مجله البيان (صفحة 1915)

في دائرة الضوء

فن إدارة الوقت

أعمارنا.. كم نستغل منها؟ وكم نضيع؟

عبد الله آل سيف

هذا الموضوع يهم طائفة من الناس، وهم الذين يشعرون أن الوقت المتاح لا

يكفي لقضاء كل الأعمال والطموحات التي يريدونها، وبالتالي: فهم بحاجة ماسة

إلى قواعد في فن إدارة الوقت، إذن ... فهذا الموضوع يهم أصحاب الطموحات

والمشاريع والهمم العالية، أصحاب الإبداع والابتكار.

وفي الحقيقة فإن أصحاب الهمم العالية يشكون من ضيق الوقت، وهذه

الشكوى، وإن كانت صحيحة من جانب لقصر أعمار بني البشر، إلا أنها ليست

صحيحة من جانب آخر.

ووجه ذلك: أن المشكلة ليست في الوقت فحسب، ولكن المشكلة تكمن أيضاً

في طريقة إدارة الوقت بفعالية ونجاح، ولذا: تجد من الناس من يستطيع بحسن

إدارته لوقته أن يعمل الشيء الكثير.

ولسنا بصدد الحديث عن أهمية الوقت؛ لأن هذا موضوع آخر وفيه من

النصوص الشرعية وكلام السلف والعلماء والحكماء ما يضيق عنه المقام [1] .

لكن سنعرض إحصائية دقيقة تبين أهمية العمر والحرص عليه بما يثير الغيرة

لدى الإنسان المسلم.

لنفرض أن الإنسان يعيش عمراً افتراضياً مدته سبعون سنة، فإذا ضيع

الإنسان خمس دقائق يومياً فإن هذا يعني أنه أضاع من مجموع العمر كله ثلاثة

أشهر تقريباً (88 يوماً) ، وهذا الجدول يوضح المسألة أكثر فأكثر.

-------------------------------------------------------

الوقت من اليوم مجموع الوقت من العمر الافتراضي النسبة المئوية

-------------------------------------------------------

- خمس دقائق ثلاثة أشهر 0.35%

- عشر دقائق ستة أشهر 0.71%

- عشرون دقائق سنة كاملة 1.42%

- ساعة كاملة ثلاث سنوات 4.28%

- عشر ساعات ثلاثون سنة 42.85%

------------------------------------------------------- ...

ثم إذا نظرت إلى مجموع الأنشطة التي تستهلك الوقت تجد أنها كثيرة جداً،

وهي وإن كان بعضها ضرورياً لكن بعضها الآخر غير مفيد وغير فعال.

وهذا يتضح في الجدول التالي:

------------------------------------------------------------

نوع النشاط ما يستغرقه بالسنوات النسبة المئوية من العمر كله

-------------------------------------------------------------

النوم، بمعدل ثمان ساعات يومياً 23 32%

العمل، (من 7-2.5) يومياً 21.5 30.7%

الأكل والشرب، بمعدل ساعة ونصف يومياً 4.5 6.4%

------------------------------------------------

نوع النشاط ما يستغرقه بالسنوات النسبة المئوية من العمر كله

-------------------------------------------------------------

- الأعمال المعتادة والمراجعات الحكومية

(بمعدل نصف ساعة) ... ... 1.5 2.14%

- الأعمال المنزلية والرحلات والتنزه

(بمعدل ساعة واحدة يومياً) . ... 3 4.28%

- اللقاءات الاجتماعية والودية بين الأصدقاء

(بمعدل نصف ساعة يومياً) . 1.5 2.14%

- التنقل من مكان لآخر

(بمعدل نصف ساعة يومياً) . 1.5 2.14%

- الاتصالات الهاتفية

(بمعدل نصف ساعة يومياً) . 1.5 2.14%

-----------------------------------------------------------------

المجموع 61 سنة 87%

الباقي 9 سنوات 12.85%

فإذا حذفت من ذلك فترة المراهقة وزمن الطفولة فكم يا ترى يبقى من الوقت

للمشاريع الطموحة والأعمال الكبيرة، والأهداف النبيلة.

ولا ننسَ أن هذه التقديرات هي متوسط الوقت الذي يقضيه عامة الناس مع

إمكانية أن يكون هناك إنسان يزيد على هذا المتوسط من الوقت المبذول لكل نشاط،

كما أن هناك مَن ينقص من هذا ويكون شحيحاً بوقته إلى درجة الاقتصار على أقل

قدر ممكن مما يستحقه كل نشاط.

أقسام الوقت:

1- الوقت المادي الميكانيكي: وهو مقياس لحركة جسم مادي بالنسبة لجسم

مادي آخر، كالفترة التي تستغرقها الأرض في الدوران حول الشمس، ووحدات

هذا القسم: الثانية، والدقيقة، والساعة، واليوم.

2- الوقت البيولوجي: وهو الوقت الذي يقاس فيه تطور الظواهر البيولوجية

ونموها ونضجها وكمالها، ووحدته هي الجسم نفسه، فقد يكون لطفلين عمر زمني

واحد كتسع سنوات مثلاً، لكن أحدهما أكثر نضجاً من الآخر من حيث الطول

وكمال الجسم وتناسقه.

3- الوقت النفسي: وهو نوع آخر من أنواع الشعور الداخلي بقيمة الوقت،

حيث يؤثر الحدث النفسي في ذلك إذا كان سعيداً أو سيئاً أو خطراً أو مهماً، فتبدو

الدقائق في الحدث السيء كأنها ساعات، وتبدو الساعات في الحدث السعيد كأنها

دقائق.

4- الوقت الاجتماعي: وهو الوقت الذي يربط فيه تقدير الوقت بأحداث

اجتماعية مهمة إما عالمية أو محلية، ولذا: نسمع كبارالسن يؤرخون بحياة فلان

وفلان [2] .

قواعد إدراة الوقت:

* القاعدة الأولى:

تحديد الأهداف والأولويات: هناك مثل قديم ساخر يقول: عندما لا تعرف

أين تتجه فإن كل الطرق توصلك، وتحديد الهدف أمر على قدر كبير من الأهمية.

وللأسف فإن من التخلف الحضاري الذي تعيشه الأمة ما يمكن أن نسميه

بأزمة الهدف أو غياب الأهداف وخاصة الأهداف الوسطى التي تخدم الهدف

الأعظم [3] .

- أقسام الأهداف:

يمكن أن تقسم الأهداف إلى ثلاثة أقسام:

1- الهدف الأكبر: وهو أهم هدف يسعى له الإنسان ونجد ما عداه من

الأهداف تخدم هذا الهدف، وهو بالنسبة للإنسان المسلم: تحقيق العبودية لله (عز

وجل) ، وبالنسبة للماديين: تحقيق أكبر قدر ممكن من اللذة والمصلحة والمتعة.

2- الأهداف الوسطى: وهي مجموعة من الأهداف تخدم الهدف الأكبر؛

مثالها بالنسبة للإنسان المسلم: الدعوة إلى الله، الصلاة، طلب العلم، بر

الوالدين.... الخ.

3- الأهداف الصغيرة: وهي ما يمكن أن يعبر عنها بأنها مجموعة من

الوسائل التي تخدم الأهداف الوسطى؛ مثالها: طلب العلم هدف أوسط وهناك

مجموعة من الوسائل والطرق والوسائل لتحقيقه.

علماً بأن كل هدف هو بالنسبة لما فوقه وسيلة وبالنسبة لما تحته هدف.

وبناء على هذا التقسيم: تكون هذه الأهداف على شكل هرم، حيث يتبوأ

الهدف الأعظم القمة وتليه الأهداف الوسطى الخادمة له، ثم تمثل الأهداف الصغيرة

قاعدة الهرم.

- تدوين الأهداف:

1- دون أهدافك بنفسك أو بالتعاون مع المجموعة التي تعمل معك في نفس

القطاع أو المؤسسة.

2- احرص على كتابتها؛ فهذا أدعى لعدم نسيانها.

3- لاحظ أن تكون الأهداف ذات معنى سامٍ قابل للنمو والتطور، وينم عن

همة عالية.

4- الاهتمام في سبيل تحقيق الهدف بالكيف لا بالكم.

5- الوضوح في صياغة الأهداف.

6- أن تكون الأهداف واقعية وممكنة التحقيق [4] .

- معايير خاطئة لتحديد أولويات العمل:

1- إذا كنت تقدم العمل الذي تحبه على العمل الذي تكرهه.

2- إذا كنت تقدم العمل الذي تتقنه على الذي لا تتقنه.

3- إذا كنت تقدم العمل السهل على العمل الصعب.

4- إذا كنت تقدم الأعمال ذات الوقت القصير على ذات الوقت الطويل.

5- إذا كنت تقدم الأعمال العاجلة على غير العاجلة وإن كانت مهمة [5] .

* القاعدة الثانية:

تسجيل الوقت وتحليله: الكثير من الناس يجهلون كيف يقضون أوقاتهم، ولذا: نجد البون شاسعاً بين ما يفعلونه في الواقع وبين ما يريدون أن يفعلوه، فإذا كان

ما يريد أن يفعله الواحد منهم من الأنشطة يستغرق 90 (نقطة) يجد أن ما يفعله في

الواقع لم يتجاوز 10 (نقاط) مما يريد أن يفعله، وهذا يعني التقصير في أداء بعض

الأنشطة أو عدم فعلها نهائياً.

المعلومة الدقيقة في تحليل الوقت وتسجيله تقود إلى تعريف دقيق للمشكلات

ومضيعات الأوقات، ومن ثم: تساعد على التخطيط السليم لقضاء الوقت [6] .

- أنواع تسجيل الوقت:

1- السجل اليومي للوقت: يركز فيه على الوقت تحديداً، والمكان، ونوع

النشاط، وترتيب الأنشطة في الأهمية.

2- السجل الشهري: يركز فيه على الوقت ابتداءً وانتهاءً، والتاريخ،

وكيفية قضاء النشاط، منفرداً أو في اجتماع، ومكان النشاط وأهميته.

3- سجل ملخص الوقت: يركز فيه نوع الأنشطة، مجموع الوقت

المخصص لكل نشاط في السنة كلها بالنسبة المئوية، ومن ثم المقارنة بين الأهمية

والنسبة المئوية المخصصة له [7] .

* القاعدة الثالثة:

التخطيط لقضاء الوقت: كثير من الناس يحب أن يعمل أكثر من محبته أن

يفكر، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه صواب.

والسر في ذلك أن الإنسان فيه غريزة حب الإنجاز والعجلة ومحبة رؤية ثمرة

العمل مبكراً، والعمل يشبع هذه الغريزة، بخلاف التخطيط والتفكير فنتائجه ليست

مباشرة ولا تظهر إلا بعد فترة من الزمن.

والعمل بدون تخطيط يأخذ وقتاً أطول مما يستحق، بخلاف العمل المخطط له

فهو يأخذ أقل قدر ممكن من الوقت لهذا العمل.

ولذا: فإن مضيعات الوقت تعترض بكثرة من لا يخطط لوقته، ومن ثم: فهو

لم يخطط لإيجاد حلول لها، ولذا يضيع وقته.

ومن يعمل العمل بدون تخطيط تقنعه أقل النتائج الحاصلة، بخلاف من يخطط

فإنه لا يرضى إلا بأكبر قدر ممكن من النجاح [8] .

-كيف نخطط؟ :

1- حدد الأهداف ورتبها حسب الأهمية والأولوية.

2- فكر في الخيارات المطروحة لتحقيق الأهداف واختر أحسنها ثم حدد

الوقت بالدقة لتنفيذ الطريقة.

3- حدد المكان المناسب للجميع لتنفيذ العمل.

4- فكر فيمن يقوم بالعمل أنت أو غيرك ومن هو الأصلح في ذلك.

5- افترض حدوث مضيعات للوقت، ومن ثم ابحث لها عن حلول.

6- تجنب الارتجالية في وضع الخطة.

7- لا تعط أي نشاط أكثر من الوقت الذي يستحقه، إذ إن إعطاءه ذلك يعني

أن العمل الصغير سوف يتمدد ليملأ الوقت المتاح مع إمكانية الاختصار في الوقت.

8- ضع احتياطات عند فشل النشاط لاستثمار الوقت، فمثلاً عندما يتخلف

الطرف الآخر عن الموعد، يفترض أن تستفيد من الوقت وتستثمره في شيء آخر.

9- حاول أن تجمع الأعمال المتشابهة لتقوم بها دفعة واحدة، مثل: إجراء

عدة اتصالات هاتفية.

10- تذكر أن بضع دقائق من التفكير توفر بضع ساعات من العمل الشاق،

وكما تقول بعض النظريات: إن 80% من الإنتاج تنبع من 20% من

العناصر [9] .

* القاعدة الرابعة:

التفويض والتوكيل: يعتبر التوكيل الجيد من الأساليب الناجحة لحفظ الوقت،

وذلك لأنك تضيف بأوقات الآخرين وقتاً جديداً إليك، وتكسب عمراً إلى عمرك

المعنوي.

- أسباب الإعراض عن التفويض:

1- المركزية التي يتشبع بها بعض الأشخاص، حيث لا يثق الشخص بأحد

البتة، وأضرار هذه المركزية تظهر عندما يصيب الشخص مرض قاهر أوظرف

طارئ حيث يتعطل العمل بدونه.

2- الرغبة في تحقيق أكبر قدر ممكن من النجاح.

وهذه نظرة قاصرة، لأن النظرة البعيدة تقضي بأن التفويض وسيلة ناجحة

لاحتمال أن يكون المتدرب فيما بعد مثلك في الأداء أو أحسن منك أحياناً، وبالتالي

تحافظ على وقتك وتنجز أكثر [10] .

* القاعدة الخامسة:

مضيعات الوقت: مضيعات الوقت داء عضال يشكو منه كل حريص على

وقته، وهي قسمان:

1- داخلي من الإنسان نفسه، وينبع هذا غالباً من عدم التخطيط السليم.

2- خارجي من الآخرين: الأسرة والمجتمع.

ومضيعات الوقت قد تكون أموراً نسبية، فمثلاً: قد يأتيك زائر ثقيل الظل

بدون ميعاد، ويقتطع جزءاً ثميناً من وقتك، فبينما تشعر أنك على جمر تتلظى،

يشعر هو في المقابل بسعادة غامرة وانطباع جيد عن هذا اللقاء.

-مضيعات الأوقات:

1- اللقاءات والاجتماعات غير المفيدة سواءً أكانت عائلية أو غيرها.

2- الزيارات المفاجئة من الفارغين.

3- التردد في اتخاذ القرار.

4- توكيل غير الكفء في القيام بالأعمال، وهو ما يسمى بالتفويض غير

الفعال.

5- الاتصالات الهاتفية غير المفيدة.

6- المراسلات الزائدة عن الحد.

7- القراءة غير المفيدة، ويدخل فيها فضول العلم عند تقديمها على الفاضل.

8- بدء العمل بصورة ارتجالية بدون تخطيط ولا تفكير.

9- الاهتمام بالمسائل الروتينية قليلة الأهمية.

10- تراكم الأوراق وكثرتها وعدم ترتيبها.

11- عدم القدرة على قول لا، أو ما يمكن أن نسميه بالمجاملة في إهداء

الوقت لكل من هب ودب.

12- التسويف والتأجيل [11] .

- كيفية السيطرة على مضيعات الوقت:

1- اجمع البيانات اللازمة عن مضيعات الوقت.

2- حدد سبب تضييع الوقت بدقة.

3- ضع عدداً من الحلول لكل مضيع للوقت ثم اختر أنسبها.

علماً بأن السيطرة على مضيعات الوقت لا يعني بالضرورة إزالتها بالكلية لأن

بعض هذه المضيعات ضروري ومهم، ولكن لابد من السيطرة عليه بدلاً من

السيطرة علينا.

وقد ذكر المصنفون في هذا الباب حلولاً مستقلة لكل مضيع من المضيعات لم

نر متسعاً لذكرها هنا لكثرتها.

إلماحات مهمة:

1- إدارة الوقت الناجحة لا تعني بالضرورة تخفيض الوقت اللازم لتنفيذ كل

نشاط معين، بل تعني قضاء الكمية المناسبة منه لكل نشاط.

2- يستحيل أن تكون جميع الأعمال في درجة واحدة من الأهمية، وهذا يعني

أنه لابد من ترتيب الأولويات.

3- عالج مضيعات الوقت بحلول جذرية لا وقتية.

4- تحكم في الوقت المتاح ولا تترك الوقت هو الذي يتحكم فيك، فبادر

بالأعمال وانتهز الفرص.

5- إنما تكمل العقول بترك الفضول؛ الفضول في القول أو الفعل [12] .

6- ساعة وساعة: ينبغي للإنسان أن يجعل جزءاً من وقته للترويح عن نفسه

لأن القلب إذا كلّ عمي، وينبغي أن يكون الترويح بشيء مفيد كقراءة الأدب

والشعر والتاريخ، أو الرياضة المفيدة للجسم كالسباحة؛ قال أبو الدرداء: إني

لأستجم قلبي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لي على الحق [13] .

7- وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام [14]

أصحاب الهمم العالية والمشاريع الطموحة يتعبون أجسامهم ولا تكفيهم الأوقات

المتاحة لتحقيق كل طموحاتهم.

8- لكل وقت ما يملؤه من العمل؛ بمعنى أن لكل وقت واجباته، فإذا فُعلت

في غير وقتها ضاعت [12] .

9- الوقت قطار عابر لا ينتظر أحداً، فإن لم تركبه فاتك.

10- تذكر أن أهم قاعدة في إدارة الوقت هي الانضباط الذاتي النابع من

إرادة جبارة عازمة على الحفاظ على وقتها متخطية كل العقبات التي تعترض

طريقها.

11- اعمل بطريقة أذكى لا بمشقة أكثر كانت هذه العبارة هي شعار الجمعية

الأمريكية لتقويم المهندسين كمحاولة منها للتمييز بين الشغل والانشغال، وهي تشير

إلى التخطيط السليم لكل عمل تعمله [15] .

وختاماً أقول: إن من نعمة الله (تعالى) علينا أيضاً أن نوّع لنا العبادات كي

نختار منها ما تقوى عليه نفوسنا، فإذا مللنا نوعاً انتقلنا إلى آخر، فلله الحمد

والشكر على ذلك حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015