خواطر في الدعوة
محمد العبدة
إذا كان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون يرى في سقوط الشيوعية
والاتحاد السوفييتي فرصة سانحة للغرب وبزعامة أمريكا لفرض حضارته وقيمه
وثقافته على الآخرين، فإن المسلمين يرون أنها فرصة سانحة لهم: لنشر إسلامهم
وثقافتهم بين الشعوب التي عانت وتعاني من عجرفة الحضارة الغربية، كما عانت
من كثرة التحولات الفكرية التي أخذتهم يميناً وشمالاً، ولم توفر لهم فرص السعادة
والاطمئنان.
إن الفساد المستشري في الأرض يشبه ما جاء في الحديث: إن الله نظر إلى
أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم [1] .. وإن الإنسانية بحاجة إلى من ينقذها من
أوبائها الاقتصادية، حين أصبح تاريخها كأنما هو تاريخ الأسنان والأضراس [2]
وإذا كان الرئيس نيكسون بدا منتشياً بسقوط الاتحاد السوفييتي إلا أنه لم تمض
سنوات قليلة حتى ظهر في الغرب من يقول ب (صدام الحضارات) وليس بزعامة
الغرب المطلقة، وظهر من يكتب عن (الهيصة الديموقراطية) [3] ، وتكلم بعض
الباحثين عن خيانة الرأسمالية الغربية لمبادئها الأولى وكيف تحولت إلى (بورصة) .
إن ما يجري في العالم فرصة للمسلمين لإعادة الشعوب التي خرجت من مظلة
الاتحاد السوفييتي إلى دينها، ونشر الإسلام الصحيح بين صفوفها، وهي شعوب
اشتهرت بقوة الشكيمة، وشدة البأس، وتحتل موقعاً عريضاً من الأرض (من حدود
اليونان إلى بخارى وسمرقند) ، كما أنها فرصة لنشر الإسلام الصحيح بين شعوب
جنوب شرقي آسيا، وهي الآخذة اليوم بأسباب القوة والتقدم الصناعي، وإن
الشعوب الإسلامية على اختلاف أماكنها وألوانها تحمل في داخلها من الصفات
القويمة ما يؤهلها للنهوض، وإن حُرمت من كثير من أسباب العلم والعمل، وكل
هذا بحاجة لجهود جمعيات ومؤسسات، وبحاجة إلى تجديد في وسائل الدعوة سواء
أكان ذلك عن طريق الكتاب، أو المحاضرة، أو الإعلام المرئي والمسموع، وإن
في المسلمين من العلماء والمفكرين من هو قادر على هذا التجديد في وسائل الدعوة، وعرض الإسلام عرضاً بسيطاً واضحاً وقويّاً.
ولعلّ انهيار المذاهب الفكرية المعاصرة يكون تقدمة وتوطئة لانتشار الإسلام
إلى كل حَجَر ومدر، بل هو في الواقع آخذ في الازدياد بكيفية تسترعي النظر،
وقد سمعنا أن مسؤولي السجون في أمريكا يتمنون أن يتحول السجناء إلى الإسلام
ليرتاحوا من المشاكل والمشاغبات، ويسمحون للدعاة في الدخول على السجناء
وإلقاء الدروس والعظات.
أما عن خبر هذه الحملة التي يتولى كبرها الإعلام العالمي والمحلي، وعن
هذا التهويش والتهويل عن خطر الإسلام، ووجوب التصدي له، فإن كل هذا لا
يرعبنا ولا يخيفنا وقد نهى الله (عز وجل) المؤمنين عن الوهن لما أصابهم بأحد،
وعن الحزن على مَنْ فُقد، وعلى مذمة الهزيمة، وأنّسهم بأنهم الأعلون أصحاب
العاقبة، والهون: الضعف واللين، ومن كرم الخلق ألا يهين الإنسان في حربه
وخصامه، لا يلين إذا كان محقّاً، وأن يتقصّى جميع مقدرته، ولا يضرع ولو مات، وإنما يحسن اللين في السلم والرضى.. [4] .