مقال
بقلم: علي التمني
القراءة الواعية لكثير مما تنشره بعض الصحف والمجلات تكشف حملة
الأكاذيب التي تشنها هذه الأيام بعض أقلام السوء والهزيمة والتبعية في شأن المرأة
وشجونها، وذلك من قبل بعض المنابر الإعلامية التي آلت على نفسها إلا أن تكون
حرباً لا هوادة فيها على القيم الإسلامية بعامة وعلى ما يعني المرأة منه بخاصة،
لقد كان الإسلام وسيظل كريماً مع المرأة والرجل على حدّ سواء، لأنه الدين الذي
ارتضاه الخالق (عز وجل) ليقود البشرية إلى الرفعة والسعادة والطمأنينة، خلاف
كل المبادئ الوضعية التي أغرقت الإنسان في الضياع والرذيلة والعبثية؛ الأمر
الذي أدى إلى فقدان الإنسان المعاصر على وجه التحديد لقيمة الغاية والهدف في هذه
الحياة، فأصبح الإنسان غير المؤمن بالإسلام ضائعا تائهاً بين مبادئ وأفكار
ونظريات كلها يصب في بوتقة الحسية والمادية والشهوانية بكل صورها وأبعادها،
أقول هذا لأنني والعقلاء في كل زمان ومكان على إدراك بأن الحياة لاتقوم في فهمها
على مبدأ الاختزال، اختزال المبادئ في نظرية أو مقولة كمقولة (تحرير المرأة)
على سبيل المثال والتضحية بكل معاني الحياة وجوانبها الأخرى. إن الداعين إلى
تحرير المرأة على الطريقة العلمانية (اللادينية) والداعيات إلى ذلك التوجه في
الوطن الإسلامي كذلك، إنما ينشدون محالاً من الأمر، فهم وهنّ في شقاء مستمر
في سبيل الوصول إلى مركب يجتمع فيه الخير والشر في آن، وكما قلت: فذلك
من المحال؛ إن الإسلام الذي جاء شاملاً وكاملاً من عند الله لا يمكن أن يكون
ألعوبة في أيدي هؤلاء العابثين المخربين دعاة وداعيات التحرير المزعوم، فالمرء
مخير بين أمرين لاثالث لهما: إما الإسلام كله، أو التبعية للجاهلية المعاصرة كلها، ولاخيار ثالث لهما، فليعِ هذا من أراد مناطحة الجبال.
لقد ظهرت الدعوة إلى تحرير المرأة في أوائل القرن العشرين (الميلادي «في
صور مختلفة وأساليب متعددة وإن كانت الغاية واحدة في كل الأحوال لجميع الدعاة
إلى هذا الأمر الغريب العجيب:
فهناك الوضوح السافر في الدعوة إلى تحرير المرأة وخروجها على تعاليم
ربها (سبحانه وتعالى) ومن خلال الكتب المنشورة على أوسع نطاق ككتابَي قاسم
أمين:» تحرير المرأة «و» المرأة الجديدة «.
وهناك الدعوات المستترة المترددة التي تخشى رد فعل المسلم الغيور على دين
الله القويم، وكتابات بعض كاتبات هذه الأيام في بعض المجتمعات الإسلامية التي
وقفت بكل صلابة في وجه دعاة التغريب والذوبان في الآخر غير المسلم وهي التي
تعرف بالمجتمعات المحافظة لدى بعض كتاب التغريب في تناولهم لهذه المجتمعات
المسلمة المخلصة لدينها، أقول: تبدو دعوات التحرر المستترة الخائفة المترددة تلك
في كتابات بعض كاتبات تلك المجتمعات تارة بتسفيه نص من القرآن أو من السنة؛
كتسفيه إحدى الكاتبات للحديث الصحيح حول خلق المرأة من ضلع أعوج في
مجموعة قصصية لها بعنوان (والضلع حين استوى» ! ، أو الكاتبة التي تسخر من
الحديث الصحيح «وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن» في
قصة لها عنوانها (تمرد) .
ومن تلك الكتابات الداعية إلى تحرير المرأة المسلمة بل تخديرها وصولاً إلى
الهدف المنشود، وهو: إقصاء الإسلام من الحياة، تلك التي تعتمد الكذب والبهتان
بمناسبة وغير مناسبة.. التأكيد على أن الكثير من الأحكام المتعلقة بالمرأة مثل:
الحجاب الشرعي المتضمن حجب الوجه عن الأجانب والميراث، والقرار في البيت، وعدم الخروج إلا لحاجة وفق الضوابط المشروعة، وكذا الشهادة ... وغيرها من
الأمور المتعلقة بالمرأة المسلمة، هذه الأحكام عند هؤلاء ليست من الدين في شيء
رغم قناعتها بأنها من الدين وهي تحاول جاهدة وبكل ما تملك من قدرة على الإقناع
أن تغرس هذه الأغاليط والأكاذيب في عقول وأفئدة القراء، وهي في أكاذبيها تلك
إنما تحاول الإيهام بأنها ليست ضد الدين (الصحيح) ، بل ضد ما تزعم أنه ليس من
الدين في شيء، مدعية أنها بعملها ذاك إنما تخدم الدين وتذود عنه الجهلة الذين
يشوهون وجهه المشرق (سبحانك هذا بهتان عظيم) [وَلَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا
يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ] [النور: 16] .
ومن صور الهجوم على المرأة المسلمة والدعوة إلى تحريرها في كتابات
أدعياء التحرير والتنوير: القول بأن ما ورد في القرآن والسنة حول المرأة أحكاماً
وآداباً ملزمة للأمة من قبيل ما تقدم في الفقرة السابقة إنما هو قشور وفروع لا قيمة
لها، ولن يترتب على تخطيها أدنى ضرر، بل إن إيقاع العصر في زعمهم يتطلب
هذا التخطي والاستبعاد لهذه الأحكام التي لم تعد صالحة لعصر الصعود إلى القمر
ودخول سباق الفضاء وعالم الحاسوب وغير ذلك، وكأن التقدم العلمي والتقني لن
يتحقق إلا على أنقاض الفضيلة والإيمان والالتزام بأحكام وقيم الإسلام الخالدة، التي
هي في الواقع لمن لم تطمس فطرته النقية ولم تذهب معالم الإيمان من نفسه هي
خير معين على العطاء والعمل والابتكار بما ينفع الناس، إنها الهزيمة النفسية
والمعنوية، حينما تحل في امرئ فإنها تفقده القدرة على التمييز بين الحق والباطل،
فيرى الحق باطلاً والباطل حقّاً، والله المستعان.
إن الهجوم على المرأة المسلمة إنما هو هجوم على قيم الإسلام، ذلك أن
الدعوة إلى تحرير المرأة إنما هو تسفيه لدينها الذي هو عصمة أمرها وهو اختيارها
ووجودها عبر أكثر من أربعمئة وألف من الأعوام، وهو الذي أخرجها من ذل
وأسر الجاهلية إلى عز الإسلام، فالدعوة التحريرية دعوة في الواقع إلى إرجاعها
إلى الذل والأسر من جديد، ودعوة إلى تحويلها إلى دمية لمجرد المتعة على
الطريقة التي يعرفها دعاة التحرير في «كان» و «هوليود» و ... حيث مسارح
الرذيلة وملاهي الخنا.
لقد ملت هذه الدعوات هناك الكثيرات من عاقلات الغرب الذي يسير دعاة
وداعيات إلى الإسلام بكل سعادة وسرور نافضات عن كواهلهن ميراث الكفر الذي
أورثهن الذل والضياع في الدنيا رغم دعاوى التحرر والمساواة التي يتشدق بها دعاة
الرذيلة الذين لا همّ لهم إلا معاقرة الخنا والجريمة عن طريق الإيقاع بالمرأة
واستدراجها بعيداً عن قلعة العفة؛ لتكون لعبة الرجل المفضلة كما يريدها أصحاب
الفجور الذين لا خلاق لهم، إن المرأة التي تنطلي عليها هذه المؤامرة واحدة من
اثنتين: جاهلة لاعلم لها بشيء على الإطلاق، لا بما يحاك ضدها ولا بأمور دينها، أو عالمة بما يدور حولها وبنتائج هذه الدعوة الخبيثة، فتكون في هذه الحالة جزءاً
من المخطط الجهنمي الذي يدبر بليل ونهار، ليس للإيقاع بالمرأة فحسب، ولكن
لتقويض الكيان الإسلامي من أساساته، ولن يتم ذلك لدعاة الهدم والتخريب بإذن الله
ثم بيقظة المخلصين، فليتدبر كل منا أمره؛ فالخطب جسيم، والهجمة شرسة،
والطريق طويل وشاق، والله المستعان.