سياسة شرعية
العلاقات والحصانات الدبلوماسية
في الفقة الإسلامي والقانون الدولي
بقلم: علي مقبول
نبذة تاريخية عن أهمية التمثيل الدبلوماسي:
قبل البدء في أخذ فكرة تاريخية مختصرة عن التمثيلالدبلوماسي، لابد لنا من وقفة لتعريف الدبلوماسية:
- ما أصل تسميتها؟ ، وما حدها؟ .
- وما موضوعها؟ .
* أصل تسمية الدبلوماسية:
إن هذه الكلمة مشتقة من الفعل اليوناني (عز وجلiploma) ومعناه (طوى) ، وكانت تطلق في العهد الروماني على الوثائق التي
كانت تطوى (طيتين) ، كجوازات السفر، وتذاكر المرور، أو الوثائق والصكوك
الصادرة عن الملوك والأمراء، والمتضمنة منح شخص ما توصية خاصة، أو
امتيازات استثنائية.
ثم أصبحت هذه الكلمة تطلق على الأوراق والوثائق الرسمية، أو تلك التي
تتضمن نص الاتفاقات أو المعاهدات المعقودة [1] .
وقد دخلت هذه الكلمة المعجم الدولي منذ أواسط القرن السابع عشر حين حلت
محل كلمة المفاوضة (Negotiation) ، وقد تطور مدلول الدبلوماسية مع الزمن
وأصبح يشير إلى معانٍ شتى [2] .
* المفاهيم المختلفة لكلمة الدبلوماسية:
لقد اختلف أساتذة القانون الدولي خاصة منهم الذي اهتم بدراسة العلاقات الدبلوماسية في تحديد معنى الدبلوماسية، وسنشير إلى أهم الآراء في تعريف هذه الكلمة:
1- الدبلوماسية هي: علم علاقات الدول ومصالح كل منها، أو: فن التوفيق
بين مصالح الشعوب، وبشكل أدق: علم وفن المفاوضات [3] .
2- وقيل: فن وعلم معالجة الشؤون الخارجية الدولية [4] .
وخلاصة القول: إن بعض الكُتّاب يستعمل الدبلوماسية بمعنى توجيه العلاقات
الدولية، وآخرون يقصدون بها: الأشخاص الذين يتولون الإشراف على العلاقات
الدولية في كل دولة، وقد استخدم المسلمون معاني هذه الكلمة في أول الأمر وسيلة
لنشر الدعوة الإسلامية، فقد بادر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى إرسال
الرسل، داعياً ملوك وأمراء زمنه للإسلام [5] .
* تحديد موضوع الدبلوماسية:
يشتمل موضوع الدبلوماسية على دراسة المبادئ العامة والأساليب والأصول التي تتعلق بتمثيل الدول والعلاقات المتبادلة بينها.
والمسؤولون عن هذا التمثيل هم عادة رؤساء الدول، ورؤساء الحكومات،
ووزراء الخارجية، والممثلون الدبلوماسيون، ومع أن الذين يقومون بالتمثيل فعلاً
هم المبعوثون الدبلوماسيون؛ إلا إن لكل من رئيس الدولة، ورئيس الحكومة،
ووزير الخارجية دوره في التوجيه حسب أهمية مركزه [6] .
* نبذة تاريخية عن مراحل تطور الدبلوماسية:
يدل استقراء التاريخ أن المجتمعات السياسية تبادلت فيما بينها البعثات الدبلوماسية منذ أقدم العصور.
ففي سنة 2353 (ق. م) كان الإمبراطور ياو إمبراطور الصين يستقبل
مبعوثي البلاد المجاورة وفقاً لقواعد دقيقة ومراسيم مختلفة.
وعند الإغريق كانت المدينة هي الوحدة السياسية، وكان من الضروري أن
تدخل هذه المدن في مفاوضات وعلاقات فيما بينها، فكانت هذه المدن تحرص على
أن ترسل أبناءها الصالحين للتفاوض مع الآخرين.
أما الإمبراطورية الرومانية، فقد كان إرسال الرسل والسفراء عندها أمراً
شائعاً وطبيعياً، كما ساعد نشوء قانون الشعوب؛ وما احتواه هذا القانون من قواعد
تحكم علاقات الرومان بغيرهم على استقرار القواعد المتعلقة بالتمثيل
الدبلوماسي [7] .
أما العصور الأوروبية الوسطى فإنها امتازت عن سابقتها العصور القديمة
بأنها عصور تدهور وتأخر.
ولا شك أن النظام الإقطاعي الأوروبي قد لعب الدور الأكبر في هذا التدهور
والتأخر في العصور الوسطى، ومن البدهي أن نظاماً كنظام الإقطاع يستند على
الحروب والانعزالية والجهل لا يكون فيه أي مكان لتبادل الممثلين وعقد المعاهدات
وإجراء المفاوضات [8] .
أما عن الدبلوماسية في العصر الحديث التمثيل الدبلوماسي الدائم: فإن مؤتمر
(فيينا) لعام 1815م، وما أقره من قواعد دولية ثابتة يعتبر حجر الأساس في بناء
الدبلوماسية الحديثة، فقد اكتسبت بعده الخدمة الدبلوماسية أبعادها الخاصة بوصفها
مهنة مميزة عن حرفة السياسي، أو رجل الحكم، وأصبحت لها قواعدها،
وإجراءاتها، ومراسمها الخاصة بها.
ولم يكن من باب الصدفة اختيار (فيينا) بالذات لاجتماع مؤتمر الأمم المتحدة
للعلاقات والحصانات الدبلوماسية الذي بدأ أعماله في شهر مارس 1961م ففي
(فيينا) تم التصديق على أول اتفاق لتحديد الوضع القانوني للممثلين الدبلوماسيين
ومراتبهم [9] .
- صورة التمثيل الدبلوماسي في عصر صدر الإسلام:
يعطي الإسلام أهمية عظمى للتمثيل السياسي وتأمين السفراء؛ لأنه عن
طريقهم يمكن أن تتعرف سائر الشعوب على تعاليم الإسلام، ومبادئه، ويسهل
تبادل المعرفة والتعرف على الحضارات، والصناعات، وسائر التحركات الموالية
أو المعادية [10] .
والسنة النبوية مليئة بالتصرفات النبوية التي تدل على اهتمام النبي -صلى
الله عليه وسلم- بالسفارات؛ ومن ذلك: الكتب والرسائل التي حملها رسُلهُ -صلى
الله عليه وسلم- إلى الملوك، والرؤساء، والأمراء، داخل الجزيرة العربية
وخارجها.
وأيضاً مما يدل على اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسفارات:
استقباله لرسل أعدائه، ومعاملته لهم؛ وإكرام وفادتهم؛ وهذا دليل على مشروعية
السفارة؛ ومما يؤكد ذلك قوله (تعالى) : [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ... ]
[المائدة: 1]
وقد جاء في تفسير العقود أنها ستة، منها: عقد الحلف [11] ؛ ويراد به:
المحالفات، والمعاهدات؛ ولا شك أن عقدها يتم بوساطة السفارات التي يقوم بها
الرسل، ولما أفادت هذه الآية جواز المعاهدات، ومشروعية عقدها، فإن ما
يتوصل به إلى عقدها يكون مشروعاً وجائزاً [12] .
ومعروفة قصة أبي رافع وسفارته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك
قصة سفارة رسولي مسيلمة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد اتسعت السفارة في عهد الدولة الأموية، وكان لها دور كبير في تثبيت
أركان الدولة وتعاليم الإسلام، وفي الفترات المحدودة التي ساد فيها السلام بين
الدولة الإسلامية والدولة الرومانية: كان هناك شيء من المراسلات، والسفارات،
ذات الطابع الثقافي، أو غيره؛ ومن ذلك: رسالة وردت من قيصر إلى معاوية
(رضي الله عنه) خليفة المسلمين يسأله عن أشياء، وقد أجابه معاوية عن ذلك [13] .
وقد بعث عبد الملك رسالة مع سفيره الشعبي إلى قيصر الروم، فأعجب
قيصر الروم أشد الإعجاب بعقلية الشعبي، فكتب رسالة خاصة إلى عبد الملك جاء
فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا الرجل كيف ملّكوا غيره [14] .
- الدبلوماسية في الدولة العباسية:
قامت الدولة العباسية عام 750م، وقد تطورت العلاقات الدبلوماسية في ظل
الدولة العباسية تطوراً كبيراً، حيث أقيمت علاقات متطورة مع جميع الدول،
وبخاصة النصرانية في أوروبا، وكان أساس هذه السفارات تبادل السفراء،
كالسفارات بين الخليفة المنصور وكل من الملك بين ملك الإفرنج، وبين الخليفة
هارون الرشيد وشارلمان ملك الإفرنج عامي 797 - 802م، وبين الخليفة
المأمون والبيزنطيين.
والسفارة بين عضد الدولة وبين الإمبراطور باسيل، وقد تبودلت السفارات
في مناسبات مختلفة في عهد الخليفة المقتدر مع بيزنطة سنة 918 م، حيث أرسلت
بيزنطة سفارة تتكون من عشرين شخصاً، وقد احتفوا بهم وأطلعوهم على مباهج
العاصمة بغداد، وقصورها، والأماكن المهمة فيها.
وقد أرسل البلغار وفداً إلى الخليفة المقتدر سنة 309هـ - 921م، للتفاوض
حول إرسال خبراء في بناء الحصون، وفقهاء الدين الإسلامي، وقد أرسل الخليفة
إليهم ذلك [15] .
الحصانات والامتيازات الدبلوماسية في القانون الدولي:
تمهيد: المقصود بالحصانة الدبلوماسية، هو ما يتمتع به المبعوث الأجنبي
من حقوق وامتيازات في الدولة المرسل إليها، ويعتبر هذا الموضوع من أهم
مقومات الدبلوماسية [16] .
ولذلك: فالحصانات والامتيازات ليست في حقيقتها سوى استثناء يرد على
اختصاص الدولة، لأنه من المسلّم به طبقاً لنظرية السيادة للدولة الحق في أن
تمارس اختصاصها على كافة الأفراد الذين يقيمون على إقليمها، والهدف من
الحصانات والامتيازات الدبلوماسية هو إعفاء بعض الأشخاص من سلطات الدولة
واختصاصها القضائي [17] .
* التكييف القانوني للحصانات والامتيازات الدبلوماسية:
يتمتع الممثلون الدبلوماسيون بحصانات وإعفاءات متنوعة في الدول التي يباشرون فيها وظائفهم، وقد تضاربت النظريات حول المبنى القانوني لهذه الحصانات إلى ما يلي:
1- نظرية امتداد الإقليم: وهي تقرر أن رجل السلك الدبلوماسي حينما يوجد
في إقليم دولة أخرى يعتبر كأنه لا يزال في إقليم دولته، ومن ثم: لا يكون خاضعاً
لما يسري في إقليم الدولة التي يعمل فيها من قوانين.
ويعيب هذه النظرية: أنها قائمة على افتراض لا أساس له من الحقيقة،
ويؤدي إلى نتائج غير مقبولة، فقد استند إليها بعض السفراء في القديم للمطالبة
بإعفاءات تتناول الحي أو المنطقة التي توجد فيها السفارات أو المفوضيات.
2- نظرية النيابة: ومقتضاها أن الممثل الدبلوماسي حين يباشر وظيفته إنما
ينوب عن رئيس دولته صاحب السيادة، ومن ثم: يتمتع بنفس الإعفاءات المقررة
لرئيس الدولة.
ويؤخذ على هذه النظرية: أنها تضيق عن تفسير ما يتمتع به الممثل
الدبلوماسي من حصانات خارج نطاق عمله الرسمي من جهة، ومن جهة أخرى:
فإن المسلّم به أن الممثل الدبلوماسي لا يتمتع بالمركز نفسه من حيث الإعفاءات
كرئيس الدولة الذي تقضي المبادئ العامة بأنه غير معصوم من الخطأ وتمتنع
مساءلته على أي وجه من الوجوه.
3- نظرية الوظيفة: وهو الرأي الذي أيده كثير من المتخصصين في القانون
الدولي، وهو الذي يربط بين الحصانات وبين وظيفة الممثل الدبلوماسي، ويقرر
أن أساس الحصانة هو تمكين الممثل الدبلوماسي من مباشرة وظيفته التمثيلية وأداء
عمله دون عائق، وأن الحصانات مقررة للوظيفة ذاتها وليست لفائدة الممثل
الشخصية.
ولقد أخذت اتفاقية (فيينا) سنة 1961م، بنظرية الوظيفة؛ حيث قررت في
الديباجة أن الغرض من الحصانات ليس تحقيق فائدة الأفراد، بل ضمان الأداء
الفعال لوظائف البعثات الدبلوماسية باعتبارها ممثلة للدول.
على أن الإشارة إلى الصفة التمثيلية تفيد ضرورة مراعاة الصفة في تقرير
الحصانات الدبلوماسية.
ولما كانت الحصانات مرتبطة بالوظيفة وملازمة لها ولم تقرر لفائدة الممثل
الشخصية: فإنه يتفرع من ذلك أن الممثل الدبلوماسي لا يعفى من أحكام القانون
كلية بل هو يخضع لها بوجه عام، وإنما يمتنع فقط اتخاذ أية إجراءات إدارية أو
قضائية في مواجهته أمام السلطات الإقليمية، ويترك الأمر في هذا الشأن لسلطات
الدولة التي يتبعها، وذلك حتى لا يكون في اتخاذ هذه الإجراءات بواسطة الدولة
التي يباشر فيها وظيفته ما يعوق الممثل الدبلوماسي عن أداء عمله بحرية واطمئنان، ومن هذا أيضاً: أنه إذا ارتكب جريمة أو أمعن في انتهاك القانون الوطني،
فللدولة أن تطالب من دولة المبعوث الدبلوماسي استدعاءه، بل يجوز لها أن تطرده
من الإقليم [18] .
* ماهية الحصانات والامتيازات الدبلوماسية:
تمهيد: جرى العرف الدولي على تمتع الممثلين الدبلوماسيين بامتيازات عديدة
بعضها خاص بأشخاصهم، وبعضها خاص بأملاكهم وبدور الوكالات السياسية.
وقد تقررت لهم هذه الامتيازات تحقيقاً لاستقلالهم، وحتى لا تمنعهم من القيام
بمهمتهم على أتم وجه.
مع أنه يجب أن يلاحظ فيما يتعلق بهذه الامتيازات، التي سنشرحها تفصيلاً
إن شاء الله أن التمتع بها قاصر على الممثلين الدبلوماسيين الدائمين، تمييزاً لهم عن
الذين يُنتدبون لأداء مهمة خاصة أو لتمثيل دولتهم في مفاوضة أو ما أشبه ذلك،
فهؤلاء الأخيرون لا يتمتعون قانوناً بأي إعفاء.
وسنبين هذه الامتيازات إجمالاً، ثم نتحدث عنها بعد ذلك بشيء من التفصيل، ثم نتحدث عن موقف الشريعة الإسلامية من هذه الحصانات والامتيازات.
وهذه الحصانات والامتيازات بالنسبة للممثلين الدبلوماسيين التي قررها
القانون الدولي يمكن ذكرها إجمالاً فيما يلي:
1- واجب عدم التعرض لشخص الممثل الدبلوماسي، أو الحصانة الشخصية.
2- عدم خضوع الممثل الدبلوماسي لقضاء الدولة المبعوث لديها، أو
الحصانة القضائية.
3- عدم خضوع دار الوكالة ومحتوياتها للقضاء الإقليمي.
4- الحصانة المالية، أو الإعفاء من الضرائب.
أولاً: الحصانة الشخصية للممثل الدبلوماسي:
تؤكد المادة (29) من اتفاقية (فيينا) حصانة المبعوث الدبلوماسي، وتفصله
بقولها: تكون للممثل الدبلوماسي حصانة، ولا يجوز القبض عليه أو حجزه بأي
شكل من الأشكال، وتعامله الدولة المستقبلة بالاحترام الواجب، وتتخذ جميع
الإجراءات المعقولة لتمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته.
ويفهم من هذه المادة: أن على الدولة المعتمد لديها المبعوث واجباً ذا شقين:
الشق الأول: أن تحرص من ناحيتها على عدم المساس بمكانة المبعوث بأي
صورة من الصور، فيتعين عليها معاملته بالاحترام الواجب لمركزه، وتجنب أي
فعل أو تصرف يكون فيه إخلال بهيبته أو امتهان لكرامته أو ازدراء لشخصه أو
تقييد لحريته، وبالأخص القبض عليه أو حجزه لأي سبب من الأسباب.
الشق الثاني: أن تكفل له الحماية اللازمة ضد أي اعتداء يمكن أن يوجه إليه
من الغير، أو أي فعل يكون فيه مساس بذاته أو بصفته.
وفي حالة وقوع اعتداء على المبعوث: يجب على الدولة المعتمد لديها أن
تجري ما يلزم لمؤاخذة أو معاقبة المسؤولين، وتعويض الضرر الذي يكون قد حدث.
ومراعاة مكانة ذات المبعوث الدبلوماسي واجبة ولو لم يتمسك بها فمكانته
تحميه على حد قول فوشي بالرغم منه، إذ هي مقررة لصالح دولته ضماناً لاستقلاله
في أداء مهمته المكلف بها من قبلها أكثر منها لصالحه الخاص.
وعلى رئيس البعثة الدبلوماسية إذا ما وقع عليه أو على أحد أعضائها اعتداء
أن يبلغ ذلك إلى الدولة المعتمد لديها، وعلى الدولة المعتمد لديها إجراء التحقيق
اللازم لذلك، ومجازاة المعتدي، وتقديم الترضية المناسبة، فإذا لم تهتم الدولة
المعتمد لديها بشكواه فإنه يبلغ ذلك لدولته لإجراء اللازم، وقد يطلب من الدولة
المعتمد لديها المغادرة على سبيل الاحتجاج.
ولكن ما الحكم إذا قام المبعوث الدبلوماسي برد الاعتداء الواقع عليه مباشرة؟
مما لا شك فيه أن الممثل الدبلوماسي يتمتع بحق الدفاع الشرعي عن النفس،
وعلى المبعوث هنا ألا ينسى طبيعة مهنته، وعليه أن لا يلجأ إلى الانتقام المباشر
إلا إذا كان في حالة دفاع شرعي عن النفس فعلاً [19] .
وأيضاً على الدولة الموفد إليها أن تمنع إهانة رجال السلك الدبلوماسي أو سبهم
أو التشهير بهم، ويذكر الشراح عادة أن حرية الصحافة تتقيد بهذا الشأن احتراماً
للقانون الدولي العام، ومع ذلك يجوز ممارسة حق النقد العادي في الصحف أو
الخطب [20] .
ويتبع حرمة المبعوث الدبلوماسي، حرمة مسكنه وأمواله، ويكون مسكنه
بمنأى عن التعرض من جانب سلطات الدولة أو من جانب الغير، وعلى الدولة
المعتمد لديها أن توفر الحماية الكافية لمسكن المبعوث الدبلوماسي، وتمشياً مع هذا
الاعتبار تنص المادة (30) من اتفاقية (فيينا) على أنه: يتمتع المسكن الخاص
للممثل الدبلوماسي بنفس الحصانة والحماية المقررة لمباني البعثة.
وتتمتع أيضاً وثائقه ومراسلاته، وكذلك ممتلكاته، باستثناء ما ورد في
الفقرة (?) من المادة (31) بنفس الحصانة، وسيأتي ذلك مفصلاً إن شاء الله عند الحديث عن الحصانة عن دار الوكالة السياسية [21] .
ثانياً: الحصانة القضائية:
تحدثت المادة (31) من اتفاقية (فيينا) عن الحصانة القضائية فقالت:
1- يتمتع الممثل الدبلوماسي بالحصانة إزاء القضاء الجنائي للدولة المستقبِلة، كما يتمتع بالحصانة إزاء القضاء المدني والإداري لنفس الدولة، فيما عدا الأحوال
الآتية:
أ- دعوى عينية متعلقة بعقار خاص واقع في الدولة المستقبلة، إلا إذا كان
الممثل الدبلوماسي يتمتع بحق ملكيته لحساب حكومته من أجل أغراض البعثة.
ب- دعوى متعلقة بتركة يكون الممثل الدبلوماسي قد عين منفذاً أو مديراً لها،
أو يكون وارثاً أو موصى له بصفته الشخصية وليس باسم الدولة المرسلة.
ج- دعوى متعلقة بمهنة حرة أو نشاط تجاري أيّاً كان نوعه، حين مزاولة
الممثل الدبلوماسي في الدولة المستقبلة له خارج نطاق مهامه الرسمية.
2- لا يلزم الممثل الدبلوماسي بأداء الشهادة.
3- لا يجوز اتخاذ أي إجراء تنفيذي حيال الممثل الدبلوماسي، إلا في
الحالات الواردة تحت البنود أ، ب، ج من الفقرة (?) من هذه المادة، وبشرط ألا
تمس هذه الإجراءات مكانة شخصه أو سكنه.
4- حصانة الممثل الدبلوماسي بالنسبة لقضاء الدولة المستقبلة لا تعفيه من
الخضوع لقضاء الدولة المرسلة [22] .
ومن هذه المادة نرى أنه لم يرد في اتفاقية (فيينا) تعريف محدد للحصانة
القضائية، ولهذا: فقد ذهب القانون إلى أن المقصود بالحصانة القضائية هو:
إعفاء أو استثناء أو عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي للاختصاص القضائي المحلي.
ولكن قد يستدرك سائل فيقول: إن الأخذ بالتعريف السابق ينطوي على نقص
في سيادة الدولة المبعوث لديها الممثل الدبلوماسي!
وأجيب عن هذا التساؤل: أن المقصود بالحصانة القضائية هو الحصانة من
ممارسة الاختصاص، أي: إن عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي لاختصاص محاكم
الدولة المستقبلة، لا تجعله فوق قوانين تلك الدولة، فالحصانة من الاختصاص
القضائي لا تعني الحصانة من المسؤولية، إذ تبقى مسؤوليته قائمة، وإن ما يترتب
على الدفع بالحصانة هو اختلاف المحاكم التي تتولى الفصل في الدعوى، إذ ينقل
هذا الاختصاص من محاكم الدولة المستقبلة إلى محاكم الدولة المرسلة.
وعلى ذلك يمكن القول إن المقصود بالحصانة القضائية: نقل الاختصاص
القضائي من محاكم الدولة المستقبلة إلى محاكم الدولة المرسلة في الدعوى التي
يكون أحد أطرافها مبعوثاً دبلوماسياً.
ويتحدد نقل الاختصاص في الدعاوى المدنية المقامة على المبعوث الدبلوماسي
وفقاً لأحكام القانون الدولي الخاص، باعتبار أن المبعوث الدبلوماسي شخص أجنبي
يخضع لأحكام تحديد الاختصاص الواردة فيه.
ويتحدد نقل الاختصاص في الدعاوى الجزائية وفقاً لقاعدة: شخصية القانون
الجزائي، التي تقضي بخضوع أفراد الدولة لأحكام قوانينها بغض النظر عن مكان
وقوع الجريمة [23] .
ومما سبق يتبين لنا: أن رجال السلك الدبلوماسي لا يخضعون لولاية الحاكم
في الدولة الموفد إليها بالنسبة لما يرتكبونه من جرائم على اختلاف أنواعها سواء
أكانت: جنايات، أو جنح، أو مخالفات.
ولا يجوز اتخاذ أي إجراء قضائي من قبض وتحقيق وتوجيه اتهام ومحاكمة
ضد أحد رجال السلك الدبلوماسي.
ولكن يحق للدولة الموفد إليها في القضايا الجنائية أن تبلغ دولة المبعوث
المخطئ طالبة سحبه ومحاكمته، وكذلك بإمكان المجني عليهم في الدولة الموفد إليها
التقدم بالشكاوى لوزارة الخارجية للدولة المستقبلة حتى تتخذ الإجراءات الدبلوماسية
اللازمة، وقد تطالب الأخيرة برفع الحصانة عنهم حتى تتمكن من تحقيق العدالة.
أما القضاء المدني: فيذهب الرأي الراجح في القانون إلى تقييد الإعفاء من
القضاء المدني، وذلك بالاستثناءات الواردة في المادة (31) في الفقرة (?)
وتشمل: أ، ب، ج [24] .