مقال
وقفة مع
دعوة المرأة في غرب إفريقيا
مندوب البيان في غانا
إن من يسير في شوارع مدن غرب إفريقيا، ويتجول في أسواقها يدرك الحالة
السيئة التي تردت إليها المرأة الإفريقية وماوصلت إليه حتى تحولت إلى امرأة
غربية، وفتنت بتقليدها والسير وراءها، فصرت لا تفرق في الغالب بين المرأة
الإفريقية والغربية إلا في لون البشرة.
ياترى هل يظل الدعاة صامتين أمام هذه التحديات المعاصرة، وأمام هذا
الغزو الذي يوجه للمرأة المسلمة؟ أم لابد من التكاتف والسعي في النهوض بالمرأة
استجابة لقوله (تعالى) : [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] [آل عمران: 104] .
إن المرأة هي الزوج، وهي الأم، وهي مربية الأجيال، بل هي شريان
المجتمع وقلبه النابض، فكيف يسوّغ الدعاة لأنفسهم أن يهملوها؟ !
وهذه السطور هي خلاصة مركزة لبعض البحوث التي قدمها بعض الدعاة
المشاركين في الملتقى الدعوي الثالث الذي أقامه المنتدى الإسلامي في «لومي»
عاصمة «جمهورية التوجو» في الفترة (310/3/1416هـ «.
أمور لا بد منها في دعوة المرأة:
أولاً: إن الله (سبحانه وتعالى) بحكمته قد فضل الرجال على النساء وأعلى
درجتهم، كما قال: [وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى] [آل عمران: 36] وقال: [وَلا
تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ
نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً]
[النساء: 32] ، ولذا كان الرجال لهم القوامة على النساء [وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ] [البقرة: 228] .
ثانياً: إن الدعوة الموجهة للمرأة لا ينبغى أن تكون مدعاة لإخراجها عن
فطرتها وعن أنوثتها؛ فالأصل في المرأة أن تقرّ في البيت [وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى] [الأحزاب: 33] وقال:» المرأة عورة، فإذا
خرجت من بيتها استشرفها الشيطان حتى ترجع « [1] .
ثالثاً: للمرأة أحكام خاصة لا بد من مراعاتها في أي نشاط دعوي يوجه إليها، ومن ذلك:
أ- تحريم سفرها دون محرم كما قال:» لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي
محرم « [2] .
ب- تحريم خلوة المرأة بالرجال الأجانب، كما قال:» لا يخلون رجل
بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان « [3] .
ج- تحريم اختلاطها بالرجال الأجانب، فقد قال للنساء:» استأخرن؛ فما
يكون لكُنّ أن تَحْقُقنَ الطريق « [4] أي تركبن وسطها.. إلى غير ذلك من
الضوابط الشرعية التي لا يجوز الإخلال بها.
رابعاً: يضرب كثير من أعداء الإسلام على هذا الوتر الحساس، ويتهمون
الإسلام بأنه أهان المرأة وانتقص كرامتها وعدّها مخلوقاً ناقصاً، وهذا الأمر تأثر به
بعضٌ من دعاة الإسلام؛ فدعَوا إلى التخفف والتفلت من كثير من الضوابط الشرعية، فصاروا لاينكرون أن تجتمع المرأة مع غير محارمها، وتخالطهم وتبقى معهم
الساعات الطوال، وربما سافرت معهم؛ مما يلزم معه التأكيد على دعاة أهل السنة: ضرورة الانضباط الشرعي في ذلك، وعدم الرضوخ لضغوط المجتمع وأهوائه.
خامساً: الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة أنها للرجال؛ وهكذا كان
الأمر في عصر الرسول، وصدر الإسلام، وسائر قرون الأمة، نعم يروي التاريخ
لنا عن نماذج فذة من النساء المؤمنات، لكن لا تقارن هذه النماذج بحال بما يرويه
لنا ويحفظه عن الرجال، وهذا مصداق قوله» كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل
من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام « [5] .
سادساً: وذلك كله لا يدعو إلى إلغاء دور المرأة وتهميشه، والسعي إلى
تحجيمه وإهماله، فيبقى لها دور لا ينكر، وشأن له أهميته لكن مع التأكيد على ما
سبق من الضوابط الشرعية.
تأهيل المرأة المسلمة الداعية ضرورة شرعية للأسباب الآتية:
أولاً: أن المرأة أقدر من الرجل على البيان فيما يخص الوسط النسائي.
ثانياً: أن المرأة أكثر تأثراً بأختها في القول والعمل والسلوك.
ثالثاً: أن المرأة أكثر إدراكاً لخصوصيات الوسط النسائي ومشكلاته.
رابعاً: أن المرأة أكثر قدرة وحرية في الاتصال بالنساء؛ سواء بصفة فردية
أو من خلال المجامع النسائية العامة.
خامساً: أن الكثير من المسلمات اللاتي يحتجن إلى الدعوة والتوجيه يفتقرن
إلى وجود المحرم الذي يمكن أن يقوم بدعوتهن.
هذه الجوانب تتفوق فيها المرأة ... ونؤكد على أنه مع قيام الرجال بالعبء
الأكبر في قضية الدعوة ومنها الدعوة الموجهة إلى المرأة فلا بد أن تُسهم المرأة في
ذلك.
إن الرجل يمكنه أن يؤدي دوراً مُهِمّاً في دعوة المرأة من خلال الكتابة،
والحديث المسجل، أو من وراء حجاب، ومن خلال توجيه زوجته ومحارمه، لكن
تبقى ميادين أخرى بعد ذلك لابد أن تسهم فيها المرأة في الدعوة لبنات جنسها؛ إذ
هي أقدر من غيرها على أدائه.
واقع المرأة في إفريقيا:
يمكن أن تقسم المرأة المسلمة في غرب إفريقيا إلى الأصناف الآتية:
الصنف الأول: النساء اللاتي لم يتلقين أي قسط من التعليم والتدريس، وهذا
الصنف هو الغالب على المرأة المسلمة في غرب إفريقيا: في المنزل، أو الحقل،
أو السوق، وهنّ يقلدن أولياءهن وأزواجهن، ويتأثرن في الغالب بالأعراف
والعادات الاجتماعية السائدة.
الصنف الثاني: النساء اللاتي تلقين قسطاً من التعليم الشرعي؛ سواء على
منهج سليم أو منحرف، وهذه النسبة هي الأقل.
الصنف الثالث: النساء اللاتي تلقين التعليم في المدارس الحكومية العلمانية،
وعدد من هؤلاء النسوة يعملن في الوظائف العامة في المؤسسات الرسمية، ويسيطر
النمط الغربي على حياة هذا الصنف وتفكيره ومظهره، ولاتكاد تميز المرأة منهن
عن المرأة الغربية إلا في لون بشرتها.
وينتشر السفور والتبرج واللباس الفاضح في شوارع وأسواق مدن غرب
إفريقيا بشكل يذكرك مع الأسف الشديد بما تراه في مدن الغرب ومجامعه.
وتتمثل صور التبرج والسفور لدى المرأة الإفريقية فيما يلي:
أ- اللباس القصير الذي كثيراً ما يصل إلى فوق الركبة، وإبراز الرأس
وأجزاء من أعالى الجسم.
ب- اللباس الضيق جدّاً الذي يصل إلى مضايقة المرأة في مشيتها.
ج- اللباس الشفاف الذي يكشف ما تحته.
د- التشبه أحياناً بالرجال، ويكون خاصة في النساء اللائي يعملن في ميدان
الشرطة والمرور ونحوهما.
هـ- وقد تعمد بعض الفتيات إلى الرقص في الشوارع مُقَلّدَاتٍ بذلك رقصات الغرب.
إنه واقع كما ترى أخي الكريم ينفطر منه الفؤاد، ويذوب له قلب من يحمل
أدنى غيرة على مجتمعات المسلمين، ولاشك أن هذه المظاهر تخفي وراءها صوراً
من الانحراف والفساد، وتنذر بانهيار في مثل هذه المجتمعات إن لم يبادر
المصلحون إلى إنقاذها.
مقترحات لدعوة المرأة:
أولاً: عناية الدعاة إلى الله (عز وجل) بتربية بيوتهم، وتنشئتها التنشئة
الإسلامية العفيفة، وإعطاء هذا الأمر أولوية في برامجهم، وحين يعتني كل داعية
بزوجته وبناته ويربيهن؛ فإنا بمعادلة بسيطة نستطيع أن نحصل على عدد من
الداعيات والفتيات الملتزمات بالإسلام اللاتي يحملن مشعل الهداية للأخريات بقدر
عدد ما نملك من الدعاة، استجابة لأمر الله (تبارك وتعالى) في قوله: [يَا أَيُّهَا
الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ
شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] [التحريم: 6] ولأمر النبي -
صلى الله عليه وسلم- في قوله» كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.... والرجل
راع في بيته ومسؤول عن رعيته « [6] .
ثانياً: العناية بتعليم المرأة التعليم الشرعي الذي تحتاج إليه؛ لتعرف مايجب
عليها أن تعتقده، ولتعبد الله (سبحانه وتعالى) كما شرع، فهو سبيل لصحة الاعتقاد
والعمل، وسبيل لحماية المرأة من الغزو والإفساد الذي تواجهه من المنصرين ودعاة
التحرر والفساد.
والتعليم الموجه للفتاة والمرأة ينبغي أن يكون له هدفان: هدف موجه لعامة
نساء المسلمين يسعى لمحو الأمية الدينية عنهن، وحمايتهن من دعوات التغريب،
وهدف موجه للمتميزات منهن ممن يراد لهن أن يقمن ببعض الأعمال العلمية
والجهود الدعوية في الوسط النسائي.
ثالثاً: السعي لفتح مدارس ومعاهد خاصة للفتيات في المدن والقرى، تسهم
في نشر التعليم الشرعي، وتؤدي دورها في التربية وحماية الفتاة من موجة
التغريب وبراثن الفساد.
رابعاً: تنظيم برامج ودورات خاصة لبعض النساء اللائي يؤمل أن يقمن
بدور دعوي وتعليمي في أوساط النساء؛ لرفع كفاءتهن وزيادة قدرتهن، مع مراعاة
الانضباط الشرعي، وألا يترتب على ذلك سفر لهن دون محرم أو اختلاط بالرجال.
ويمكن أن يستفاد من لقاءات الدعاة وبرامجهم ليقام ضمن ذلك برامج لزوجات
المشاركين ممن هن من المؤهلات لهذا العمل.
خامساً: إنشاء مراكز مهنية لتعليم الفتيات والنساء بعض الحرف المهنية التي
تلائم طبائعهن، لتعينهن على الاستغناء عما في أيدى الناس، وهي خطوة تقطع
الطريق على الكثير من الخطوات التي يسلكها المنصرون ودعاة التغريب؛ إذ هم
يجعلون هذه من الفرص للتأثير على الناس ودعوتهم.
سادساً: إقامة محاضرات خاصة ودروس موجهة للنساء، ويمكن أن يقوم
بذلك الرجال من وراء حجاب إذا لم يوجد من النساء من يقمن بذلك، وأن يكون
هناك مكان مخصص للنساء في المحاضرات والدروس العامة.
سابعاً: ترجمة الكتيبات والرسائل الموجهة للمرأة، التي تعالج ما تحتاجه
عامة النساء باللغات المحلية والسعي لتوزيعها، وتوفيرها في المكتبات العامة
والمساجد والمجامع التي يرتادها النساء.
ثامناً: تسجيل أشرطة صوتية من الرجال باللغات المحلية تعالج أهم القضايا
التي تحتاجها النساء في الاعتقاد، والعبادة، والسلوك، والعمل. وتسهم هذه
الوسيلة في مخاطبة النساء الأميات اللاتي لا يعرفن القراءة والكتابة.