خواطر في الدعوة
(2)
محمد العبدة
إن من هداية القرآن للمسلمين أن يصحح لهم طرق التفكير، ويسددهم إلى
الوسائل الصحيحة للفهم والتجديد، حتى لا يسيروا في مهامه ثم ينكصون، أو
يغزلون غَزْلاً ثم ينقضون.
وجّه القرآن الطاقات الفكرية للمسلم كي يتعلم ويبحث فيما يفيده في دنياه
وآخرته، فلا يعوقه عن حركته أو يأسره عن انطلاقته أحداث جرت ومضت، يقف
عندها لا يحور ولا يكور؛ ويستغرق فيها لتشغله عن واجبه في الحاضر وتطلعه
إلى المستقبل، ومن الطبيعي بل ربما يكون من الواجب الوقوف عندها لأخذ العبرة
والتعلم من دروسها، وشيء آخر لابد من ذكره وهو أن الكلام هنا ليس عن
الماضي الذي تركه لنا علماؤنا من عصر السلف وحتى يومنا هذا من علوم شتّى،
وخاصة ما تعلق منها بشرح وفهم نصوص الوحيين، فإن بعض الناس يتكلم بخبث
ومكر، ويدعو لترك الماضي من هذا الجانب، وترك الأصول والمنهج، أو تفسيره
حسب أهوائه، وإنما نتكلم عن أحداث معينة أو أشخاص معينين، والتركيز عليهم
دون الاشتغال بما ينفع في حاضر المسلمين.
عندما يقول قائل: ما بال علي ومعاوية رضي الله عنهما، نقول كما ذكر عن
بعض العلماء: تلك أحداث لم نشهدها، وقد مضت، ولا نخوض فيما شَجَرَ بين
الصحابة، والقرآن والسنة موجودان والحمد لله بين أيدينا، أما الوقوف عند هذا
الحدث لاستخلاص الدروس فهذا شيء طيب، وقد قال تعالى: [تلك أمة قد خلت
لها ما كسبت ولكم ما كسبتم] [البقرة: 123] .
وإذا جاء الآن من يقول: ما بال سيد قطب والمودودي ورشيد رضا وابن
باديس ... الخ، نقول: أولئك دعاة وعلماء قد مضوا إلى ربهم ونأخذ ما عندهم من
صواب وندع أخطاءهم.
وإذا قرأنا عن معارك العلماء السابقين مع بعض الفرق المنحرفة فهل نتقمص
شخصياتهم ونقوم بالدور نفسه؟ أم أن هناك تيارات خطيرة جداً لم تكن موجودة في
حياة أولئك العلماء ويجب مكافحتها مثل التيار العلماني الذي يكيد للإسلام كيداً تندك
منه الجبال.
جاء في تفسير قوله تعالى: [قال: فما بال القرون الأولى، قال: علمها
عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى] [طه: 51، 52] : قول موسى عليه
السلام: [علمها عند ربي] يحتمل أن يكون موسى صرفه عن الخوض فيما لا
يجدي في مقامه ذلك الذي هو المتمحض لدعوة الأحياء، لا البحث عن أحوال
الأموات الذي أفضوا إلى عالم الجزاء.. [1] .
إنني أخشى أن تكون عملية الاستغراق في الماضي هروباً من تبعات الحاضر، أو أن يكون التمسك ببعض الآراء والأشخاص نوعاً من الاحتمال والدفاع لأننا لم
نستطع الهجوم والاستفادة من الأحداث لصنع الحاضر، مع أن الواجب التكلم عن
كل الأخطار التي تحيط بالمسلمين، ومن الواجب إرجاعهم دائماً إلى نقاء التوحيد
وفهم واستنباط القرون المفضلة، واتخاذ هذا منهجاً وطريقاً لمعالجة مشكلات
المسلمين، والعيش معهم في واقعهم، ولو كان هذا يكلفنا أكثر، أو يضع على
عاتقنا مسؤوليات أكبر.