مجله البيان (صفحة 2095)

الانتخابات الجزائرية.. حل أم تأزيم؟

المسلمون والعالم

الانتخابات الجزائرية

حل.. أم.. تأزيم؟ !

بقلم: د.يوسف الصغير

في غمرة الزفة التي أعدت لإجراء الانتخابات الجزائرية بالرغم من مقاطعة

جل الأحزاب المعترف بها رسمياً لها ... هناك سؤال مهم تنبغي الإجابة عليه ...

لماذا حرص الأمين زروال على إجراء الانتخابات الرئاسية؛ وما هي المناورات

التي حصلت حتى الآن؟ .. إن مما لاشك فيه هو أن آخر شيء يفكر فيه النظام

الجزائري هو معرفة رأي الشعب، أو النزول عند رغبته، فما تعيشه البلاد الآن

هو من آثار رفض اختيار الشعب، بل والتركيز في القمع على من اختارهم

الناس ... فيا عجبي كيف أصبح من كان غير ناضجٍ في اختيار ممثليه ناضجاً في اختيار الرئيس؟ ! .

ومن الواضح أن هذه المناورة يقصد بها حل مشكلة داخل النظام، ولاتمثل أي

تحسن بالنسبة لما يعيشه البلد، بل إن القمع الأمني قد تصاعد بصورة كبيرة بدعوى

تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات بشفافية!

إن النظام يعاني في تعاطيه مع الوضع الحالي من عقدتين:

الأولى: عقدة عدم الشرعية: فهذا النظام يفتقر إليها؛ فهو نظام انقلابي؛

حينما قام ضباط (الفرانكفونية) في الجيش بانقلابهم عن طريق عزل الرئيس

الشاذلي بن جديد؛ والمشكلة ليست هنا، فأكثر الانقلابات التي يحل فيها طاغية

مكان آخر قد لاتجد من الناس رد فعل إلا الفرح بالتخلص من الطاغية الحالي، مع

ظنهم أن الجديد لايختلف عن سلفه، ولكن المشكلة أن الانقلاب ليس موجهًاً ضد

الحاكم بل ضد اختيار الشعب نفسه، أي إن الانقلاب ضد رغبته التي أبداها؛ ولهذا

فبدلاً من اعتقال الرئيس السابق وأتباعه، ومحاكمتهم، وتنفيذ الأحكام المناسبة بهم، فإن هذه الإجراءات وجهت ضد الناس، فقامت قوات النظام الجديد كما هو

معروف بحملة اعتقالات وتعذيب وإعدامات ضد من يُعْتَقَدُ أن الشعب اختارهم،

ولهذا فقد كانت المواجهة قاسية؛ حيث لم يتركوا للشباب فرصة حتى للتفكير، فهم

إما بين يدي الجلاد، أو في المعتقل، أو في المنزل ينتظرون الاعتقال، أو

معتصمين بالجبال. وإذا كانت جبهة الإنقاذ ترفع شعار إعادة المسار الانتخابي حلاً

للمشكلة من وجهة نظرها، فما هو الشعار الذي يمكن أن يرفعه النظام الحالي؟ !

إنهم لم يجدوا شعاراً لهم إلا من قبيل ادعاء الحفاظ على هيبة الدولة، أو

مكتسبات الشعب! وحماية الدستور، ومما هو معروف أن الذين يحكمون حاليّاً هم

الذين داسوا على هيبة الدولة بعزل رئيس الدولة، وهم الذين لعبوا بالدستور، حيث

إن البلد يحكم بقانون الحصار (الطوارىء) ، أما الشعب المسكين فما هي مكتسباته

التي يريدون الحفاظ عليها، هل هي نسبة البطالة التي تعدت 42%، أم هي شبابه

المثقف الذين ملئت بهم المعتقلات الصحراوية أم....، أم.... .، نعم إنهم يريدون

أن تكون هناك انتخابات معتنى بطبخها حتى يواصل النظام حربه ضد الإسلاميين

رافعاً شعار: حماية اختيار الشعب!

الثانية: عقدة الضعف: فالرئيس زروال كان لواءً متقاعداً، ثم أصبح رئيساً

للدولة عن طريق التعيين من قبل المجلس الأعلى للأمن، أو بصورة أخرى عن

طريق اللواء خالد نزار. وكما هي العادة فهو في البداية يستند إلى من عينوه وينفذ

رغباتهم، ولكنه مع الزمن صدّق أنه رئيس، وبالتالي فهو يحاول أن يستقل عمن

جاؤوا به، ويبحث عن غطاء آخر، فمن بداية رئاسته كان يلحظ في خطابه الدعوة

إلى الحوار والمصالحة، بينما الواقع هو أن وتيرة القمع من قبل النظام كانت ترتفع

بصورة طردية مع خطابه التصالحي، مما جعل الكل يتحدث عنه: أنه محدود

الصلاحيات، وأنه يمثل أحد الأطراف فحسب.

مظاهر تلميع الانتخابات:

لهذا فإن الرئيس يحرص على أن تجرى عملية انتخابات: يتم فيها انتخابه

بأكثرية مطلقة: وبهذا يكسب شيئاً من الشرعية خارجياً، وشيئاً من القوة داخليا أمام

أطراف النظام الأخرى، حينما يكون الرئيس المنتخب وليس المعين.

أما من ناحية عملية الانتخابات الرئاسية التي من الممكن تسميتها عملية إعادة

تسمية زروال، فإنه يلاحظ فيها الحرص الشديد على ضبط نتائجها، وذلك من

خلال الآتي:

1- تهوين الصعوبات العملية مثل الأوضاع الأمنية المتدهورة، وتلف كثير

من القوائم الانتخابية، وحرص جميع أطراف المعارضة على إفشال خطة الحكومة، بل ويصر على قدرته على إجراء انتخابات حرة في هذه الظروف المتفجرة!

2- الحرص على مشاركة بعض الشخصيات لإضفاء شيء من المصداقية؛

إذ بلغ عدد المتقدمين حوالي 40 شخصاً، وقد اغتيل أحدهم ولم يلتفت له أحد،

وقام زروال بمناورة مكشوفة حينما أظهر التردد في ترشيح نفسه إلى آخر لحظة،

مع العلم أن الأحزاب الكبيرة لم تشارك، بل قاطعت هذه الانتخابات، ولهذا فإن

بعض الشخصيات اشترط من أجل أن يرشح نفسه أن يعطيه النظام عدداً من

الأصوات يبيض بها ماء وجهه.

3-كما هي العادة المتبعة في بلاد المسلمين التي تدعي الديمقراطية، فإن كل

حزب حاكم يقوم بتفصيل النظام الانتخابي بما يلائم وضعه، وأحياناً يكون النظام

مفصلا من أجل محاربة أحد الأحزاب، وحيث إنه في الجزائر لايوجد أحزاب

يخشى منها، وترغب في المشاركة، فإن النظام الانتخابي المعدل تم تفصيله من

أجل إبعاد أشخاص بعينهم، ومن التعديلات:

أ- اشتراط الحصول على 75 ألف توقيع من 25 ولاية مع العلم أنه في

الانتخابات البرلمانية السابقة كان يشترط 500 توقيع فقط.

ب- ألا يكون متزوجاً من غير جزائرية من إجل إبعاد بعض الشخصيات التي

لها شعبية مثل الطالب الإبراهيمي حيث إنه متزوج من لبنانية.

4- محاولة الحصول على تزكية للانتخابات من بعض الجهات الخارجية.

ومن أجل ذلك فقد دبت الحياة في الأموات مثل الجامعة العربية التي امتدح

أمينها العام هدوء الأوضاع في الجزائر، وسيطرة النظام، ووعد بإرسال من 40

إلى 50 مندوباً للتحقق من نزاهة الانتخابات!

نعم 40 إلى 50 مندوباً لمراقبة أكثر من ثلاثين ألف لجنة انتخابية وكما يقول

(الشيخ جاب الله) زعيم حزب النهضة! إنهم سيقومون بعملهم من الفنادق ذات

الخمس نجوم، أما الميت الآخر فهو منظمة الوحدة الإفريقية التي هي الأخرى أبدت

استعدادها لوضع تجربتها، أما الأمم المتحدة فلم تقرر بعد مشاركتها. أما فرنسا

فإنها تلمح باعترافها بنتائج الانتخابات، مع إقرارها أنها لن تكون في مستوى

الانتخابات في فرنسا أو بريطانيا. أقول وعلى أي حال فإن انتخابات الجزائر

أفضل شكلاً من انتخابات الدول الديمقراطية الأخرى في العالم العربي؛ فمثلاً في

تونس لايسمح لغير الرئيس بالترشيح ولكن كما حصل فعلا فإن منافس الرئيس

يتعرض للاعتقال، أما في دولة أخرى فإنه يسمح بالمنافسة ولكن لم يجرؤ أحد على

خوض التجربة، وفي بقية الدول فإنه يكتفى بالتنافس على مقعد واحد، والمرشح

الوحيد هو الرئيس. ولهذا نجد أن الصحافة العلمانية تأخذ على النظام الجزائري أنه

موغل في الديمقراطية أكثر مما يجب، حيث يكررون بلا خجل القول بخطورة

التجربة الجزائرية مع نجاح التجارب الأخرى، وبخاصة التونسية والمصرية.

هؤلاء هم المرشحون:

وأخيرًاً أعلن النظام أسماء الفائزين والذين يحق لهم التنافس على منصب

الرئيس وهم:

الأمين زروال الرئيس الحالي.

الشيخ محفوظ نحناح رئيس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) .

سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب البربر

الفرنكفوني) .

نور الدين بوكروح رئيس حزب التجديد الجزائري.

أما مرشح السلطة الثاني وهو رضا مالك رئيس الوزراء السابق، والمحسوب

على التيار الاستئصالي، فقد أسقط اسمه على الرغم من احتجاجه بدعوى حصوله

على أكثر من76 ألف صوت، أما المرشحون الثاني والثالث والرابع فإنهم تجاوزوا

سقف ال75 ألف صوت بقليل، والذي يبدو لي أن الرئيس يخاف حتى من

الفزاعات التي وضعها بنفسه، فهو لم يسمح بدخول رضا مالك؛ لأنه يعرف أن له

تأييداً في داخل النظام ولايمكن السماح بمرشحين للنظام؛ لأن هذا يمكن أن يؤدي

إلى انشقاقات وصراعات عنيفة، وثانياً: أنه أعطى لنفسه أكثر من مليون ومئتي

ألف صوت، أي حوالي عشرين ضعف مما أعطى كل واحد من الصور الثلاث،

وهذا الرقم الكبير يدل على حرص الرئيس على ضمان الفوز، وأيضاً يدل على

مقدار مدى نزاهة الانتخابات! ! .

وفي الختام:

لايفوتني أن أنبه إخواني على أن الموقف الفرنسي الذي يثني على النظام،

ويسعى إلى الحيلولة بين المسلمين وإقامة شرع الله في بلادهم لم يتغير، بل إن في

تصريحات الرئيس الفرنسي (شيراك) الأخيرة: أنه لايفرق بين المرشحين الأربعة، وأن المساعدة المعتادة التي تبلغ سنوياً 5 إلى 6 بليون فرنك التي تقدم إلى نظام

الجزائر القائم ستربط بحصول تقدم في المسار الديمقراطي؛ مما يعني الاعتراف

بشرعية الانتخابات وبنتيجتها، وأن فرنسا ستستمر في الدعم ولكن بمسوغ أقوى

وهو دعم التحسن في حال الديمقراطية في الجزائر، واللعبة واضحة؛ فإن تراجع

فرنسا عن لقاء شيراك/ زروال تم بدعوى عدم التأثير على الانتخابات بدعم مرشح

دون آخر؛ وفي الوقت نفسه كان الإلغاء عن طريق صنيعتهم زروال، بطريقة

يرجون فيها أن ترتفع أسهمه الديمقراطية قبل إعلان زروال الانتخابات. إنها

محاولات للتغطية على المأساة التي يعيشها الشعب المسلم في الجزائر الواقع تحت

نير السلطة الحاكمة بأمرها.

وكلمة أخيرة للإخوة في الجزائر: لاتستعجلوا الحكم بأن فرنسا قد غيرت

موقفها، ولكنها قد تكون غيرت تكتيكاتها تحت ضغط مايجري داخل فرنسا،

وخوفاً من تفاقم الوضع بين الفرنسيين والجالية الجزائرية هناك، حيث إن التمييز

الذي يتصاعد الآن، يؤدي إلى بروز تيار مؤيد لتحرير الجزائر مما تبقى من النفوذ

الفرنسي الذي يحرك الدمى في مسرح الوضع الجزائري من وراء الكواليس.

لك الله يا جزائر المليون شهيد، وفك الله أسرك من أعدائك أعداء دينك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015