مجله البيان (صفحة 1987)

العلاقات والحصانة الدبلوماسية (2)

سياسة شرعية

العلاقات والحصانات الدبلوماسية..

في الفقه الإسلامي والقانون الدولي

(?)

بقلم: علي مقبول

في الحلقة الماضية ذكر الكاتب نبذة عن تاريخ التمثيل الدبلوماسيومفهومه ومراحل تطوره، وذكر صورة التمثيل الدبلوماسي في صدرالإسلام، ثم شرع في إيضاح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية في القانون الدولي، فذكر منها: الحصانة الشخصية للممثل الدبلوماسي، والحصانة القضائية، ويواصل الكاتب ذكر جوانب أخرى من الموضوع.

- البيان -

ثالثاً: عدم خضوع دار الوكالة ومحتوياتها للقضاء الإقليمي:

يقصد بدار الوكالة السياسية ومحتوياتها: مقر البعثة والمساكن التي تخصصها

الدولة الموفدة لاستعمال البعثة.

ويلحق العديد من القانونيين بها: وسائل النقل التي تملكها أو تستأجرها البعثة، فضلاً عن الحديقة وموقف السيارات.

وتتمتع كل هذه الأشياء بالحصانة، وهذه الحصانة ذات شقين:

الشق الأول: خاص بحظر دخول السلطات العامة مقر البعثة، وكذا: منع

اتخاذ أي إجراء قضائي أو إداري داخلها، ويشمل ذلك: القبض أو التفتيش، أو

الاقتحام، أو الحجز ... ونحوها.

الشق الثاني: خاص بضرورة توفير كافة الإجراءات الملائمة لحراسة البعثة، لمنع الجمهور من اقتحامها، أو الإضرار بها، أو الإخلال بأمنها، أو الانتقاص

من هيبتها، بل تلتزم الدولة بأن تتخذ إجراءات أمن مشددة في أوقات الهياج أو

الفتنة أو الاضطرابات الشعبية، ومنع التظاهر أمام مقر البعثة حتى لا يؤدي إلى

عدم الاطمئنان الذي قد يعوق قيام البعثة بواجباتها على النحو الأكمل [1] .

وقد أشارت المادة (22) من اتفاقية (فيينا)

إلى هذه النقاط، فنجد المادة تقول:

1- تكون مكانة مباني البعثة مصونة، ولا يجوز لوكلاء الدولة المستقبلة

دخولها دون موافقة رئيس البعثة.

2- على الدولة المستقبلة واجب اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لحماية مباني

البعثة ضد أي تدخل أو ضرر عليها، وأن تمنع أي إخلال بأمن البعثة أو النيل من

كرامتها.

3- لا يجوز أن تكون مباني البعثة، وأثاثها، والأشياء الأخرى الموجودة فيها، وكذلك وسائل النقل الخاصة بالبعثة.. محل تفتيش أو استيلاء أو حجز، أو

إجراء تنفيذي.

وأيضاً مما يلحق بدار الوكالة: محتوياتها، ووثقائها، وتتمتع أيضاً كافة

محفوظات ووثائق البعثة الدبلوماسية بالحصانة، أي: إنه لا يجوز التعرض لهذه

المحفوظات أو الوثائق أو كشف سريتها، وطبيعي أن هذه الحصانة مكفولة

للمحفوظات والوثائق الموجودة في المقر في إطار الحصانة المقررة لهذا المقر،

وتمتد تلك الحصانة كذلك إلى وثائق ومحفوظات البعثة الموجودة خارج المقر، وقد

ورد النص على هذه الحصانة في المادة (24) من اتفاقية (فيينا) بقولها: تكون

حرمة المحفوظات والمستندات الخاصة بالبعثة مصونة دائماً أيّاً كان مكانها.

وهذه الحصانة مطلقة، ولا يجوز التنازل عنها لأي سبب، وتظل سارية في

حالة قطع العلاقات الدبلوماسية [2] .

حق الملجأ: تثير حصانة مقر البعثة مشاكل واسعة حول حق البعثة في إيواء

الفارين من العدالة، أو السماح باللجوء السياسي أو احتجاز بعض الأشخاص فيها.

فبالنسبة لحق البعثة في إيواء الفارين من العدالة، نجد أن القانون والقضاء

الدوليين يرفضان الإقرار للبعثة بهذا الحق، وذلك على أساس أن الحصانة لا تمتد

إلى أبعد مما تطلبه حماية العمل الدبلوماسي، ويجب على رئيس البعثة أن يسلمهم

إلى سلطات الدولة، وإن كان يمتنع على هذه السلطات أن تقتحم مبنى السفارة

للقبض على الفارين من العدالة، وأقصى ما كانت تعمله الدول في مثل هذه الأحوال

هي أن تحاصر السفارة وتطلب تسليم المجرم.

ويوجد خلاف في القانون في جواز إعطاء حق اللجوء السياسي من جانب

البعثة، ولا نجد خلافاً في هذا الشأن في نطاق دول أمريكا اللاتينية، فهي تعترف

للبعثات السياسية بحق إيواء السياسيين، كما تؤيد هذا الحق بالنص عليه أيضاً في

اتفاقية (مونتفديو) المبرمة بينهم عام 1933م [3] .

أما بالنسبة للدول الأخرى: فقد نازع الكثيرون في شرعية فكرة الملجأ

الدبلوماسي، معللين رأيهم بمخالفته لمبدأ السيادة الأقليمية، ولكن رغم هذا حصلت

له تطبيقات عديدة أثناء الحرب الأهلية الأسبانية، وكذلك بعد الحرب العالمية

الأخيرة، فقد لجأ رئيس وزراء هنجاريا السابق كيلاي إلى السفارة التركية في

(بودابست) في إبريل سنة 1944م، وكذلك لجأ رئيس وزراء رومانيا السابق

روداسكو إلى السفارة الإنجليزية في (بوخارست) في السنة نفسها.

ومع غموض القواعد المتعلقة بالملجأ الدبلوماسي، نجد أن اتفاقية (فيينا)

سنة 1961م، لم تتناوله بالتنظيم، واكتفت بالنص في المادة (41) على عدم جواز استعمال مقر البعثة الدبلوماسية بطريقة تتنافى مع وظيفة البعثة، ونص المادة - كما في الفقرة (?) -: لا يجوز استخدام مباني البعثة على وجه لا يتفق مع وظائفها المقررة في هذه الاتفاقية، والمفهوم أن هذا النص يمنع بطريقة ضمنية منح الملجأ الدبلوماسي [4] .

ومع ذلك يرى العديد من القانونيين، وتدل السوابق القضائية على إعطاء حق

اللجوء إلى السفارة لأغراض إنسانية، وذلك إذا ما خيف على المجرم السياسي من

اعتداء العناصر غير المسؤولة، وإن كان ذلك لا يتضمن بحال منع الاختصاص

المحلي لسلطات الدولة، وقد أقرت هذا الاتجاه محكمة العدل الدولية في حكم لها

صدر عام 1950م [5] .

وقبل أن أختم هذه النقطة أشير بلمحة موجزة عن حصانة الحقائب الدبلوماسية، وذلك لتعلقها بموضوعنا (الحصانات) خاصة وأن اتفاقية (فيينا) قد أفردت لها

أحكاماً خاصة بها ذات فائدة في هذا النطاق:

- الحقائب الدبلوماسية:

للبعثة الدبلوماسية أن تستخدم حقيبة دبلوماسية للبريد السياسي بينها وبين

الدولة الموفدة، وقد دل العرف على تنظيم استخدامها، وذكرتها اتفاقية (فيينا) في

موادها.

- مدلول الحقيبة الدبلوماسية:

تحتوي الحقيبة الدبلوماسية في العادة على المستندات والأوراق والأشياء المعدة

للأعمال الرسمية، ويلحق بالحقيبة في الحكم: الطرود المغلقة والمختومة التي

ترسل من الدولة إلى البعثة والعكس، ويجب أن يوضع على الطرود أو الحقيبة

علامات خارجية تدل على صفتها (المادة 27/4) .

- حصانة الحقيبة:

قررت اتفاقية (فيينا) حصانة الحقيبة، ومنعت فتحها أو حجزها

(المادة 27/ 2) ، على أنه من الملاحظ أن هذه الحصانة قد يساء استخدامها، فقد تستخدم في التهريب، أو حمل مواد ممنوعة ... ونحوها، فما هو الحكم في هذه الحالة؟ وما الوسيلة الواجب اتباعها لو اشتبهت الدولة المُوفَد إليها في أمر من هذه الأمور؟ هل يجوز فتحها؟

رفضت اتفاقية (فيينا) إقرار نص يفيد هذا المعنى رغم جهود العديد من

القانونيين في ذلك.

وللدولة التي تشك في أمر الحقيبة أمران:

1- إما منع دخول الحقيبة أصلاً.

2- أو فتحها بعد استئذان وزارة الخارجية، وفي حضور رئيس البعثة

الدبلوماسية.

- حامل الحقيبة:

أطلقت عليه اتفاقية (فيينا) اسم الرسول الدبلوماسي، وأضفت عليه حصانة

كاملة، بشرط أن يكون حاملاً لمستند رسمي يدل على صنعته، ويحدد فيه عدد

العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية، وقد ذكرت اتفاقية (فيينا) ذلك في

(المادة 27/ 5) بقولها:

إنه [حامل الحقيبة] أثناء قيامه بمهامه في حماية الدولة المعتمد لديها، يتمتع

بالحصانة في شخصه.

ثم ذكرت المادة نفسها أيضاً أنه: لا يخضع لأي شكل من أشكال القبض أو

الحجز وتنتهي الحصانة الشخصية لحامل الحقيبة بمجرد تسليمها إلى المرسل إليه

(المادة 27/6) .

وأجازت الاتفاقية إرسال الحقيبة مع قائد طائرة تجارية، ونجد المادة (27/7)

توضح ذلك: يجوز أن تسلم الحقيبة الدبلوماسية إلى قائد طائرة تجارية، ويجب أن

يهبط عند نقطة دخول مصرح بها، كما يجب عليه أن يحمل وثيقة رسمية تبين عدد

الطرود التي تتألف منها الحقيبة، غير أنه لا يكتسب صفة حامل الحقيبة، ويجوز

للبعثة أن ترسل أحد أعضائها لاستلام الحقيبة الدبلوماسية من يد قائد الطائرة بطريقة

مباشرة وحرة [6] .

رابعاً: الحصانة المالية أو الإعفاء من الضرائب:

جرت عادة الدول إعفاء رجال السلك الدبلوماسي من الضرائب الشخصية

المباشرة، وكذلك من دفع رسوم إلا ما كان منها مقابل خدمات فعلية كالإنارة والمياه، كما يعفى الممثلون الدبلوماسيون على سبيل المجاملة بشرط معاملة المثل من

الرسوم الجمركية.

ولقد احتوت اتفاقية (فيينا) سنة 1961م على تنظيم مفصل للإعفاءات المالية، وذلك على النحو التالي:

قررت المادة (34) على أنه: يعفى الممثل الدبلوماسي من جميع الضرائب

والرسوم، شخصية كانت أو عينية، عامة، أو إقليمية، أو بلدية، فيما عدا:

أ- ذلك النوع من الضرائب غير المباشرة التي تكون عادة في سعر البضائع

والخدمات.

ب- الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات الخاصة الواقعة في إقليم

الدولة المستقبلة، إلا إذا كان الممثل الدبلوماسي يضع يده عليها نيابة عن الدولة

المستقبلة من أجل أغراض البعثة.

ج- ضرائب التركات ورسوم الأيلولة التي تجبيها الدولة المستقبلة، وذلك مع

مراعاة الفقرة الرابعة للمادة (39) .

د- الضرائب والرسوم على الدخل الخاص التي يكون مصدرها في الدولة

المستقبلة، والضرائب التي تجبى من رأس المال الخاص بالتمويل للمشروعات

التجارية الواقعة في الدولة المستقبلة.

هـ- الضرائب والرسوم التي تجبى مقابل خدمات خاصة.

ورسوم التسجيل، والقيد، والرهن، والدمغة الخاصة بالأملاك الثابتة مع

مراعاة أحكام المادة (23) .

الإعفاءات الجمركية:

1- نصت اتفاقية (فيينا) أيضاً على أن تقوم الدولة الموفد إليها وفقاً لما قد

تضعه من قوانين وأنظمة بالسماح بدخول المواد الآتي ذكرها، وبإعفائها من جميع

الرسوم الجمركية والضرائب والتكاليف الأخرى غير تكاليف التخزين والنقل

والخدمات المماثلة (المادة 36) :

أ- الأشياء المعدة للاستعمال.

ب- الأشياء الخاصة بالاستعمال الشخصي للممثل الدبلوماسي وأفراد أسرته

الذين يعيشون في كنفه، بما في ذلك الأشياء اللازمة لإقامته.

2- تعفى الأمتعة الشخصية للممثل الدبلوماسي من التفتيش، مالم توجد قرائن

جدية تبرر إمكانية احتوائها على أشياء لا تشملها الإعفاءات المقررة في الفقرة

الأولى من هذه المادة، أو أشياء يحظر قانون الدولة المستقبلة استيرادها أو

تصديرها، أو تخضع لأنظمة الحجر الصحي، ويجري مثل هذا التفتيش في

حضور الممثل الدبلوماسي أو مندوبه الرسمي [7] .

وهكذا حددت اتفاقية (فيينا) حدود هذه الإعفاءات المالية، ولكن السؤال المهم

في هذا المجال هو: هل التزم الممثلون الدبلوماسيون بهذه الحدود؟

الواقع أن ما يسمع به الناس اليوم، وما يرونه من إساءة استخدام المبعوثين

الدبلوماسيين لهذه الإعفاءات بلغ من الكثرة بحيث أصبحت تتزايد خطورتها يوماً

بعد يوم.

فالحقيقة: أن كثيراً من المبعوثين الدبلوماسيين أساؤوا استعمال حقهم في

الامتيازات المالية، وظهر على المسرح الدولي كثير من عمليات التهريب التي

نفذت بمعرفة هؤلاء الدبلوماسيين، كما أن بعضهم أساء استغلال الإعفاءات

الجمركية [8] وعدم تفتيش أمتعتهم، واستغلوا هذه الحصانات في إدخال أشياء

ممنوعة، وهناك الكثير من قضايا تهريب المخدرات وغيرها من أفلام ومجلات

هابطة ضبطت في حوزة هؤلاء الممثلين الدبلوماسيين، ولا نطيل بذكرها

لشهرتها [9] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015