الافتتاحية
كان من الصعوبة بمكان أن تناقش أو تحاور أو تجادل.. فالطرف الآخر قد
سد كل قنوات الاتصال، وليس بالإمكان إلا أن تتقوقع حول قناعتك وإيمانك بأن
قادة الغرب يقولون: «دمروا الإسلام.. أبيدوا أهله» [*] ، فالإسلام في تلك
الفسحة التاريخية القريبة كان ينحصر في مصطلح «القوى الرجعية» التي تحاول
أن تقف في طريق «الحل التقدمي» وتزرع دربه الهادر بأشواك صغيرة، كانت
في نظر الجمهور «تؤذي» ولكنها لا «توقف» زحف القومية المنتفشة أو اليسار
المتحرر ... كان شائعاً في ذلك الوقت نظريات خرافية من طراز «خيانة العمائم»
و «الارتباط بالاستعمار» و «الدراويش البلهاء» ... ولهذا فقد كان عنوان
الكتاب المذكور بمثابة بيضة هشة تواجه جداراً صلداً مغروراً لا يمكن أن يتحمل
مجرد التحمل أن يسمع أن للإسلام تاريخه الناصع أو خياره الحضاري أو مشروعه
السياسي الذي يهدف إلى أن تحكم البشرية بشرع الله..
اليوم يقف الجدار الصلد مذعوراً ... مجرد أن تهمس باسم الإسلام ينتفض،
وحين تشير إلى حملة رسالته تخرج حمم البركان قاذفة شيئاً من مخزون الحقد
الهائل المروّع ...
مسافة زمنية قصيرة تلك التي فصلت بين السخرية والاستهزاء على شاطئ
الأمس «القريب» وهذا الفزع والهلع والتخبط في عصر «المسلمون
قادمون» ! ! ، أصبح العالم المتربص بهذا الدين أشبه ما يكون بقلب يضرب بأقصى سرعة ويثير الأوعية الدموية في مختلف أنحاء الجسم الأرضي ليفرّغ ما لديه من دم ليعاود ضخّه من جديد في المعركة، فالقلب المضطرب حذرٌ وجلٌ، والمسلمون في أنحاء البسيطة يرفضون الموت ويقاومون الدم الفاسد ...
الغرب كما يقول مفكر بريطاني كان ينظر إلى الإسلام قبل عقدين نظرة
العقيدة المتراجعة التي كان يحسن أن توظف لمكافحة الشيوعية الأثيمة ... واليوم
تقف الصليبية واليهودية والشيوعية والهندوسية والديكتاتورية المحلية لتخوض
حرب القبائل المتحزبة وتجلب بـ «خيلها ورجلها» من كل ناحية لخنق هذا
المارد الذي بدأ يتململ ...
المعركة ضخمة وكبيرة بل ومصيرية وتحتاج إلى كم هائل من الذخيرة والعتاد؛ ولهذا نستطيع أن نتلمس بعض الفروق بين حرب الإسلام اليوم وبين معارك
الغرب القريبة مع النازية والفاشية والشيوعية.
وأهم هذه المعالم:
*أنها المعركة الأولى التي تجري بين الغرب الصليبي وتراثه من جهة، وبين
هذا الدين الضارب بجذوره في التراث والصدور من جهة أخرى، فهي معركة
دينية، وهي تعيد إلى الأجواء عصور «ريتشارد قلب الأسد» ونفير جنود
الصليب، وفي هذا الإطار وكما كانت المعركة بالأمس فإن الغرب هو البادئ،
حيث يشعر بالقوة والسيطرة وضرورة المبادرة قُدماً في حصار المسلمين قبل أن
يشبوا عن طوق العجز.
*أن حشد الجانب الغربي كان سريعاً ولاهثاً ويغلب عليه الانفعال والتهويل،
ففي المعارك السابقة كان الجانب الآخر كالنازية قد كونت كيانات وقوة مهددة بل
عدوانية، بينما المسلمون اليوم وخلال أعوام قليلة يواجهون ترسانة الغرب
الإرهابية بأسلحتها العاتية المتغطرسة.
*أن معالم الصراع قد وحدت بين النصرانية المحرّفة واليهودية الضالة مما
أعاد ذكريات المعارك الأولى في فجر الإسلام وأصبح الاستعراض العام لمسرح
المعركة يكشف عن قوة هذا التحالف ويزنه بميزان القرآن الكريم الذي أفرد مساحة
كبيرة لخطورة هذا الحلف منذ أن بزغ نور الرسالة.
*الصراع متنوع ويختبئ وراء لافتة محاربة الإرهاب، لكن أحداث الساعة
كشفت عن أن أجساد الشيشان وأعراض البوسنيات وحجاب الفتيات
العفيفات: «إرهاب حضاري» لابد للوقوف في وجهه من صب البارود، ونصب المشانق، وشق الأخاديد.
لم تعد «العمائم» و «اللحى» و «الدراويش» أدوات يوظفها العدو
والصديق في معارك جانبية أو قضايا هامشية ... إنها اليوم تقف أمام أعتى حصار
دولي أصبح يولول بلا مواربة أو دبلوماسية صارخاً: «دمروا الإسلام ... أبيدوا
أهله» ثم لا يلبث المذعورون إلا أن يتمتموا بنفس اللازمة في مشهد من مسرحية
الصراع بين دين حمل لواء إنقاذ البشرية.. وبشرية ضالة حملت لواء إطفاء نور
الله بيدها ... والله متم نوره ولو كره الكافرون والعمي المرتجفون من شعاع الشمعة
اليتيمة فضلاً عن النور الوقاد ...
لم تعد أخبار الإذاعات العالمية تحمل في ثناياها إلا تفاصيل المعركة المشتعلة، ولا يمكن اعتبار النشرة الإخبارية شيقة! مالم يتصدر الإسلام وحملته عناوينها،
لقد أصبح هذا الدين المطارد بلا مواربة القصعة التي اجتمعت عليها الدنيا بمختلف
مشاربها واتجهاتها وشاراتها، ومع كل سهم يوجه، ويدٍ تغتصب وجرح ينزف،
كل ذلك مطارق توقظ الأمة من نومها، والأعداء بذلك يقدمون للأمة أكبر خدمة
وأعظم فرصة لتأخذ مسارها ووضعها وموقعها الطبيعي ...
عنوان هذا الكتاب أصبح البند رقم واحد في السياسة الدولية!