مجله البيان (صفحة 2109)

أهمية مبادىء الإدارة فى الدعوة

دراسات دعوية

أهمية مبادئ الإدارة في الدعوة

بقلم: نبيل بن جعفر الفيصل

إن الدعوة إلى الله (سبحانه وتعالى) هي الأساس الذي قامت عليه هذه الأمة

ونهضت به، وإذا نظرنا في تاريخ الدعوة منذ بعثته وجدنا أنها كانت تسير ضمن

عملية إدارية محكمة، بلغت في تخطيطها وتنظيمها وتربيتها للسلوك الإنساني

ذروتها.

وكما أن حركة الدعوة الإسلامية مطالبة بدراسة التجارب التي مرت بها عبر

القرون للاستفادة منها بحكمة بعد تقييمها وعرضها على الكتاب والسنة وإجماع

السلف فكذلك هي مطالبة أيضاً بالاستفادة بكل مايعينها لتحقيق هدفها.

ونستعرض هنا بإيجاز العملية الإدارية من منظورها النظري، وكيفية ملاءمة

هذه العملية بوصفها أداة تعين في النهوض بالدعوة. ومع العلم، فإن نجاح تطبيق

وظائف الإدارة المختلفة في مجالات الدعوة مرهون بتصور واستيعاب القارئ

لتطبيق هذه الوظائف في حياته الدعوية: فمثلاً عندما نتحدث عن إدارة الوقت من

الناحية النظرية، فإنا نقوم خلالها بتحديد الأعمال المطلوبة وترتيبها في قائمة حسب

الأولوية والأهمية، وتحديد وقت لكل مهمة ومراجعة وتحديث القائمة باستمرار، ثم

تقييم ماتم إنجازه حسب الوقت المخصص لكل مهمة ودقة الإنجاز وعمل التعديل

اللازم.. إلى غير ذلك من التوجيهات الخاصة بإدارة وتنظيم الوقت.

وإذا تصورنا هذه التوجيهات من الناحية العملية، نجد أننا فعلاً نقوم بمثل هذا

التخطيط للوقت بصورة غير مباشرة، فتجد أنك تلقائياً وقبل شروعك في إنجاز

مهمة ما تفكر ذهنياً وبسرعة متى يجب عليك الانطلاق، وكيف؟ ومع من؟ وأي

طريق ستسلك؟ ، وأثناء الطريق ستفكر ماذا ستفعل عند وصولك وإلى أين ستذهب

بعد ذلك.. إلخ.

هذا ما نقصده بالتصور التطبيقي للعملية الإدارية: أي أن ننقلها من الوضع

النظري إلى الواقع العملي.

ماهي العملية الإدارية؟

إن الإدارة بحد ذاتها هي: عملية دمج وتنسيق الموارد المادية (كالمعدات

والأدوات) ، والبشرية (الأفراد) في منشأة من خلال التخطيط لها وتنظيمها وتوجيهها

ومراقبة إنتاجها؛ لتحقق بالتالي أهداف المنشأة.

كل جهاز دعوي على اختلاف مستوياته لابد له من الاستفادة من علم التخطيط

والتنظيم والتوجيه والمراقبة، أو مايسمى بالوظائف، وبالتالي شرح هذه الوظائف

وكيفية الاستفادة منه، خاصة إذا استحضر الإداري المسلم في قلبه وكيانه أنه في

إدارته مدفوع بذاتية ربانية ونبوية المنهج، تقوده للتفكير السليم القويم كسمة يتميز

بها عن غيره.

أولاً: التخطيط:

هو «ضرورة لكل المنشآت؛ لأنها تعمل في ظروف متغيرة، ومن ثم فإن

محاولة التخفيف من مفاجآت هذه الظروف هو الدافع وراء عملية التخطيط، كما أنه

عملية مستمرة تدعو لاختيار بديل من عدة بدائل لتطبيقه في المستقبل» [1] ونحدد

من خلاله مانريد أن نعمله، وما الذي يجب عمله، وأين؟ وكيف؟ ومتى؟ وعن

طريق مَنْ؟

والتخطيط للدعوة يبدأ من المنطلق الاستراتيجي (الإحكامي) البعيد المدى عن

طريق القياديين ومفكري الأمة: مثل ماحصل في خطة صلح الحديبية ذات النظرة

البعيدة الذي يعده بعض المؤرخين بداية الفتح الإسلامي الفعلي، «ثم على الخطة

أن تتسم بالواقعية والمرونة والشمولية وكذلك تناسق الخطط فيما بينها لضمان

استمراريتها» [2] .

ثانياً: التنظيم:

يأتي دور التنظيم لضمان تنفيذ الخطط بالشكل المطلوب، أو بمعنى آخر

تنظيم التنفيذ دون الارتباك في توزيع العمل، والتنظيم مهم لتحديد مهام وواجبات

كل الأفراد أعضاء المنشأة وكذلك تحديد وبيان علاقة كل فرد وأين موقعه من

الجماعة، وتوزيع السلطات والصلاحيات لمستويات الأفراد المختلفة؛ كل ذلك من

أجل إيجاد تنسيق بشري يساهم فيه كل فرد لإنجاح مسيرة العمل الإسلامي، ولنا

من الهجرة النبوية إلى المدينة درس يمثل غاية التنظيم والتنسيق لإحكام خطة

الهجرة، وتوزيع العمل والمسؤوليات على الأفراد حسب تخصصهم دون فوضى،

وعمل الاحتياطات اللازمة لكل حادث قد يصادف تلك الرحلة. وبالإخلاص وتظافر

الجهود تتحقق الأهداف المنشودة بإذن الله.

ومن السابق يمكن تعريف التنظيم بأنه: عملية بناء العلاقات بين أجزاء العمل، ومواقع العمل، والأفراد من خلال سلطة فعالة بهدف تحقيق الالتحام والترابط

وأداء العمل بطريقة جماعية منظمة وفعالة [3] .

ثالثاً: التوجيه والقيادة:

إن للتوجيه الإداري ارتباطاً وثيقاً بمهارات القياديين؛ لذا هو: «فن وقدرة

المدير على السير الصحيح بمن تحت إمرته وهدايتهم وتوجيهم مع إشاعة روح الود

والحب والرضا والتفاني والانتماء في العمل حتى يتحقق الهدف المطلوب» [4] .

ولنجاح عملية التوجيه ينبغي مراعاة الاتصال الفعال الذي يربط قنوات النظام

الداخلي والخارجي مع وضوح أهداف النظام الكلية والأهداف المطلوب تحقيقها من

كل فرد يعمل لهذا النظام على اختلاف مستواه.

أضف إلى ذلك رفع الروح المعنوية للأفراد العاملين في مجال الدعوة من

تقديم التشجيع والثناء والمزيد من الحرية والتصرف، ناهيك عن الدافع الديني

الذاتي لدى كل من يفهم معنى الدعوة وحجم الاستثمار فيها، ولايفوتنا الإشارة

للتوجيه الرباني لكل من القائد وأتباعه [مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى

الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ] [الفتح: 29] .

رابعاً: الرقابة:

والرقابة بمفهومها العام تعني التأكد من أن المبادئ الآنفة الذكر التخطيط،

التنظيم، التوجيه تسير في الاتجاه الصحيح نحو الأهداف المرسومة، ويكون ذلك

بقياس الأداء ومقارنة النتائج بالأهداف ضمن معايير موضوعة سلفاً لتصحيح

وتعديل أي انحراف في الأداء ضماناً لفاعلية وكفاءة التنفيذ.

ولعل أبرز مايتسم به الإداري المسلم الرقابة الذاتية على نفسه، فهي تشمل

كافة شئون الحياة الفردية والجماعية، حيث يعلم أنه خلق لعبادة الله وحده، وبالتالي

فإن جميع أفعاله إدارية أو دعوية مقياس لمدى طاعته لأوامر الله، ثم محاسبة نفسه

قبل أن يحاسبه خالقه، يقول تعالى: [إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً] [النساء: 1] .

والمسلم كذلك مطالب برقابة أخيه المسلم بالتناصح والتوجيه يقول (تعالى)

[وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

المُنكَرِ] [التوبة: 71] .

وإن كان ترتيب الرقابة في النظرية الإدارية في النهاية، إلا أني أعتقد أن

عنصر الرقابة هو العنصر الأول والملازم للعملية من بداية التخطيط وأثناء التنظيم

والتوجيه وانتهاء بالتأكد من تحقيق الهدف المطلوب.. وبذلك يعي الإداري المسلم

مدى نجاح دعوته المستمدة من الكتاب والسنة بتوفيق الله كسمة يجب أن يتميز فيها

عن غيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015