مجله البيان (صفحة 2155)

فى الفلبين.. هل تحقق خطة (غزة/ أريحا) وأهدافها

المسلمون والعالم

في الفلبين.. هل تحقق خطة (غزة / أريحا) أهدافها؟

محمد عبد الله

لقد باتت خطة (غزة /أريحا (التي توصل إليها اليهود في فلسطين المحتلة

و (م. ت. ف) بما تحمل في طياتها من تآمر على القضية الفلسطينية وإهدار للحقوق

التاريخية والجغرافية للمسلمين الفلسطينيين أصبحت تلك الخطة رمزاً لكل قضية

إسلامية يراد لها التصفية، ولكل شعب مسلم أُريد هضم حقوقه الثابتة، فبعد أن

اعتمدت الخطة المذكورة على شبري (غزة / أريحا (من أرض فلسطين الممتدة من

البحر إلى النهر، واعتقد يهود بذلك أنهم قد نجحوا في طمس معالم قضية الشعب

الفلسطيني، وأثبتوا حقهم المزعوم في الوجود الأبدي على أرض الإسراء، واعتقد

عرفات وجماعته أنهم قد ربحوا البيع، واستخلصوا من فم الأسد ما لا يمكن لغيرهم

استخلاصه.

ها هي الخطة نفسها بحذافيرها وبأهدافها ذاتها، يسعى أعداء الإسلام

الصليبيين لفرضها على المسلمين في الفلبين، عبر الطرف العلماني نفسه الذي

يمثل تنظيماً شبيهاً ب (م. ت. ف) .

أوجه الشبه بين ظروف القضيتين:

كثيرة هي أوجه الشبه بين القضيتين الفلسطينية والفلبينية، فالقضيتان تتعلقان

باغتصاب واحتلال أراضٍ إسلامية، وقمع شعب مسلم بالقوة العسكرية، بل تكاد

تتشابه (تكتيكات) طريقتي الاحتلال إلى حد كبير؛ ومن ذلك: اعتماد المحتلين على

سياسة الاستيطان باستجلاب المستوطنين غير المسلمين وزرعهم في أراضي

المسلمين المغتصبة لتغيير تركيبتها السكانية ومعالمها الأصلية، وهو ما يحدث في

جزر الفلبين الإسلامية الجنوبية، كما هو الحال في فلسطين.

أما على صعيد أصحاب البلاد الأصليين؛ فنجد في كلتا الحالتين طرفين

يختلفان في الأيديولوجية والمنهج والتصورات والطموح، فالطرف الأول هم

(الإسلاميون) الذين وعوا قضيتهم وتناولوها من خلال المنظور الشرعي، وتبنوا

خيار الجهاد للدفاع عن دينهم وكرامتهم السليبة، واتخذوا ذلك طريقاً لتخليص

بلادهم من الكافر المحتل، أما الطرف الآخر فهم (العلمانيون (الذين لا يهمهم إلا

إثبات وجودهم وتحقيق ذواتهم وتحصيل المغانم، ولا يبالون في سبيل ذلك بالثمن

الذي يقدمونه من مذلة ومهانة وتفريط في الواجبات والأوامر الشرعية، ولايعيرون

اهتماماً للدماء التي سالت والتضحيات الجسام التي قدمت، ولا همّ لهم إلا ما

يتهافتون على تحصيله اليوم! ! .

واليوم: أراد أعداء الإسلام من يهود وصليبيين وأعوانهم طي ملفي القضيتين

بالطريقة نفسها والأسلوب والإخراج ذاته، فبعد أن حقق اليهود خطوات على

الصعيد الفلسطيني جاء الدور على قضية مسلمي الفلبين لوأدها بالأسلوب نفسه.

(غزة / أريحا) الفلبينية:

لما استعصى أمر المسلمين في الفلبين على الحكومة الصليبية المغتصبة،

وفشلت جميع خططها لاحتوائهم، وعجزت عن قهرهم وإخضاعهم بالطرق

العسكرية القمعية على مدار السنوات الطوال الماضية، وأصر مسلمو الفلبين

بدورهم على مواصلة جهادهم؛ حتى يحققوا النصر ويتحرروا من طغيان هذه

الحكومة التي أيقنت أنها لن تصل لأهدافها بالطرق القمعية التي اعتمدت عليها في

السابق، وبعد أن ازدادت حدة العمليات الجهادية وتصاعدت كمّاً وكيفاً في مواجهتها، وسيطر الإسلاميون بشكل كبير على دفة التوجيه في المجتمع، حيث لاقوا تأييداً

واسعاً بين صفوفه، الأمر الذي جعل هذه الحكومة تستشعر الخطر المحدق بها لو

تركت الأمور تمضي على هذا النحو، فلم يعد لها بد من الاعتماد على مثل هذه

المؤامرة الجديدة لتدارك أمرها قبل فوات الأوان، فأعلنت بدورها عن عزمها على

عقد مفاوضات (سلام!) مع المسلمين، ولم تجد الحكومة الصليبية أفضل من

الجبهة القومية (العلمانية (لتمرير مؤامراتها عن طريقها، لما يتسم به القائمون عليها

من مؤهلات للقيام بهذا الدور من: تعطش للسلطة، وحب للظهور، ورغبة في

الزعامة، أما من جهة العلمانيين أنفسهم فقد لاحت لهم الفرصة التي لا تفوّت

لتنصيبهم على رؤوس المسلمين، الذين نبذوهم وانفضّوا من حولهم بعدما تبين لهم

حقيقة منهجهم، والأطماع الشخصية التي يضمرونها في أنفسهم، والمصالح الذاتية

التي يسعون لتحقيقها.

وكل هذه العوامل هيأت الظروف للطرفين ليجتمعا على هذه الخطة ليحقق كل

طرف مأربه من خلالها.

الأهداف الحقيقية وراء هذه الخطة:

حين لجأت الحكومة الفلبينية لهذه المؤامرة لم تكن تقصد بذلك التخلص من

معاناتها مع المسلمين وتركهم لحال سبيلهم، بل سعت لتحقيق عدة أهداف على

أصعدة شتى فشلت في تحقيق أي منها بسياستها الأولى.

ويمكن تلخيص هذه الأهداف فيما يلي:

1- قطع الطريق على التيار الإسلامي المتنامي، والحد من نشاط الحركة

الجهادية الصاعدة، وعدم تمكين القيادات الإسلامية من احتلال مواقع الصدارة في

قيادة المجتمع المسلم في الفلبين.

2- إحكام سيطرتها بشكل نافذ ودائم على مناطق المسلمين الجنوبية، وهو

الأمر الذي لم تتمكن من تحقيقه على مدى السنوات الماضية منذ استقلال دولة

الفلبين عام 1946 م وحتى اليوم؛ وذلك من خلال سيطرتها على الميلشيات

المسلحة التابعة للجبهة العلمانية، الذين سيصبحون جزءاً من الحكومة وقواتها،

وبالتالي: تتمكن قواتها العسكرية والأمنية من الانتشار في هذا المناطق بحرية تامة

وأمان نسبي كلما دعت الضرورة لذلك (حسب ما نصت عليه مسوّدة الاتفاق

المبدئية) .

3- توفير الأموال والدماء التي تتكبدها في كل مواجهة مع المجاهدين، حيث

ستوكل مهمة (التطهير الأمني) وحفظ النظام وفرض قانون الدولة لتقوم الميلشيات

المسلحة المحسوبة على المسلمين بها.

4- خطب ود الدول الإسلامية التي تربطها بها علاقات اقتصادية حيوية،

وتحسين صورتها أمام هذه الدول وشعوبها المسلمة؛ بتظاهرها بأنها قد منحت

المسلمين حريتهم وأحسنت إليهم، ومن جهة أخرى: استقطاب رؤوس الأموال

الإسلامية لتنفيذ مشروعات استثمارية في جنوب الفلبين بالإضافة إلى الاستفادة من

المنح المالية التي ستقدمها بعض الدول الإسلامية لدعم السلطة الجديدة (الحكم

الإداري) مما سيوفر للحكومة المركزية ما كانت ستنفقه من ميزانيتها الاقتصادية في

المنطقة.

5- التفرغ نسبيّاً لحل بعض مشكلاتها الاقتصادية المزمنة، وتوفير جانب من

نفقات الدفاع التي ترهق ميزانيتها المالية وتستنزف منها ما قيمته مليون (بيسوز)

يوميّاً (63 ألف دولار) حسب ما صرح به رئيس الفلبين نفسه.

6- استغلال الثروات الطبيعية من (أخشاب ومعادن (التي تذخر بها بلاد

المسلمين الجنوبية، ولا تستطيع الحكومة الوصول إليها في ظل الظروف الحالية،

حيث لا يمكنها المسلمون من ذلك.

ومما يؤكد سعي الحكومة في تحقيق هذه الأهداف: الموافقة الفورية التي

أبدتها فيما يتعلق بإدراج المناطق التي تشهد نشاطاً كبيراً وسيطرة للمجاهدين، ولا

تجد لها فيها مستقراً ضمن الاتفاقية.

هل تحقق الخطة أهدافها المرسومة؟ ! :

مما لاشك فيه أن الحكومة الفلبينية تعلق آمالاً كبيرة على تحقيق أهدافها من

وراء هذه الخطة أو أكثرها على الأقل في هذه المرحلة، ولكن ليس معنى هذا أنها

قد فرطت في أهدافها الكبرى بعيدة المدى، أو أنها ستترك السلطة التي ستعينها

تفعل ما تشاء وتتصرف بحرية في المهام التي أوكلت إليها دون إشراف ومتابعة

منها، فمن جهتها: ستحاول هذه السلطة إثبات نجاحها فيما أوكل إليها ولو بالقوة.

عقبات في طريق الخطة:

إن حرص الطرفين على إنجاح الخطة وتحقيق أهداف كل طرف منها لا يعني

بالضرورة نجاحها الفعلي؛ ذلك أن هناك عقبات كبيرة في طريقها خارجة عن إرادة

الطرفين، وأهمها:

أولاً: الرفض الشعبي العام لهذه الخطة وحالة السخط والاستياء التي تتعرض

لها الجبهة لإقدامها على هذه الخطوة وعدم الالتفات لرغبة الشعب الحقيقية في

التخلص من السيطرة الصليبية عليهم.

ثانياً: الرفض الجماعي من قبل الجماعات الجهادية والجمعيات الإسلامية

الفاعلة للخطة ومقاطعتها بشكل تام.

ثالثا: إصرار القادة الميدانيين والمجاهدين (في الخنادق) على مواصلة

جهادهم ضد الحكومة، حتى لو منحت الجبهة ذلك الحكم الإداري.

وهذه الأسباب بل بعضها كفيل بإفشال هذه الخطة طالما أنها لم ترد للمسلمين

حقوقهم وتحقق آمالهم، وافتقادها لعنصر التأييد والرضا الشعبي وحده كفيل بالقضاء

عليها في مهدها، ولن تتمكن الجبهة العلمانية إن شاء الله من مواجهة الشعب المسلم

المعارض بأكمله، وفي هذه الحالة لن تترك الحكومة الأوضاع بدون معالجة جديدة،

وستعود للتدخل كما كان الحال من قبل، هذا إذا لم تغير الحكومة رأيها وتتراجع

عن التنفيذ بعد إتمام الاتفاق لمصلحة أخرى تراها كما حدث عقب (اتفاقية طرابلس)

عام 1976م التي لم تُنَفّذْ من بنودها بنداً واحداً حتى اليوم على الرغم من مصادقة

الحكومة الليبية التي استضافت المفاوضات ومنظمة المؤتمر الإسلامي عليها! ! .

وبعد.. فهذه عينة من عينات المكر الصليبي والدولي ضد المسلمين في كثير

من ديار الإسلام، إن (خطة غزة /أريحا) في فلسطين جعلت السلطة في فلسطين

أسيرة الحكم الصهيوني، بل جعلتها عيناً وعصاً بيد (يهود) ضد شعبها، فهل يفطن

شعب مورو المسلم لهذه الخطة والمؤامرة؟ ! أم تكون سبباً لتقاتل المسلمين مع

بعضهم البعض، والصليبيون يتفرجون، ثم لا يحصل للمسلمين نصر سوى

الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر، وهذا هو المتوقع إن لم يتدارك هذا الشعب

وقادته ومجاهدوه الموقف برفض الخطة، حتى يعطى المسلمون حقوقهم كاملة. ثم

إن على قادة الجبهة الذين وقعوا الخطة الجديدة أن يفيئوا إلى الله ويحرصوا على

مصالح الشعب المسلم في الفلبين، وألا يكونوا مع الحكومة ضدهم طمعاً في عرض

زائل، وعليهم تصحيح مسارهم والتعاون مع إخوانهم على البر والتقوى، وتلافي

أساليب البغي والعدوان. فحتى متى يخسر المسملون جل قضاياهم بحلول هزيلة

وتصرفات حمقاء، هلاّ اجتمعوا وكانوا يداً واحدة، فإنهم حينئذ سيأخذون حقهم

كاملاً.

هذا ما ندعو إليه ونحذر من خلافه، والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015