مجله البيان (صفحة 1834)

الأقليات الإسلامية قضية العصر

المسلمون والعالم

الأقليات الإسلامية

قضية العصر

د. محمد يحيى

في وقتنا الراهن لا يستطيع المسلم أن يهرب من أنباء الاضطهاد والملاحقة

بل والمذابح التي تتعرض لها الأقليات الإسلامية سواء أكانت صغيرة الحجم أم

كبيرة في شتى أنحاء العالم فمن «البوسنة» إلى «كوسوفو» إلى «اليونان»

إلى بلاد «الأباظة» وإقليم «أوستيا» و «الإنجوش» و «طاجيكستان»

و «كشمير» و «الفلبين» و «تايلاند» إلى «أثيوبيا» و «الكاميرون»

و «جنوب إفريقيا» ، ومنذ سنوات وسنوات كان الحديث عن قبرص وإريتيريا وزنجبار وبورما التي عاد الحديث عنها كما عاد عن الجمهوريات ... السوفيتية الآسيوية السابقة، كما كان على امتداد سبعين عاماً، ومازال الحديث متصلاً عما أقل إثارة للانتباه كنقص الدعاة والمساجد والفقر والجهل بتعاليم الدين والتفكك والبعد عن سائر مسلمي العالم.

المعنى المطلوب لمفهوم الأقليات:

باختصار فإن ملف قضية الأقليات الإسلامية هو ملف مؤلم يبعث على الحسرة

وينفر القلم من الاقتراب منه، وأذكر أن أحد رؤساء التحرير لمجلة إسلامية طلب

مني منذ سنوات أن أكتب باباً ثابتاً في مجلته عن الأقليات المسلمة أتابع أحوالها

وأعرف الناس بها وبمشاكلها فكان ردي عليه بعد أن تناولت مشكلة نقص المعلومات

وصعوبة الحصول عليها هو أن هذه القضية لا يمكن لأي شخص أن يتناولها دون

الحديث عن موضوع واحد متكرر لا يكاد يتغير ألا وهو الذبح والتقتيل مما يؤدي

بعد فترة إلى تعود القراء عليه بحيث ينحصر مجال الأقليات الإسلامية عندهم في

مجرد مقابلة روتينية باردة لآخر إحصاءات القتلى والمعذبين من المسلمين بجانب

إحصاءات الخسائر المادية في صفوفهم.

وأخشى أن قضية الأقليات الإسلامية قد تحولت عند المسلمين أو في إعلامهم

على تواضعه وضعفه إلى ما كنت أتصوره منذ سنين طويلة فلا توجد في الصورة

الآن سوى إحصاءات القتلى والخسائر على كل الجبهات والأصعدة توضع أمام

الناس وسط افتقار كبير إلى المعلومات الأخرى ووسط بعض التعبيرات الحزينة

والاقتراحات المعممة لحل الأزمة ولا شيء غير ذلك مما يؤدي في الحقيقة إلى قتل

القضية وفض الاهتمام بها تماماً، والغريب أننا في دنيا الأرقام هذه نعتمد في

إحصاءاالقتلى والخسائر على المصادر الأجنبية في المقام الأكبر وليس على

مصادرنا إلا فيما ندر.

الإحصائيات الأجنبية مشبوهة:

والطريف أن الرجوع إلى هذه المصادر الأجنبية نفسها رغم تحيزها الواضح

يكشف عن حقائق قد تبدو غريبة حتى بالنسبة لمن كانوا يظنون أنفسهم من

المطلعين، فمنذ فترة قريبة تصادف أن وقع في يدي كتاب الأحصاء السنوى

الصادر عن مكتب الإحصاء الألماني لعام 1991 وفيه باب عن توزيع السكان في

شتى دول العالم وفق الديانة، ووجدت في هذا الكتاب أرقاماً عن المسلمين في

أوروبا فإذا بهم وفق مصادر هذا الكتاب يبلغون 12% من سكان الاتحاد السوفيتي

السابق و4. 10% من سكان ما كان يعرف بيوغوسلافيا و3% من سكان فرنسا و7

. 2% من سكان ألمانيا و4. 1% من سكان بريطانيا وإيرلندا وتصورت أنه نتيجة

لتحيز التقرير (الذي يقول: إن هذه هي الأرقام كما كانت عام 1989) فلابد أن

تكون النسب السكانية للمسلمين أعلى من ذلك بكثير على الأقل في الاتحاد السوفيتي

والاتحاد اليوغسلافي السابقين، أما عن إفريقيا فقد أورد الكتاب مثلاً أن المسلمين

يشكلون 8. 42% من سكان بوركينا فاسو مقابل 1، 12% من المسيحين، فمن

كان يظن أن بوركينا فاسوا بلداً إسلامياً هذا إن عرف سكانها على خريطة إفريقيا

الغربية؟ والمسلمون في سيراليون 5. 38% من عدد السكان وهم أكبر مجموعة

دينية فمن كان يتصور أو يعرف أن سيراليون بلد إسلامي؟ وهم في السنغال

9. 93% من عدد السكان أي أكثر من نسبتهم في بعض البلاد الإسلامية المشهورة ومع ذلك فلا تطالعنا السنغال في الإعلام الدولي إلا بوجه مسيحي، يوحى بأنها بلد لا وجود للمسلمين فيه إلا قلة هامشية، والمسلمون في بلاد إفريقية أخرى في هذا التقرير غير الموثوق تماماً يشكلون أقليات أكبر مما قد يظن المرء فهم في موزمبيق 13% من عدد السكان وفي رواندا 9% وفي مالاوي 2. 17% وفي غانا 7. 15 % هذا عدا البلدان التي يشكلون فيها الأغلبية.

وبصرف النظر عن مصداقية هذه الإحصاءات (وهي ليست فوق مستوى

الشبهات لإنها مثلاً تورد أن عدد المسلمين في السعودية يبلغ 93% من السكان وهو

كذب مضحك) ، فإنها تدل على شيء واحد يحكم العلاقة مع قضية الأقليات المسلمة

ألا وهو الافتقار المخجل إلى المعلومات الأساسية من مصادر موثوقة رغم أننا

نعيش في عصر يكثر الحديث فيه عن ثورة المعلومات وثورة الاتصالات، ونلمس

فيه نقداً للدول الإسلامية في مجال استهلاك أدوات الاتصال والإعلام على الأقل من

الناحية التقنية البحتة، إن عدم وضوح الصورة يشكل الجانب الأهم من قضية

الأقليات لكنه مجرد البداية، فعلى فرض توافر المعلومات الدقيقة والمفصلة

والموثوقة هل يمكن أن تتغير الصورة أو يتغير وضع الأقليات تتحول قضية

الأقليات عن أن تكون مجرد قضية إحصاءات بأعداد القتلى والخسائر؟ لا أظن ذلك، بل إن الجهل وعدم توفر المعرفة بأحوال الأقليات قد يكون أحياناً السلاح الذي

تستخدمه بعض الجهات والدوائر العلمانية صاحبة النفوذ في كثير من البلدان

الإسلامية كي تحجب الحقائق عن جماهير المسلمين، وتقضي بذلك على تعاطفهم

مع الأقليات الإسلامية، ومن ثم تلاشي الوعي والإحساس بوجود أمة إسلامية واحدة

يرجى الترابط والتعاضد بين مكوناتها.

مشكلات الأقليات:

قد يكون الجهل بأحوال الأقليات بل حتى بأعدادها هو المشكلة الأولى التي

تواجه المسلمين حيال هذه القضية إلا أن هذه المشكلة تهون بجانب المشاكل الأخرى

المتصلة بموضوع الأقليات المسلمة، ولعل أوضح هذه المشاكل هي كيفية توصيف

الأقليات، فهل المسلمون في كشمير أقلية أم أنهم أصحاب البلاد الذين يرزحون

تحت الاحتلال الهندوسي؟ وهل هم في الجمهوريات الآسيوية السابقة من الاتحاد

السوفيتي أقليات أم أصحاب البلاد الحقيقيين وهم الأغلبية فيها الذين تآكلت أغلبيتهم

إما عن طريق تهجير الروس إلى بلادهم أو عن طريق استلاب أبنائهم بنشر

الشيوعية والإلحاد؟

ويقال نفس الشيء في بلدان إفريقية كثيرة تقلصت فيها أعداد المسلمين (دون

أن يتحولوا إلى أقلية بالمعنى الدقيق) من جراء عمليات التنصير العارمة أو إبعادهم

إلى هامش الحياة على يد الاستعمار، وهنا ينبغي أن نشير كذلك إلى مسألة حجم

الأقليات، فالحديث عن الأقليات الإسلامية بوضعها كلها في سلة واحدة لمجرد أنهم

يوجدون داخل حدود سياسية لا يشكلون فيها أغلبية عددية يتجاهل حقيقة أن هؤلاء

أقليات كبيرة العدد بحيث لا يجوز أن يطبق عليها مفهوم الأقلية.

كذلك فإن هناك أقليات إسلامية تعيش وسط أغلبية غير مسلمة كبيرة إلى حد

أن هذه الأقليات كما في أمريكا أو الصين أو بعض بلاد أوروبا تفوق أعدادها أعداد

المسلمين في بلدان يعتبرون فيها من الأغلبيات إلا أن عدد السكان فيها لا يتجاوز

ملايين قليلة، لكن النسبة العددية للمسلمين في تلك البلدان كبيرة العدد تجعل منهم

«أقلية» وفقاً للمصطلح العددي، ومما لا شك فيه أن هذه الأقليات كبيرة الحجم يمكن أن يكون لها بالتنظيم والنشاط والتماسك دور فاعل في نشر الإسلام في محيطها أو على الأقل في الحفاظ على عقيدتها والتفاعل الإيجابي مع الأمة الإسلامية لخدمة مصالحها كما هو حال الجاليات اليهودية في أمريكا ودول غرب وشرق أوروبا.

والحق أن مجرد إطلاق لفظ الأقليات على المجتمعات الإسلامية المقيمة في

بلدان خارج ما اصطلح عليه أنه يمثل القلب الإسلامي أو ديار الإسلام يوجد فوضى

وظلم كبير، فهناك مجتمعات مسلمة كما أشرت في الفقرة السابقة كانت توجد في

ديارها آمنة كما في مناطق غرب أفريقيا والبلقان ثم فرضت عليها تجمعات سكانية

أخرى بفعل التنصير أو التهجير أو تغلب القوى السياسية غير الإسلامية المحلية أو

الاستعمارية بحيث أن تسمية «الأقلية» تغمطها حقها وتطمس الواقع التاريخي

لتشير إلى مجرد حاضر مؤلم، بل وتجمع هذه التسمية بين هذه التجمعات

ومجتمعات إسلامية أخرى نشأت في فترات قريبة في بلدان كبلدان المهجر في

الأمريكتين وأستراليا، غير أن الخطورة الحقيقية في مصطلح «الأقليات» تكمن

في جانب آخر.

إن استعمال هذه التسمية يشير إلى تجمعات سكانية محدودة العدد وبالتالي

محدودة التأثير لكونها بعيدة فعلياً (جغرافياً) من القلب أو المركز، ومن ثم تكون

بعيدة عن هذا المركز من ناحية الشعوب والترابط مما يجعل الاهتمام بها في أحسن

الأحوال أمراً ثانوياً، وهذه التسمية تشير إلى تجمعات سكانية تقيم منعزلة ومندمجة

داخل دول إقليمية ذات حدود ثابتة وراسخة ومحاصرة داخل ببيئات ثقافية ودينية

مغايرة، كما تشير التسمية إلى أن هذه الأقليات قد تحدد وضعها إلى الأبد داخل هذا

النطاق أي داخل نطاق غير إسلامي، وعلى هامش اهتمامات الأمة الإسلامية بحيث

أن أقصى ما ينتظر من علاقة بين المركز الإسلامي أو القلب الإسلامي وهذه

الأقليات هي علاقة التفقد بين وقت وآخر والإمداد ببعض المواد التعليمية والتدخل

اللفظي في الحالات القصوى لمحاولة إنقاذ هذه الأقليات مما تتعرض له دون أن

يؤدي ذلك أبداً إلى إفساد العلاقات مع القوى والبلدان والقوميات غير الإسلامية التي

تعيش الأقليات المسلمة داخل نطاق نفوذها.

الأقليات بين المسلمين والنصارى:

ومن الجلي أن هذا التكييف لقضية الأقليات الإسلامية وهو التكييف الذي يشير

إليه المصطلح يتناقض تماماً مع الوضع داخل النصرانية العالمية فمن الصحيح أن

عبارة الأقليات النصرانية قد تستخدم أحياناً لكنها تستخدم فقط على المستوى

الإعلامي والدارج دون أن يكون بها ارتباطات شعورية أو معنوية كتلك المشار إليها

في الفقرة السابقة، أما الوضع الطبيعي فهو أن ينظر إلى النصارى في كل مكان

ليس على أنهم أقليات منعزلة هنا وهناك وسط بيئات غير نصرانية وإنما كأفراد

وأعضاء في ديانة وأمة دولية الطابع لها مؤسساتها الدولية (العابرة للقارات والحدود

الإقليمية) وهي الكنائس الكبرى ومجالسها العالمية ومنظماتها التي لا تكاد تحصى،

وهي هيئات مسؤولة عن رعاية وتفقد جميع النصارى في كل مكان دون تفرقة بين

أغلبيات وأقليات في النظرة أو الشعور أو مدى الرعاية أو مدى تقدير الاحتياجات،

وينطبق نفس الشيء على اليهود والبوذيين والهندوس حتى الآن، فضلاً عن النحل

الصغيرة المارقة مثل القاديانية والبهائية وغيرها.

الخلل في مفهوم الأقليات الإسلامية حالياً:

إذن النظرة أو الطريقة التي تطرح بها مسألة الأقليات الإسلامية تعاني من

الخلل منذ بدايتها لمجرد الإيحاءات والمعاني التي تحيط بمصطلح الأقليات ذاته لأنها

تحدد طبيعة الأقليات كما قلت كتجمعات محدودة العدد ومحدودة الأهمية تقع منعزلة

عن القلب أو المركز داخل بيئات غير إسلامية تحاصرها وتبعدها عن القلب الذي لا

يستطيع بدوره أن يكون علاقة معها تتداخل أو تؤثر بأي حال على علاقاته مع تلك

القوى غير الإسلامية، ولذلك تبقى علاقة المركز مع الأقليات علاقة هامشية وهشة

تبرز من خلالها كل إيحاءات العزلة والقلة وعن الأهمية التي ينطوي عليها مصطلح

«الأقلية» كما تكاد تقتصر على مجرد التدخل اللفظي من وقت لأخر وإحياء

الروابط المعنوية المجردة، هذا الطرح الخاطئ منذ البداية بحكم التركيز على

مصطلح «الأقلية» بإيحاءاته يختلف عن طروحات نصرانية ويهودية تبدأ من

منطلق الأمة الواحدة، وليس من منطلق القسمة بين أكثريات وأقليات تتحدد فقط

على معيار عددي مشكوك في دقته على أفضل الأحوال، وألاحظ هنا أن المعيار

العددي للبحث في حساب الأقليات يغفل جوانب أخرى أكثر أهمية في مسألة الأقلية

وأبرزها الفاعلية والتأثير الذي يمكن للأقلية أن تمارسه داخل المجتمع الذي تعيش

فيه بفضل حسن تنظيمها، وتماسكها، وتركز عناصر القوة المادية والإعلامية

والاقتصادية والسياسية ... الخ، ومرة أخرى فإن مثال الأقلية اليهودية في أمريكا

والأقليات النصرانية في بعض البلدان الإسلامية أو الأقلية الصينية في ماليزيا يؤكد

هذا الرأي.

والواقع أن هذا الخلل في تصور قضية الأقليات المسلمة منذ البداية يعكس

خللاً في القلب أو المركز الإسلامي نفسه الذي يبدو أنه من خلال الطرح لمسألة

الأقليات على هذا الوجه القاصر يسعى إلى تفادي أو تجنب مواجهة الأزمة داخله أو

أن هذا الطرح في حدا ذاته تعبير عن الأزمة ذاتها.

المقصود بالقلب والمركز:

إن ما أقصده هنا بالقلب أو المركز الإسلامي وهو ما يشير إليه بعضهم بالعالم

العربي وبعض البلدان المجاورة كإيران وتركيا والذي يعاني من مشكلات التفتت

والانقسام والخلافات واشتعال الحروب على الهوية بين الجماهير المسلمة ونخب

وفئات علمانية فرضتها عهود الاستعمار والتبعية في هذه المناطق.

إن هذا القلب لا يكاد يستحق لقب المركز أو القلب نتيجة للمشكلات المتعددة

التي يعاني منها، وليس هنا مجال التعمق في ذكرها بحيث أن طرح قضية الأقليات

بشكل هامشي منعزل، من شأنه أن يخفف أعباء هذا المركز عما إذا طرحت هذه

القضية باعتبارها قضية أساسية من قضايا الأمة الإسلامية الواحدة ذلك لأن هذه

الوحدة في حد ذاتها بل هذا الوجود لأمة إسلامية هو الآن في بعض الدوائر موضع

تساؤل وشك في ظل فكر التجزئة الإقليمية القومية العرقية أو في ظل فكرة العلمانية.

إننا لا نجافي الحقيقة ولا نتجنى إذا قلنا: إن المركز لم يعد مركزاً أو قلباً

بالمعنى الدقيق أو بالمعنى التاريخي أيام الدول الإسلامية الكبرى حتى السلطنة

العثمانية أو الخلافة العثمانية، وهذا المركز لم يعد قادراً لاعتبارات عديدة على أن

يقوم بأعباء قضية الأقليات لو طرحت على نطاق واسع باعتبارها قضية مجتمعات

إسلامية تعاني من ظروف مشددة وضغوط ويطلب الاهتمام بها كالاهتمام بالمركز.

إن المركز لم يعد مركزاً بالمعنى الدقيق لافتقاده إلى السلطة المركزية ذات

الطابع الدولي والمسؤوليات العابرة للقارات كالهيئات النصرانية واليهودية بل

والشيوعية (سابقاً) والليبرالية الدولية، ومن دواعي الأسف أن المنظمات الإسلامية

الدولية لم تكن بأي حال البديل الناجح المكافئ لهذه المؤسسات الدولية الأجنبية ولم

تمثل البديل المطلوب للسلطة السياسية المركزية المعبرة عن وجود الأمة الإسلامية

الواحدة، ولأن المركز أو القلب من العالم الإسلامي لم يعد قادراًعلى أداء دور كبير

على الساحة الدولية، فإن ذلك انعكس سلباً وبالضرر الشديد على قضية الأقليات

حتى مع الطرح المتواضع لها باعتبارها مجرد قضية تعاطف شعوري مجرد،

وعلى هذا تزداد قضيةالأقليات المسلمة صعوبة وتعقيداً إزاء هذا الضعف في المركز

الذي يقيد إلى حد كبير من إمكانية القيام بتحرك فعال لحل مشاكل الأقليات رغم

وجود التوصيات والحلول النظرية الكثيرة لهذه المشاكل.

القضية إذن متشابكة الأطراف وهي إن كانت قضية الأقليات إلا أنها أيضاً

وبنفس القدر قضية الأغلبيات المسلمة التي أصبحت في بعض الأحوال وكما تدل

على ذلك شواهد الماضي القريب والحاضر المعاصر تعاني من مشكلات حادة لا

تختلف عن مشكلات الأقليات وذلك في ظل حكم الأقليات والفئات العلمانية، إن

الاضطهاد بل حتى والمذابح أصبحت واحدة في كلا الحالتين كما إن الحلول التي

تطلبها الأقليات وأبسطها حق العبادة وأداء الشعائر وتعليم الأبناء الدين الإسلامي

أصبحت هي الحلول التي تطلبها بعض الأغلبيات الإسلامية التي تحكمها طغم

علمانية لا سيما إذا كانت من العسكر، وإزاء هذا الوضع فإن انتظار الحل

لمشكلات ومحن وأوضاع الأقليات من المركز أو القلب الإسلامي يصبح أمراً

مشكوكاً فيه إن لم يكن بعيد المنال، ولا يعني هذا بالطبع أن يتأجل طرح أو حل

مشكلات الأقليات إلى حين إصلاح أوضاع المركز الإسلامي حتى يصبح قادراً على

التعامل معها، وإنما يعنى تقديم طرح أكثر نضجاً ووعياً لهذه القضية [*] .

وفي تقديري أن هذا الطرح الأقرب للصدق والأفضل هو الكف عن معاملة

المسألة من المنظور الضيق الذي تنطوي عليه كلمة «الأقليات» لابد من النظر

إلى المجتمعات الإسلامية في شتى بلدان العالم من منطلق مفهوم الأمة الواحدة ذات

المهمة الربانية الجسيمة مع استناد هذه الرؤية إلى معرفة ومعلومات دقيقة

وموضوعية، ولا يعني هذا اتباع سياسة مواجهة مشددة مع العالم غير الإسلامي قد

لا تكون الأمة مستعدة لها في الوقت الراهن، وإنما يعني معاملة الأقليات باعتبارها

أجزاء عضوية من الأمة لا مجموعات منعزلة هامشية تقع خارج نطاق الأمة.

إن هذه المجتمعات قد تكون خارج ما تعودنا على أنه النطاق الجغرافي للأمة

الإسلامية (وإن كان هذا القول غير صحيح تماماً) لكنها يجب أن تكون في موقع

القلب من الأمة أو داخل نطاقها المعنوي والفكري وهمها الحضاري، كما إن المركز

الإسلامي لابد أن يعدل نظرته إلى الأقليات ولكن قبلها عليه أن يعدل نظرته إلى

نفسه وإلى أوضاعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015