مجله البيان (صفحة 2089)

نظرات فى قضية ترجمة معانى القران الكريم (2)

مقال

نظرات في قضية ترجمة معاني القرآن الكريم

(?)

بقلم: د.فهد بن محمد المالك

عرض الكاتب في صدر الحلقة الأولى تلخيصاً لهدفه مننظراته حول

ترجمته (معاني القرآن) ، ثم استعرض تاريخ محاولات الترجمة، مبيناً هدف

المغرضين من المترجمين بمختلف نزعاتهم، واستصعب الإجابة الشافية

عن: «أي الترجمات المتوفرة في الأسواق في لغة معينة أصح من غيرها وينصح بها؟» . وحلقتنا هذه هي الثانية في نظرات الكاتب (وفقه الله) .

- البيان -

بعد أن تطرقنا في الحلقة الماضية إلى بعض القضايا المتعلقة بترجمة معاني

القرآن الكريم، وبعد أن أعطينا لمحة تاريخية عن المراحل التي مرت بها ترجمة

معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية عموماً وإلى اللغة الإنجليزية خصوصاً،

لعلنا في هذه الحلقة نلقي الضوء على بعض القواعد والتوجيهات حول هذه القضية،

إضافة إلى بعض الملحوظات المرتبطة بهذا الموضوع.

إذا كان من الصعب جدّاً الجزم بأن تفسيراً من تفاسير القرآن الكريم يمكن

اعتباره التفسير الكامل الشامل؛ وذلك بسبب الإعجاز القرآني الذي لايمكن أن

يشمله تفسير واحد، وإذا كان كل ما بوسعنا حيال ذلك هو القول: بأن هذا التفسير

تميز بكذا وكذا، وذلك التفسير من خصائصه أنه كذا وكذا.. إلخ، فكذلك الحال

عند النظر إلى ترجمات القرآن الكريم مع فارق النسبة، فكل ما بإمكاننا قوله حول

الترجمات: إن هذه الترجمة تميزت بقوتها اللغوية، وتلكم الترجمة امتازت

بالتعليقات الهامشية، والثالثة تميزت بسهولة ألفاظها ووضوحها لكل قارئ، على

أن العامل المشترك بين جميع الترجمات هو: أنها لاتمثل إلا جزءاً يسيراً من

المدلولات البلاغية والإعجازية المتوفرة في النص القرآني العربي.

أنواع الترجمات:

إلحاقاً لما سبق ذكره في العدد الماضي حول المقصود بالترجمة، وإجابةً

لبعض الاستفسارات التي طرأت أو قد تطرأ على بعض القراء، أود أن أبين أن

هناك نوعين من أنواع الترجمة هما:

(أ) الترجمة الحرفية:

وهي الترجمة الحرفية المساوية لألفاظ القرآن الكريم كلمة بكلمة وجملةً بجملة. وهذه الترجمة عادة ما تكون قاصرة وناقصة، وتُشَوّهُ المعنى، ولاتحقق الغرض

الأساس من الترجمة، بل إنها أحياناً تكون أبعد ما تكون عن المعنى الصحيح

لمدلول الآية، وهذا النوع من الترجمة محرم قطعاً؛ لما يسببه من عدم الدقة في

نقل معاني ألفاظ القرآن الكريم.

ولعل في الأمثلة الآتية؛ التي اقتطفتها من بعض الترجمات المتوفرة في

الأسواق، ما يوضح صدق هذا الكلام:

(?) قوله تعالى [لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *

بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ] [الروم: 4، 5]

صلى الله عليه وسلمll matters, Past and Future, are predestined by God; then the Faithfull shall be delighted by Gad's vectory

(?) قوله تعالى: [هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] [الحديد: 3] .

He (God) is the first and the Last; He is the Vesible and the Inveseble; He Is the Omniscient

انظر هنا مثلاً: هذا الخلل العقدي الكبير في ترجمة [الظاهر والباطن]

على أنها the visibile and the invisibile وهو خلل قد يؤدي بمعتقده إلى سوء العاقبة؛ حيث إن الترجمة

توحي بأن الله سبحانه وتعالى في الدنيا مرئيٌ، ويمكن رؤيته، تعالى الله عن ذلك

علواً كبيراً.

(ب) الترجمة التفسيرية «بالمعنى» :

وهو بيان معنى الكلام بلغة أخرى من غير تقيد بترتيب كلمات الأصل، أو

مراعاة نظمه، وهنا يقوم المترجم بالإتيان بعبارات وجمل حسب قواعد اللغة

المترجم إليها؛ فالترجمة هنا ليست لفظية مساوية للأصل، وإنما هي ترجمة

تفسيرية وتوضيحية. وهي لاتنقل كلمات القرآن الكريم حرفياً لأن ذلك مستحيل

عملياً وإنما تقوم ببيان المراد من الآيات بلغة أخرى. وهذا هو النوع المطلوب الذي

يجب على المسلمين القيام به والتصدي له، ويشفع لذلك ما قاله علماء الإسلام كابن

تيمية (رحمه الله) ، حينما قال في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: «

ألفاظ القرآن العربية منزلة على ترتيب الآيات فليس لأحد أن يغيرها عن اللسان

العربي باتفاق المسلمين، ولكن جُوّز تفسيرها باللسان العربي وترجمتها بغير

العربي» [1] ، وكما قال الشيخ محمد حسنين مخلوف في رسالة له حول حكم

ترجمة القرآن: «الترجمة الحرفية المثلية للقرآن الكريم بأية لغة غير معقولة ولا

ممكنة، والترجمة التفسيرية جائزة قطعاً، وهي ترجمة للتفسير لا للقرآن» [2] أما

الشيخ محمود شاكر (رحمه الله) فيقول في كتابه (القول الفصل في ترجمة القرآن

إلى اللغات الأجنبية «:» أجمع فقهاء الإسلام وأئمة الدين المجتهدون على جواز

تفسير القرآن باللغة العربية وبأية لغة أخرى من اللغات الأعجمية « [3] .

وقد حاول بعض المسلمين أن يقدموا عملاً وسطاً بين الترجمة الحرفية

والترجمة التفسيرية، فاختاروا ما يسمى بترجمة معاني القرآن الكريم هروباً من

الحرج الشرعي دون تحديد للكم من المعاني اللازم لإخراج الترجمة عن كونها

ترجمة حرفية للقرآن الكريم حتى تصبح ترجمة معانٍ، ولو ألقينا نظرة على

الموجود في الساحة الآن، لوجدنا الكثير من الترجمات التي كتب عليها أنها

ترجمات معاٍن بلغة كذا عند دراستها أنها تكاد تكون ترجمة حرفية للقرآن الكريم،

إلا ما يضطر إليه المترجم من عدم التطابق لطبيعة اختلاف اللغة.

وتتأرجح ترجمة المعاني دون أي انضباط بين الترجمة الحرفية والترجمة

التفسيرية، وتختلف طولاً وقصراً دون مقياس معروف؛ لذا نجد بعض العلماء قد

قسم هذا النوع من الترجمات (أي ترجمات المعاني) إلى العديد من الأقسام مثل:

ترجمة معنوية، وترجمة تفسيرية، وترجمة مساوية، وترجمة شبه مساوية،

وترجمة غير مساوية [*] .

ومن المعلوم أن من شروط المفسر التي ذكرها علماء الأصول أن يكون

المفسر مسلماً صحيح الاعتقاد، مجرداً عن الهوى، وأن يطلب أولاً تفسير القرآن

بالقرآن، ثم يطلبه بالسنة النبوية المطهرة، فإن لم يجد رجع إلى أقوال الصحابة

(رضوان الله عليهم) ، ثم إلى أقوال التابعين، ثم يكون بعد ذلك كله عالماً باللغة

العربية وفروعها: كالنحو، والصرف، وعلم الاشتقاق، وعلوم المعاني، والبديع، والبيان وعلم القراءات، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والآثار المبينة

لتفصيل المجمل، وتوضيح المبهم، وغير ذلك من صفات المفسرين التي ذكرها

العلماء.

وفي مقابل ذلك فإن صفات الغالبية العظمى من المترجمين لكتاب الله العزيز

هي: عدم الإيمان بكتاب رب العالمين، والشرك بالله والتثليث وعدم معرفة اللغة

العربية (أو معرفتها بقدر يسير جداً) ، وبغض الإسلام وأهله، واعتبار القرآن كتاباً

من تأليف محمد فيسمونه كما ذكرت سابقاً» قرآن محمد «، كما أن نسبة كبيرة

منهم هم قساوسة أو رهبان أو مستشرقون أو كهنة أو يهود أو منصرون أو قاديانيون

مارقون.

فعلى سبيل المثال: فإن آخر لغة أوروبية ترجم القرآن الكريم إليها هي اللغة

النرويجية عام 1980م واسم المترجم (إيناربرج» وهو مدرس زراعة مدمن

للكحول من «أوسلو» .

وهناك قلة قليلة من المسلمين تعد على الأصابع قامت بترجمات إلى اللغة

الإنجليزية والفرنسية وغيرها، إلا أن غالبية هذه القلة لم تسلم من الشوائب

والانحرافات العقدية. وقد أصبحت هذه الترجمات وهؤلاء المترجمون محسوبين

على الإسلام وأهله وهم ليسوا كذلك، وهذا مصداق ما ذكرته في الحلقة الماضية من

أن المترجم البدعي يترجم على حسب فكره ومنهجه ومعتقده الباطل، خذ على سبيل

المثال: ترجمة محمد علي، وترجمة محمد ظفر خان، وانظر ما حوته هاتان

الترجمتان من الأفكار القاديانية التي تتعارض أساساً مع أبسط أصول الإسلام

الصحيح، على أن هاتين الترجمتين لهما رواج كبير وشهرة واسعة في بعض

الأوساط الغربية وفي بلاد الهند والباكستان.

أهم خطوات الترجمة التفسيرية المقبولة:

بعد أن عرفنا أن الترجمة الحرفية للقرآن الكريم مستحيلة قطعاً ومحرمة شرعاً، وبعد أن عرفنا أن الترجمة الصحيحة المقبولة هي تلك التي تنقل المعاني المفسّرة

للآيات القرآنية من العربية إلى لغة أجنبية، لعلنا فيما يلي نذكر بعض الشروط

والقواعد في مثل هذه الترجمة التفسيرية، ولعل في قرار الأزهر الشريف حسماً

للموضوع وحلاً أمثل؛ حيث رأى علماؤه أن يوضع تفسير موجز للكتاب الكريم

باللغةالعربية، ثم يترجم هذا التفسير إلى اللغات المختلفة، لذا فقد وضعوا قواعد

عامة لهذا التفسير [4] ، كما أن الدكتورمحمد أحمد إبراهيم أبو فراخ [5] ذكر بعض

الأمور والخطوات للإقدام على مثل هذا العمل. وفيما يلي بعض من هذه القواعد

والخطوات:

1- من الضروري جداً أن تشير الترجمة إلى طبيعتها، وأنها ترجمة تفسيرية

تفصل معاني القرآن الكريم وآياته، وليس ألفاظه ونظمه المعجز، فذلك مستحيل

كما أوضحنا ذلك من قبل.

2- أن تكون الترجمة والتفسير خاليين بقدر الإمكان من المصطلحات

والمباحث العلمية إلا ما استدعاه فهم الآية.

3- ذكر الأدلة من القرآن أو من السنة أو من الشواهد اللغوية التي تساعد

القارئ على فهم الآيات.

4- أن يكون التفسير وترجمته ميّسرَين تيسيراً واضحاً بعيداً عن الخلافات

المذهبية، وأن تُنتقى الآراء التي اتفق عليها جمهور المفسرين.

5- قد يحتاج المترجم إلى إضافة هوامش في ترجمته التفسيرية، يوضح فيها

مزيداً من المعاني والألفاظ، أو المراجع المهمة، وهذا من الأمور المحبذة للمترجم

شريطة أن يكون ذلك مختصراً وبعيداً عن الإسهاب الممل.

ولعلنا في الحلقة القادمة نلقي الضوء على بعض الترجمات المشهورة المنتشرة

في الأسواق، ونعطي بعض الملحوظات عليها، تنبيهاً وتحذيراً للإخوة القراء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015