خواطر في الدعوة
محمد العبدة
إن ما كتبه ابن تيمية في سفره الكبير (درء تعارض العقل والنقل) كان لحل ...
مشكلة كبيرة في تربية وتكوين شخصية المسلم، لأن الفصل بين العقل والنقل
يحدث شروخاً وتشوهات في طبيعة التفكير، فإن الوحي للعقل كالنور للبصر، فما
فائدة أن يكون الإنسان مبصراً والظلام من حوله يلف الكون؟ ! ، وشبيه بهذا أيضاً: مَنْ يفصل بين آيات الكون المنظور وآيات الكتاب المسطور، فإذا كانت غاية
الخلق العبودية التامة لله (تعالى) ، فإن من كمال التربية انسجام الوسائل والغايات،
فقيام العقل بوظيفته المقدرة له وسيلة، والتناغم مع الطبيعة المُسخّرة للإنسان وما
فيها من إبداع وجمال وسيلة أيضاً، وقد أمر الله (تعالى) في كتابه بالنظر في آيات
الأنفس والآفاق [فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ] [الطارق: 5] ، كما نبه القرآن إلى
هذا الكون وما فيه من جمال [وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ]
[الحجر: 16] ، [وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَاًكُلُونَ (?) وَلَكُمْ فِيهَا
جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ] [النحل: 5، 6] ، [وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ
وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ] [النحل: 8] .
ثم جاءت السنة لتربي المسلم على الانسجام مع هذا الكون، فعندما سئل
رسول الله عن الرجل يعجبه أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً قال: إن الله يحب
الجمال.. [1] وكان يغير الاسم القبيح والمنظر القبيح.
وجاء العلم الحديث ليكشف أن الجمال من تركيبة هذا الكون، وأن ما قاله
علماء القرن التاسع عشر من أن المادة ليس لها إلا خواص كمية كالوزن والحجم
والعدد ليس صحيحاً، وجاء العلم الحديث ليقول: إن أي نظرية أو فرضية نرى
فيها الجمال فإننا نتأكد أنها أقرب للصواب لأنها جزء من الكون. فالجمال في
النظرة الجديدة: وسيلة من وسائل اكتشاف الحقيقة العلمية [2] ويتساءل العلم
الحديث مستنكراً على العلم المادي الإلحادي: هل تستطيع آليات الطبيعة أن تفسر
جمال النُدف الثلجية، أو زبد البحر، أو غروب الشمس، أو زخرفة ريش
الطيور؟ [3] ، إن الجمال في الفيزياء هو السمة الغالبة، فالتجربة تخطئ في الغالب والجمال قلما يخطئ، وقد كان الرياضي والفيزيائي هرمان فيل مقتنعاً بأن نظريته في القياس لا تنطبق على الجاذبية، ولكن نظراً لكمالها الفني، لم يرد التخلي عنها، وقد تبين بعد ذلك بوقت طويل أن نظريته تلقي ضوءاً على ... ديناميكا الكم الكهربائية، فجاء ذلك مصداقاً لحسه الجمالي [4] ويقول عالم الرياضيات والفيزياء هنري بوانكاريه: لأن في البساطة والضخامة كلتيهما جمالاً؛ فنحن نؤثر البحث عن حقائق بسيطة وعن حقائق كبيرة [5] ، ويعلن أينشتاين أنه: ... لا علم من غير الاعتقاد بوجود تناسق داخلي في الكون [6] . وأكتفي بهذه النقول من الفصل الممتع (الجمال) ، وأتمنى أن يقرأ العلم الجديد مَنْ في قلبه مرض من الذين يتابعون إلحاد العلم القديم، [أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] ؟ ! .