المسلمون والعالم
تأملات في مسيرة الحركة الإسلامية في اليمن
الحلقة الثانية
بقلم:عبد الله أحمد ناصر
تناول الكاتب في المقال السابق إيجابيات الحركة الإسلامية في اليمن منذ قيام
الوحدة، فكان مما ذكره: انتشارها الواسع، وحماية شباب الصحوة، وإنكار بعض
المنكرات، والوقوف في وجه التغريب والعلمنة والحملات الصليبية، ثم ثنى
الكاتب بذكر السلبيات، فكان منها: عدم وضوح تبني منهج أهل السنة، وعدم
تميز صفوف القيادة، مع اعتلاء سدتها من ليسوا أهلاً لها.. ويتابع الكاتب في هذه
الحلقة ذكر ملحوظات أخرى.
- البيان -
اعتماد سياسة: إما الاحتواء وإما الإلغاء في التعامل
مع الإسلاميين الآخرين في الساحة:
الحقيقة أن تعامل كثير من قيادات وكوادر الحركة الإسلامية المنضوية تحت
لواء التجمع اليمني للإصلاح مع الإسلاميين الآخرين في الساحة محل استغراب
وتساؤل! ؛ إذ ليس أمام الآخرين إلا أن ينضووا تحت لواء التجمع، ويباركوا
المواقف التي تتخذها قيادته، ويسكتوا عن المنكرات والمخالفات الصادرة عنها ...
لينالوا رضاها، وبالتالي: التزكية والمديح من كوادرها، والمساعدة في الوصول
إلى بعض المواقع التي يمكن خدمة الدعوة من خلالها، وإلا فإن التهميش والذم
ومحاولة الإلغاء وتحذير شباب الصحوة من المنهج الذي يسير عليه أولئك،
ومحاولة التضييق عليهم في الوظائف لكي يتركوها، ومحاولة حرمانهم من إمامة
المصلين في الجمع والجماعات، والفصل لمن يقوم بالدعوة إلى الله (تعالى) من
الطلبة داخل المعاهد العلمية وبعض المدارس والكليات ... إلخ: هو الذي ينتظرهم.
ونحن نتساءل: لماذا يحتمل الإخوة في الحركة من العلمانيين والرافضة
والصوفية في الأحزاب والنقابات المختلفة ما هو كذب وافتراء وبدوافع ونوايا سيئة، وتقوم قيادة الحركة بدعوة أولئك إلى الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن،
ولايُحتَمل من الإسلاميين الآخرين في الساحة ما هو أقل من ذلك مع إقراري بأن في
بعض ما يطرحونه تعد وظلم مع أن لهم حق المحبة والنصرة، وغالب ما يطرحونه
يكون في الجملة بدافع الغيرة على دين الله (تعالى) ، وبهدف النصرة له؟ ! ! .
لماذا تبقى الابتسامات متبادلة والصدور والأبواب مشرعة أمام بعض
العلمانيين والمبتدعة، وتعمد الحركة إلى محاولة الإلغاء والتهميش لكل ما هو
إسلامي ليس منضوياً تحت رايتها؟ ! ! لماذا لا يدعى هؤلاء إلى الله (تعالى) إن
كانوا على خطأ وهم أقرب؟ ولماذا لايصبر عليهم، ويحتمل منهم كما يحتمل من
غيرهم وهم أولى؟
لماذا لا تغير الحركة سياسة (إما الاحتواء وإما الإلغاء) إلى التنسيق ومحاولة
توظيف الجهود لخدمة الإسلام، مع القبول بالخلاف والتعايش معه مادام لايتعارض
مع ثوابت الإسلام وأسسه؟
وأخيراً: لماذا نخاف من النقد إذا صدر من الإسلاميين الآخرين في الساحة،
ونضيق به ذرعاً، ونعتبره أمراً طبيعيّاً وحقّاً من حقوق التعبير عن الرأي إذا صدر
من غيرهم؟ !
إن الحركة الإسلامية في اليمن بحاجة بحق إلى أن تعيد النظر في تعاملها مع
الإسلاميين الآخرين، وكلنا أمل بأن يتداعى الغيورون من علماء وطلبة علم وسائر
المخلصين داخلها إلى ذلك.
ولا شك بأن لبعض الإسلاميين من خارج الحركة دوراً في هذه الجفوة التي قد
تصل إلى حد القطيعة أحياناً، ولكن العتب يكون أكثر على الحركة الإسلامية،
لأنها الآن في منزلة القيادة والظهور، فهي الأخ الأكبر وعليها أن تحتمل ما لا
يحتمل غيرها، وبقدر تراجع الآخرين وجفائهم ينبغي أن تتقدم هي وتحلُم،
فخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام، وينبغي أن يدرك الجميع أن قوتهم الحقيقية في
اجتماعهم وتآزرهم، فالمسلم أخو المسلم؛ لا يسلمه ولا يخذله، والبديل الذي يعرفه
الجميع هو الاتجاه العلماني الذي أذاق الشعب اليمني ألواناً من التغريب والإفساد؛
فليست القضية أسماءً وأحزاباً ... إصلاحاً وسلفيين و ... و ... ولكن: إما إسلام
وإما علمانية.
تعويل الحركة كثيراً على القبائل:
دخلت الحركة الإسلامية في اليمن في أوساط القبائل وعملت على أن يكون
شعار القبائل الذي ترفعه هو الإسلام، وحسناً فعلت، إلا أنه من المفترض أن يكون
هدف ذلك الدخول: هو تيسير دعوتهم ومحاكمتهم إلى شعارهم متى خالفوه، أما أن
نكتفي كما هو الواقع في كثير من الأحيان برفع تلك القبائل لشعار الإسلام فقط دون
أن يصاحب ذلك برامج دعوية وتعليمية مكثفة لها، فأمر أظنه خاطئاً وخطيراً.
وكل ما أخشاه أن يدعي بعض أعداء الصحوة الإسلامية بأن هدف الحركة من
الدخول في أوساط القبائل بل وفي أوساط الجماهير اليمنية عموماً هو كسب ولائها
للحركة، وضمان مناصرتها لتوجهها السياسي وكل ما يخدم ذلك الهدف لا غير.
وأحسب أن القيادات المخلصة في الحركة الإسلامية لا ترضى أن يكون
التوجه إلى تلك القبائل والجماهير لمجرد الاعتماد عليها في الدفاع عن الحركة
ومنجزاتها، عن طريق كيل المديح والتمجيد لشيوخ تلك القبائل، فإن معظم هؤلاء
في الغالب أتباع كل ذي مال ومنصب. ولا يرضي مخلص واعٍ رَبْط حماية الحركة
وشبابها بهم وإعطاءهم مكانة بارزة وثقلاً كبيراً في التأثير على توجه الحركة
وقراراتها، وأظن أن ذلك يحتاج من كل مخلص داخل الحركة من علماء وطلبة علم
وغيرهم إلى إعادة النظر فيه، والعمل على تلافيه.
ظاهرة ضعف الموارد المالية:
مع أن عمر الحركة الإسلامية في اليمن طويل نسبيّاً إلا أن الملاحظ ضعف
إمكاناتها المادية وشح مواردها، وهاتان في نظري ظاهرتان متناقضتان: حيث إن
المفترض أن تكون هناك علاقة طردية لا عكسية بين عمر الحركة ومواردها،
ولكن للأسف: إن الأمر ليس كذلك، وجل موارد الحركة تأتي في الوقت الحاضر
كما هو ملحوظ من توظيف بعض أفرادها في طلب التبرعات وجمعها، وهذا مورد
مهم ولاشك، ولكنه ليس مورداً ثابتاً ومستقرّاً، بل هو مرتبط بمدى شعبية الحركة
ودعاتها واقتناع الناس بهم، وهذا الأمر مرتبط بعوامل كثيرة ليس هذا موضع
الحديث عنها، بحيث تزيد في الموارد تارة وتنقصها أخرى، مما يعني إمكانية
تعريض الدعوة ومشاريعها للخطر وربط استمرارية تلك المشاريع برحمة المتبرعين، ... ولو سلمنا جدلاً بثبات هذا المصدر واستمراره، فإنه ليس بمورد كاف بالتأكيد
والواقع خير شاهد مما يحتم على قيادة الحركة إعطاء هذا الجانب ما يستحقه من
تفكير واهتمام.
وهذه الإشكالية ليست خاصة باليمن، ولكنها مع الأسف الشديد عامة في أكثر
دول العالم الإسلامي، وعند مختلف فصائل العمل الدعوي، والذي نأمله من
الحركة الإسلامية في اليمن أن تعمل على الوصول إلى النضج الاقتصادي
والاستثماري بمثل سعيها إلى الوصول إلى النضج السياسي، وهما قرينان يدعم
أحدهما الآخر.
ملحوظات دعوية وتربوية متفرقة:
لكي لا يتشعب الحديث ولا أخرج عما يناسب مجلتنا الغراء [البيان] سأوجز
بعض المآخذ الدعوية والملحوظات التربوية على الحركة في النقاط التالية:
1- ضعف العلم الشرعي:
ضعف العلم الشرعي داخل صفوف الحركة أمر تجاوز حد الظاهرة إلى
المشكلة، ويبدو أن انشغال الحركة بالعمل السياسي وغلبة خطاب علمائها ودعاتها
في هذا الموضوع وما يخدمه في أغلب الملتقيات وخطب الجمعة قد ساعد على
الوصول إلى تلك النتيجة، هذا بالإضافة إلى ضعف التوجيه لشباب الحركة إلى
طلب العلم الشرعي، والقلة النسبية في أعداد طلبة العلم، وعدم قيام الموجود منهم
بدوره، والانفصام بين قيادة الحركة وبعض الإسلاميين الآخرين غير التابعين لها،
الذين يوجد لديهم علم شرعي لابأس به، مما جعل كل تلك الأسباب وغيرها
تتضافر للوصول بالحال إلى ما وصل إليه، وليس المراد بالطبع أن يكون جميع
شباب الحركة في مستوى رفيع من العلم الشرعي، ولكن المراد: أن تتوجه قيادة
الحركة الإسلامية في اليمن إلى العمل على إيجاد الحد الأدنى من العلم الشرعي الذي
لايعذر المسلم بالجهل به لدى أولئك الشباب، بالإضافة إلى السعي إلى إيجاد طبقة
من الشباب متفقهة في أمور دينها تتولى زمام تعليم بقية شباب الحركة الحد الأدنى
من العلم الشرعي وتكون متفرغة لذلك.
صحيح أن الحركة قد أنشأت مئات المعاهد العلمية، ومدارس تحفيظ القرآن،
وكلية القرآن الكريم، وجامعة الإيمان، وهي ساعية عن طريق تلك المعاهد
والكليات لأداء نوع من الواجب في معالجة ضعف العلم الشرعي لكنها مع حداثة
إنشاء الكلية والجامعة من وجهة نظري غير كافية بسب اقتصارها على فئة محدودة
من أبناء الحركة، ولابد من توجه علماء الحركة وطلبة العلم الشرعي في كافة
أنحاء البلاد إلى المساجد بكثافة، لإقامة الدروس العلمية والمحاضرات الشرعية
لأبناء الحركة وعامة الأمة، وأن يتم التركيز على إقامة تلك الدروس والمحاضرات، وبكثافة أيضاً في جميع المحاضن التربوية وبخاصة في هذه الفترة التي لا توجد
فيها أمور تشغل كافة كوادر وأنصار الحركة كالانتخابات وغيرها.
2- ظاهرة ضعف الالتزام بالأحكام الشرعية داخل صفوف الحركة:
من الأمور المحزنة الموجودة داخل صفوف بعض قيادة الحركة وشبابها:
ظاهرة ضعف الالتزام بالأحكام الشرعية وعدم أخذ الإسلام بقوة، وذلك بسبب عدم
الاعتناء بترك الذنوب الصغير منها والكبير، وسلوك مسلك انتقائي في التحذير من
بعضها، والبعض الآخر بسلوك مسلك التبرير معها، ومن تلك الذنوب: حلق
اللحية، ومصافحة النساء، وشرب الدخان والشيشة، ومضغ القات، ومشاهدة
التلفاز بما فيه من مخالفات شرعية، والتخلف عن صلاة الجماعة، وضعف الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أثناء الاختلاط بالعامة ... إلخ.
وليس المراد بالطبع الحديث عن معاصٍ بعينها، وإنما المراد الحديث عن
نفسية معينة في الاتباع لنصوص الشريعة، والتنبيه إلى أهمية تربية الشباب على
ضرورة التسليم والانقياد الخالص لكتاب الله (تعالى) وسنة نبيه -صلى الله عليه
وسلم- بحيث يصبح الحال متى سمع شاب من شباب الحركة أمراً لله (تعالى) أو
الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلاً أو تركاً هو المبادرة إلى تنفيذ الأمر سواء
أكان ذلك على سبيل الوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهية، فإن لم يفعل شعر
في نفسه بحزن وتأنيب ضمير على وقوعه في ذلك، أي: أن نربي الشباب على
تحقيق محبوب الله (تعالى) وتعظيمه بدلاً من أن نجعلهم ينظرون إلى ذات الفعل،
فإن كان مندوباً فكأنه لاداعي لفعله، وإن كان مكروهاً فكأنه لاداعي لتركه،
بالإضافة إلى الضرب على وتر: هذا مختلف في حله أو حرمته أو وجوبه أو ندبه، وكأن الاختلاف فيه بين أهل العلم مسوغ للعبد أن يختار من أقوالهم ما شاء،
وسلوك مسلك التبرير لترك واجب أو فعل محرم من قبل إخوان الفاعل لذلك، بدلاً
من المبادرة إلى نصحه وتنبيهه.
إن وجود هذه الظاهرة داخل أوساط الحركة يوجب على علمائها وطلبة العلم
الشرعي فيها تدارسها والخروج بحلول عملية لتجاوزها قبل أن تنتشر وتستشري
فيتم الندم ولكن بعد فوات الأوان ولله در رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي
حذرنا من تلك الظاهرة؛ فقال فيما رواه سهل بن سعد في مسند الإمام أحمد وغيره
بسند صحيح: إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا
بطن واد فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن
محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه.
3- ظاهرة تربية الفرد من أجل المجموع:
يجد المتابع ظاهرة تربية الفرد من أجل المجموع جلية في أوساط الحركة حين
يلاحظ الجوانب الإيمانية (الروحية) والعلمية لدى شباب الحركة ويقارنها بالحرص
على العمل الدعوي، ولقد سمعت محاضرة لأحد مشاهير الدعوة الإسلامية
والمنضوين تحت لواء الحركة، وطرح فيها السؤال التالي: لماذا خلقنا؟ ، وكان
جوابه: لدعوة الناس إلى الإسلام! ! ! وأنا لا أنكر أهمية الروح الجماعية
وضرورتها، لكن هذا جانب، وهناك جانب آخر أهم وهو الاعتناء بالفرد عقديّاً
وسلوكيّاً، لأن مدار النجاة يوم القيامة على ذلك كما لايخفى، ولعل اتساع قواعد
الحركة، وانشغالها في المرحلة الماضية بالخطاب السياسي لضرورات آنية أدى
إلى التقصير في بعض الجوانب التربوية، فإذا عذرت الحركة نسبيّاً في السابق
فينبغي أن تتنبه في هذه المرحلة المستقرة نسبيّاً، وتسعى إلى جعل التربية بجوانبها
المختلفة من أولى الأولويات التي يجب الاعتناء بها والتركيز عليها.
ومن البدهي أن العناصر الكريمة والمعادن الثمينة التي تربت ونضجت واتقت
الله (عز وجل) هي الذخر الحقيقي للعمل الإسلامي، وهي الجذور القوية التي
ترسخ من عمق الحركة وثباتها.
كما عليها أن تحرص مستقبلاً على أن تسير برامجها التربوية وفق جداول
مرسومة لا تتأثر بالأحداث الجارية وما يصنعه أعداء الصحوة من قضايا وأحداث
لإشغال الحركة بها، ولفت أنظار كوادرها وتفريع جهودهم وطاقاتهم فيها وألا يكون
الأمر جارياً على التعايش مع الأحداث الواقعة لا غير، بل ينبغي أن يبقى تنفيذ
البرامج التربوية وفق الجداول الزمنية المرسومة لها على أن يكون في البرامج
المطروحة مرونة نسبية مع ما يستجد من أحداث؛ حتى لا تضطر الحركة نتيجة
أمور طارئة إلى تعليق برامجها وعدم تطبيقها.
4- ظاهرة وجود دعاة غير مؤهلين للدعوة:
يبدو أن الانتشار الأفقي الكبير للدعوة أجبر المسؤولين عن الحركة على
الاستفادة من كل من ينتسب إليها وإن لم يكن أهلاً لذلك وهذه ظاهرة ذات شقين:
شق إيجابي: سبق الحديث عنه، حيث يتم توظيف مختلف الطاقات والاستفادة من
كل الإمكانات، بشرط أن يكون ذلك بحدود معينة، وبدوائر محددة، وتحت متابعة
وإدارة واعية لا تعتني بالكم فقط على حساب الكيف.
وشق سلبي: حينما يقدم أولئك إلى ما لا يحسنون، ويعملون فيما لا يتقنون،
وتزداد الخطورة حينما يؤدي ذلك إلى ترقي هؤلاء في سلم القيادة حتى نفاجأ في يوم
من الأيام بقيادات هشة هزيلة لا تملك مؤهلات الدعوة والقيادة.
5- ظاهرة ضعف التربية الرأسية لشباب الحركة:
من الظواهر الخطيرة في مسيرة الحركة ضعف التربية الرأسية لكوادرها
وعدم وجود متابعة كافية للفرد خلال تلقيه العمل التربوي، فمثلاً: نحن لا نعلم عن
هذا الفرد المستمر معنا خمس سنوات ما البرامج العلمية التي أخذها، ولا جوانب
الضعف لديه في النواحي الإيمانية وغيرها، ولا الوسائل التي عولجت بها بعض
نقاط ضعفه في مراحل سابقة، ولا البرامج العلمية والإيمانية والدعوية المفترض
أخذه لها في المستقبل، كما أننا لا نملك تقويماً لمدى استفادته من البرامج التي
شارك فيها.
والتسليم بذلك من قِبَل قيادة الحركة يعني أن دعوتها متجهة اتجاهاً جماهيريّاً
فقط، وأنه من الممكن اختراقها بسهولة من بعض من لاخلاق لهم وما أكثرهم
وبخاصة إذا أجاد أحدهم فن تبني بعض القضايا التي هي محل اهتمام كبير لدى
الحركة كالانتخابات وغيرها من القضايا التي يوالي عليها بعض الناس ويعادي.
والمفترض وجود حد أدنى من المميزات والخصائص لمن يتربى من الشباب
في المحاضن التربوية للحركة كالمعاهد العلمية والمراكز الصيفية والمخيمات
وغيرها، بحيث تصبح لدى الشاب من المسلّمات التي لابد من تحصيله لها حتى
يستمر مع إخوانه، وبالتالي: لايحتاج المربي إلى صرف جهد ووقت لغرسها في
نفوس من حوله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: تضمن الحركة بذلك وجود حد
أدنى من الالتزام لدى شبابها يتميزون به عن من لم يتربّ من الأشخاص في
صفوفها، ومن الممكن أن تكون تلك الخصائص والمميزات: أداء الفرائض،
واجتناب الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، والحرص على إتيان المستحبات
وترك المكروهات، وحفظ شيء من القرآن الكريم، والمحافظة على صلاة الجماعة
وأداء السنن الرواتب، والمحافظة على الأذكار المأثورة، وترك مضغ القات،
وبعض الظواهر الاجتماعية المخالفة للشرع ... ونحو ذلك.
وقبل أن أنهي الحديث حول هذه الظاهرة أشير إلى أن الضعف فيها بل وفي
الناحية التربوية عموماً ليس خاصّاً بالحركة اليمنية، بل هو عام في مختلف
الحركات والاتجاهات الدعوية في العالم الإسلامي، وينبغي للأخوة اليمنيين كما
ينبغي لغيرهم الاستفادة من أخطاء وتجارب الآخرين.
6- ظاهرة تربية الشباب على الاكتفاء بالولاء للحركة ورموزها:
من الظواهر المحزنة والموجودة ظاهرة تربية كثير من شباب الحركة على
الولاء للجماعة ورموزها لا على القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام، وإذا أراد
شخص أن يعرف مصداقية هذا القول فعليه أن ينظر: كم من الأخيار ليس له
نصيب من الولاء في نفوس الكثير من شباب الحركة، وذلك بسبب عدم انضمامهم
للحركة، أوبسبب قيامهم بنقد بعض مواقفها، وكم عظمة المحبة لأشخاص لا التزام
لديهم في المظهر، وتوجد لديهم الكثير من المعاصي الظاهرة سواء في المعتقد
والفكر أو الممارسة والسلوك، وكل ما عملوه هو إظهار الانتماء للحركة والتأييد لها
في مواقفها وممارساتها.
كما عليه أن ينظر إلى روح التبرير القوية جدّاً لأخطاء وممارسات المنتمين
للحركة وبالأخص قيادتها من كثير من كوادرها، وحين تنقطع الحجة تأتيك القاعدة
المحكمة: هم أعلم وأفهم! ! .
ولكن روح التبرير تنقلب إلى روح لتجريح الأشخاص غير المنتمين للحركة،
وحينما تحاور أحدهم وتذكر له حسنة تُفْرِح عند أحد أولئك، يذكر لك سيئة تُحْزِن،
وكأن كل شغله الشاغل هو إثبات الخطأ للمتحدث عنه، ونسبة النقص إليه لا غير،
مهما علت رتبته وبلغ فضله.. نسأل الله (تعالى) للجميع السلامة والعافية.
7- الحساسية الشديدة من النقد:
توجد لدى بعض قيادات الحركة وكثير من كوادرها حساسية كبيرة من النقد
تجعلهم يقفون موقفاً معادياً من كل من ينبه الحركة إلى أخطاء أو منكرات وقعت
فيها، وقد جر ذلك إلى تربية شباب الحركة على التبرير للأعمال المطروحة من
قِبَل قيادة الحركة وعدم نقدها، ونتج عنه: عدم تربية الحركة لوجوه قيادية شابة
مبتكرة، بل لنسخ مكررة من المربين، ولكن ليس بنفس الجودة بل بمستوى أقل،
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: عدم نضج الأفكار المطروحة داخل الحركة بنار
النقد، وصقلها بمطرقة النصح، وكان من نتائج تلك الحساسية والغياب الملحوظ
للنقد الذاتي داخل الحركة: المبالغة والتهويل في الحديث عن الآخرين ذمّاً أو مدحاً، وتضخيم الإنجازات والاعتزاز الكبير بها، وليست الإشكالية في اعتزاز الحركة
بفعلها الصواب وحديثها عن ذلك، فذاك حق لها (وأما بنعمة ربك فحدث) ، لكن
الخطر: هو أن يتحول ذلك الاعتزاز إلى عُجْبٍ وغرور يعمي ويصم، وقد قال
بعض السلف: إنما الهلاك في اثنين: العجب والقنوط..، ولست أدري لماذا
نخاف من النقد إذا كان لدينا نكران للذات وحرص على الوصول للأفضل؟ .
وأخيراً: فنصيحة من محب؛ فإني أرى أن الواجب على الحركة الإسلامية
في اليمن أن تسعى إلى امتلاك نظرة مستقرة لتغيير المنكرات المتواجدة في الساحة
اليمنية بحيث تسير كافة جوانب العمل الإسلامي على وفقها ومن أجل خدمتها، بل
وعليها أن تُضَمّن في خدمة تلك النظرة جهود الإخوة الدعاة العاملين في الساحة من
خارجها، وأن تعمل على توظيف ما يقومون به لخدمتها، كما عليها أن تحذر من
القيادة العلمانية في الساحة اليمنية وتدرك ألاعيبهم بشكل أعمق، وتحذر من الدخول
في الشراك السياسية التي يقيمونها للحركة، وأن تعلم بأنهم ما وافقوا على دخولها
للحكومة في هذه المرحلة إلا لحاجتهم الماسة إليها، وإلى قادتها وجماهيرها، وأن
الظروف متى تحسنت بالنسبة لهم فإنهم قد يقلبون ظهر المجن للحركة في أي لحظة
كما قلبوه في السابق والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وبخاصة في ظل الحملة
الدولية المنظمة عالميّاً وعربيّاً على ما يسمى بالحركات الأصولية لمنعها من تجاوز
ما يضعونه من دوائر حمراء، سواء أكان عن طريق العمل السياسي أو غيره.
أعزائي القراء: كانت تلك بعض الإيجابيات التي لدى الحركة الإسلامية في
اليمن، والتي أدعو العاملين في الساحة الإسلامية إلى الاستفادة منها، وهذه بعض
السلبيات التي أدعو الحركة الإسلامية في اليمن والمنضوية تحت راية التجمع
اليمني للإصلاح إلى النظر والتأمل فيها بروية وإحسان ظن، خاصة أنها كتبت
بمداد الحب وبدافع النصح وإرادة الخير، على أن ما فيها من صواب هو من الله
(تعالى) وحده، وما فيها من خطأ فهو من نفسي الأمارة بالسوء ومن الشيطان،
وأستغفر الله، والله ولي التوفيق والسداد؛ قال الله (تعالى) : [إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ
مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ] .