التحرير
(إن الأحوال في المخيم (مخيم جباليا) فظيعة أو غير إنسانية، وإهانة
للمبادئ الحضارية، أتحدى أي أحد يأتي إلى هنا ولا يصدم) .
(إذا بقي هذا المكان بالشكل الذي هو عليه؛ فإن ذلك سيكون إدانة لكيان
أنشىء على أساس قوة أخلاقية غاية في القوة) .
بهذه الكلمات القوية أدان وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني (ديفيد ...
ميللر) الأوضاع التي يعيش فيها سكان المخيمات الفلسطينية في ظل الاحتلال الصهيوني، فقد زار مخيم (جباليا) في قطاع غزة ولم يصدق ما رأته عيناه! ولكن، هل الإنكليز صادقون عندما يتجهون بإدانتهم لإسرائيل، وهل ما يصدر عنهم يمثل رؤيتهم الأخلاقية للقضية برمتها؟
إن المستقرئ لأحداث التاريخ الحديث يصدم حين يرى سلوك هؤلاء يختلف
اختلافًا كليًا عما يقولونه جدًا أو هزلاً. وإذا كان كثير من العرب: رسميين وغير
رسميين، ستدغدغ عبارات (ميللر) عواطفهم، وسيهز الفرح والاستبشار مشاعرهم
طربًا لهذه العبارات العاطفية الصادقة التي تصدر عن ممثل الدولة التي زرعت
إسرائيل في الجسد العربي؛ فإن الأغلبية العربية التي تنطلق من مبدئية إسلامية
تزن الأمور بميزان الإسلام، وتقيس الكلام والشخصيات حسب ما توصيها به
عقيدتها ينبغي أن لا تقيم لهذا الكلام وزنًا، ولا ترجو من ورائه ثمرة، بل يحسن
بها أن تكون على حذر مما يكمن وراء أمثال هذه التصريحات، ولا تنخدع بمن
يعيشون على تسويق الأوهام التي يسمونها: حقوق الإنسان والمبادئ الحضارية،
والأخلاق!
أية حقوق؟ ! وأي إنسان؟ وأية حضارة؟ ! وأية أخلاق يدافع عنها هؤلاء؟!
هل هناك من شك في أنهم لا يفهمون من هذه الرموز إلا ما يريهم منها
بصرهم القاصر ورؤيتهم العنصرية المحدودة التي تجعلهم يتجاهلون معاناة شعب
كامل أصم صراخه سمع العالم، وينقل لهم مراسلوهم ليل نهار أحواله وأخباره، بل
أنفاسه! وهل كانوا يجهلون ماذا سيحل بشعب شردوه من أرضه، ليضعوها بين
يدي إخوانهم اليهود؛ وجهه إلى الأسلحة التي زودوا بها هؤلاء؛ وظهره إلى الحدود
التي أقاموها هم بخبث وخسة؟ ثم كيف يظن بعض الناس أن كلام المسؤول
البريطاني ربما يكون تكفيرًا عما اقترفته دولته إذا كان يقول بعظمة لسانه: (إن
هذا الكيان قد أنشىء على أساس قوة أخلاقية غاية في القوة) ؟ !