الإسلامية كما سبق إيضاحه.
وأما إذا لم يتوفر (حسن النية) من الضحية صاحبة العضوية، فلا حقوق ولا
مزايا ولا مكافآت، ولا مناص من العقوبات.
المبدأ الثالث: فرضت الفقرة الثالثة من المادة الثانية على الدول الأعضاء
الالتزام بمبدأ (إنهاء المنازعات بالطرق السلمية، على نحو لا يجعل السلم والأمن
والعدل الدولي عرضة للخطر) وهذا بالطبع من باب التوجيه والنصحية من الدول
الكبرى لأخواتها الصغرى بأن تحل النزاعات بالطرق السلمية، لا بالقنبلة الذرية
كما فعلت أمريكا في (هيروشيما) ، ولا بالغزو المباشر كما فعلت بريطانيا في
(جرينادا) ، ولا بالاجتياح السافر كما فعلت روسيا في (أفغانستان) و (الشيشان) ،
ولا بإبادة الآلاف من الثوار كما فعلت فرنسا في الجزائر! !
المبدأ الرابع: في الفقرة الرابعة من المادة الثانية، وهو يلزم الأعضاء
(بتحريم التهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً ضد سلامة الأراضي والاستقلال
السياسي على وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة) .
ولكن ماذا لو اتفق مع مقاصد الأمم المتحدة ومن هم وراء الأمم المتحدة؟ ، إن
الأمر وقتها يختلف، ودولة اليهود مثال على ذلك، فهي تمرغ هذا المبدأ في التراب
كل ساعة وكل دقيقة وثانية، بعدد ما في ترساناتها من أسلحة نووية وكيماوية
وجرثومية، وبعدد الأشبار والأمتار التي استولت عليها بالقوة العسكرية، كل هذا
تحت مظلة الشرعية الدولية.
المبدأ الخامس: تلتزم جميع الدول بموجب الفقرة الخامسة من المادة الثانية
من الميثاق بتقديم (كل ما في وسعها من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه
وفق هذا الميثاق) .
وأيضاً: (تلتزم بالامتناع عن مساعدة أي دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها أي
عمل من أعمال الردع) ليس هذا فحسب، بل فرض الميثاق على الدول الأعضاء
بموجب المادة (43) بأن (يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن ما يلزم من القوات
المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية، ومنها حق المرور) إذا تطلب الأمر!
إن كل دول الإسلام مثلاً لا تملك إسعاف شعب مسلم ولو مات أطفاله جوعاً أو
هلكوا مرضاً؛ لأن الأمم المتحدة قررت فرض حصار عليه، لخلافات سياسية
حقيقية أو وهمية مع قادته، ودول العالم الإسلامي كلها لا تستطيع أن تخرج على
الشرعية الدولية؛ فتهب لنجدة شعب مستضعف يستأصل على مرأى ومسمع من
العالم كما في البوسنة أو الشيشان، لأن الأمر لابد أن يترك لعدالة الأمم المتحدة
والقانون الدولي، إن هذا البند بالذات يفسر لنا حالة الموات التي تصيب العالم
الإسلامي ودوله في تعاملها مع القضايا الدولية الإسلامية.
المبدأ السادس: يوجب الميثاق حتى على الدول غير الأعضاء أن تلتزم قسراً
بمبادئ وقرارات الأمم المتحدة، وأسند الميثاق لها بموجب الفقرة السادسة من المادة
الثانية أن (تعمل على أن تسير الدول غير الأعضاء على هدي المبادئ الواردة في
الميثاق) ، وأكدت في هذا الصدد أن (الأمن الدولي لا يتجرأ) ، والمعنى: اشتركوا
في العضوية أو لا تشتركوا، فسوف تشملكم مظلتنا.. ومعنى هذا أيضاً: أن
الصورة التي يراها الكبار للعالم ينبغي ألا تتغير، ومواضع النفوذ غير قابلة
للمناقشة، وأن من يخرج عن الخط الأحمر، فلابد من تجييش العالم ضده.
المبدأ السابع: ليست للمنظمة الدولية مسؤولية تجاه الشؤون الداخلية في الدول، ومع هذا قُيد هذا الإطلاق بشرط، هو: (على أن هذا المبدأ لا يحول دون تطبيق تدابير الردع الواردة في الميثاق) ، ولم يتضمن الميثاق تعريفاً أو حصراً للمسائل التي تقع تحت طائلة تحمل المسؤولية أو عدم تحملها، فالأمر متروك لـ (ذكاء) و (نزاهة) القائمين على المنظمة الدولية، لتقدير من يستحق العقوبة والردع لانحرافاته الداخلية ومن لا يستحق.
إن هذه المبادئ وغيرها من تفصيلات (الميثاق الدولي) تجسد حقيقة اعتبار
الأمم المتحدة نفسها حكومة عالمية، وسواء أَسَلّمَت لها شعوب الأرض بذلك أو لم
تسلم، فإنها تتعامل على أساس أنها حكومة فوق كل حكومة، حتى إن المادة (104)
منها تنص على أن الأمم المتحدة: (تتمتع في بلاد كل عضو من أعضائها بالأهلية
القانونية التي يتطلبها قيامها بأعبائها وتحقيق مقاصدها) ، أي: أعباء ومقاصد الدول
الكبرى وعلى رأسها أمريكا بالطبع.
إن تحكم الدول دائمة العضوية حال دون أي مساس بمكتسبات ومصالح تلك
الدول المستمرة باستمرار قيام المنظمة الدولية، حتى إنها حالت دون إدخال أي
تعديلات جوهرية على الميثاق طوال نصف القرن الماضي.. إن هذا الثبات بل
الجمود على التمسك ببقاء كل شيء على ما هو عليه، يرشح المنظمة في الاستمرار
في إدارة شؤون العالم على النحو المرسوم لها، ولكن.. لحساب من؟ ... لحساب
الدولة الكبرى أولاً، ثم لصاحباتها الدائمات ثانياً.. والواضح أن الولايات المتحدة
تستدرج بقية شركائها الواحدة تلو الأخرى مع الزمن؛ لتخرجهم من حلبة المنافسة
على السيطرة على العالم كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي لتنفرد هي بعد ذلك بهذا
العالم، وتصبح الدنيا في قبضة أولئك النصارى المتهودين، أو قل: اليهود
المتنصرين: البروتستانت، الذين يؤمنون بـ (الكتاب المقدس) التوراة والإنجيل
معاً.
ونقرر هنا الحقيقة المرة، وهي: أن بين البروتستانت واليهود صلات
وصلات، منها ما نعرفها، ومنها ما لا نعرفها، فإلى متى يضع المسلمون رءوسهم
في الرمال ويقللون من شأن (العلو الكبير (الذي بلغه اليهود في هذا الزمان؟ ..
ونسأل سؤالاً: أليس من الممكن أن يستغل اليهود هذه الأوضاع فيقفزوا فوق
ظهر المنظمة الأممية بصورة علنية (بدلاً من الحكومة الخفية) ليتسلموا قيادة العالم
عن طريق الأمم المتحدة بعد تطويرها وتحويرها..؟ لِمَ لا ... وهل يمكن لليهود
أن يجدوا صيغة أسهل وأنسب من هذه الصيغة لتحقيق حلمهم القديم ... (الحكومة
العالمية) ؟ !