مجله البيان (صفحة 1821)

وقفات مع جهود علماء الدعوة السلفية فى نجد

مقال

وقفات مع جهود علماء الدعوة السلفية في نجد

في الرد على المخالفين

عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيفف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فالرد على المخالفين سواءأ كانوا من المبتدعة أو الكافرين أو المنافقين أو

غيرهم نوع من الجهاد في سبيل الله تعالى فهو من أفضل القربات وأعظم الطاعات، ففيه إظهار للسنة، وتحذير من البدعة، وقضاء على الفتنة، واستبانة سبيل

المجرمين.

والرد على المخالفين لا يكون عملاً صالحاً مقبولاً إلا إذا أريد به بيان الحق

وإظهاره، ورحمة الخلق وهدايتهم، كما كان أهل السنة قديما وحديثاً: يعلمون

الحق ويرحمون الخلق.

وليس الحديث عن علماء نجد تعصباً لإقليم.. فنعوذ بالله من دعاوى الجاهلية

ونعرات القومية، لكنه الحديث عن الأقربين، ممن لهم مواقف رائعة مغمورة،

وأياد بيضاء منسية، وجهاد ودعوة وصبر وتضحيةكغيرهم، فمع أن علماء نجد

كانوا منشغلين بالتدريس والفتيا والقضاء وغيرها إلا أنهم اجتهدوا في الرد على

المخالفين أياً كانوا، فصدعوا بالحق لا يخافون في الله لومة لائم ولم تمنعهم سطوة

أحد من الخلق عن إبلاغ رسالات الله تعالى.

[الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداْ إلا الله وكفى

بالله حسيباْ] [الأحزاب: 39] .

اجتهد علماء نجد في الرد على المخالفين وسطروا كتباً كثيرة، ورسائل

متعددة في الرد على طوائف الكفر وأهل البدع وسائر المخالفين لدين الله تعالى،

ودوّنوا أجوبة شافية في إزالة اشكالات وكشف شبهات، وحسبك أن تلقي نظرة على

الجزء التاسع من كتاب «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» وكتاب:

«مختصرات الردود» وتبلغ صفحات هذا الجزء ثمان وأربعين وأرربعمائة صفحة من الحجم الكبيرمع أن هذا الجزء يقتصر على بعض الردود لا كلها، وعلى مختصرات الردود دون مطولاتها لتعرف مدى ذلك.

ومن خلال متابعة واطلاع لجملة من هذه الردود، أقف بعض الوقفات:

1- كثرة الردود وتعددها وشمولها:

ما أكثر الكتب والرسائل التي دونهاأولئك العلماء في الرد على المنحرفين،

وما أكثر القصائد التي نظمها العلماء في الجواب على المبتدعة وبقية المخالفين،

وقد تميز بعض علماء نجد بكثرة الردود وتعددها، ومن ذلك الشيخ عبد الرحمن بن

حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1385هـ) ، وابنه العلامة عبد اللطيف (ت

1393هـ) ، والشيخ سليمان بن سحمان (ت 1349) والشيخ عبد الرحمن بن محمد

الدوسري (ت 1399) والشيخ حمود بن عبد الله التويجري (ت1413هـ) رحمهم الله

جميعاً.

ولقد كتب الشيخ عبد الرحمن بن حسن ردّاً على داود بن جرجيس النقشبندي، وجملة من الردود على عثمان بن منصور، وردّاً على ابن حميد صاحب السحب

الوابلة، وردّاً على محمود الكشميري، وغيرهم.

وأما الردود التي حررها العلامة عبد اللطيف فهي كثيرة، منها: رد مطوّل

وآخر مختصر على داود بن جرجيس، وجملة من الردود علي عثمان بن منصور،

والبراهين الإسلامية في الرد على الشبهات الفارسية، ورد على الصحاف،

والبولاقي، وابن عمير..

وأما الردود التي كتبها الشيخ سليمان بن سحمان فهي كثيرة جداً، منها:

الأسنة الحداد في الردّ على علوي الحداد، والصواعق المرسلة الشهابية الرد على

محمد الكسم السوري وكشف غياهب الظلام رداً على (مختار العظم) والضياء

الشارق رد اًعلى (الزهاوي) الشاعر، وله قصائد طويلة في ديوانه عقود الجواهر

المنضدة الحسان في الرد على أئمة الضلال مثل (أحمد زيني دحلان) و (النبهاني)

ونحوهم.

وحرر الشيخ عبد الرحمن الدوسري عدداً من المقالات والقصائد في هذا الباب، فكتب ردّاً على أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي ونظم قصيدة في الرد على

الشاعر القروي، ورد اًعلى القوميين والاشتراكيين في مقالات متعددة نشرت في

مجلة راية الإسلام التي كانت تصدر في الرياض ثم توقفت.

ودَوّن الشيخ حمود التويجري عدة ردود منها: إيضاح المحجة في الرد على

صاحب طنجة رداً على (أحمد الصديق الغماري) ، والرد القوي على الرفاعي

والمجهول وابن علوي، والانتصار على من أزرى بالمهاجرين والأنصار رداً على

(عبد الله السعد) ، والسراج الوهاج لمحو اباطيل أحمد شلبي عن الإسراء والمعراج.

ولم يقتصر علماء نجد في ردودهم على طائفة معينة فحسب، بل شملت

ردودهم جميع الطوائف والمبتدعة، فكتبوا في الرد على الملاحدة الزنادقة

والنصارى، والباطنية، والمتصوفة والخرافيين، وكذلك الرد على الرافضة

الأشاعرة وغيرهم.

2- تنوع الردود حسب اختلاف الأحوال:

تنوعت ردود علماء نجد واختلفت حسب ما استجد من الانحرافات والمخالفات، فغلب على رسائل أئمة الدعوة زمن الدولة السعودية الأولى الرد على المخالفين في توحيد العبادة لكثرة المخالف آنذاك، وأظهر مثال على ذلك ما نجده في مؤلفات ورسائل الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

ولما انتشرت الدعوة السلفية في بقية أنحاء الجزيرة العربية وخارجها احتاج

الأمر إلى زيادة بيان وتفصيل في مبحث الأسماء والصفات، وذلك لغلبة الانحراف

في هذا الباب في كثير من بلاد المسلمين، كما نجده جلياً في رسائل الشيخ عبد الله

بن عبد الرحمن أبي بطين (ت1282هـ) والشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه العلامة

عبد اللطيف.

وفي هذا الزمان استفحل حكم الطاغوت في بلاد المسلمين، الذي تمثل في

القوانين الوضعية، فاهتم علماء نجد بالرد علي تلك القوانين، ومن ذلك ما سطره

العلامة محمد بن إبراهيم في رسالته «تحكيم القوانين» وفتاوية وأجوبته المتعددة

في تقرير الحاكمية لله تعالى، ونقد المؤسسات الوضعية والأنظمة الطاغوتية [1] ،

وكتب الشيخ عبد الرحمن الدوسري كتاباً في ثلاثة أجزاء بعنوان «الحق أحق أن

يتبع» في نقد القوانين الوضعية.

ولما ظهرت موجة الإلحاد والاستهزاء بالغيبيات، وإنكار وجود الله تعالى،

كما هو عند الشيوعيين، انبرى لهم علماء نجد، فكتب الشيخ العلامة عبد الرحمن

بن ناصر السعدي (ت1376هـ) رسالة بعنوان «الأدلة القواطع والبراهين في إبطال

أصول الملحدين» ، وكتب رسالة أخرى بعنوان «انتصار الحق» في الموضوع

نفسه.

وكتب الشيخ ابن سحمان جواباً عن أسئلة ألقاها بعض زنادقة عصره سنة

1332هـ، حيث تتضمن هذه الأسئلة طعناً في الحكمة الإلهية في تشريع مناسك

الحج، وسمى جوابه «إقامة الحجة والدليل وإيضاح المحجة والسبيل» .

وعندما زاغ عبد الله بن علي القصيمي، تصدى له علماء نجد بالرد فألف

الشيخ السعدي رسالة بعنوان «تنزيه الدين وحملته عما افتراه القصيمي في أغلاله

» وألف الشيخ إبراهيم السويح (ت1369هـ) كتاباً بعنوان «بيان الهدى من الضلال

في الرد على صاحب الأغلال» ، وصنف الشيخ عبد الله بن يابس (ت1389هـ)

كتاباً بعنوان «الرد القويم علي ملحد القصيم» .

3- لم تكن هذه الردود ترفاً أو فضولاً أو كلاماً بارداً:

لقد كان الباعث على تدوين تلك الردود هو الغيرة على دين الله تعالى،

والذب عن شعائر الله والغضب لحرمات الله عز وجل، فهذه الجهود في الرد على

المخالفين من مقتضيات الولاء والبراء، ومن لوازم الحب في الله والبغض في الله،

الذي يعد أوثق عرى الإيمان كما أخبر الصادق المصدوق، ومن ثم فإن أحدهم يرد

على المخالف أياً كان، سواءً أكان حاكماً أو محكوماً، قريباً أو بعيداً، مع مراعاتهم

لأحوال الناس ومنازلهم، ومدى قربهم أو بعدهم عن الحق، فعلى سبيل المثال نجد

الشيخ حمد بن عتيق (ت1301هـ) يرد على اعتراضات أحد الحكام في زمانه، كما

رد على أخطاء في تفسير فتح البيان للشيخ محمد صديق حسن رحمه الله، وكان

الشيخ حمد في غاية الصلابة والشدة مع ذاك الحاكم، بينما كانت رسالته إلى الشيخ

محمد صديق حسن في غاية اللطف واللين فمع ما وقع فيه الشيخ محمد صديق من

أخطاء وهنات في تفسيره، ومع ما اشتهر عن ابن عتيق من الغيرة الإيمانية والقوة

في دين الله تعالى، إلا أننا نجد الشيخ ابن عتيق يلتمس لمحمد صديق المعاذير،

ويحسن الظن به، لما كان عليه محمد صديق من عموم الاتباع لمذهب السلف

الصالح.

لقد صدع الشيخ بكلمة الحق أمام حكام زمانه، فلم يداهن أحداً منهم بل رد

عليهم دون خوف فقال في إحدى رسائلة مخاطباً أحدهم: «وأما ما ذكرت من

التخويفات فجوابه: [إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ

بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم] ونصدع بالحق إن شاء الله، ولا قوة إلا به، ولا يمنعنا من ذلك تخويف أحد [2] .

ولا غرابة أن يقوم الشيخ هذا المقام الرفيع، فلقد كان من المدافعين عن هذا

الدين، والغيرة على المسلمين كانت شغله الشاغل، وهمه الوحيد، حتى إنه كتب

جواباً لمن عزاه في وفاة ابنيه قائلاً:

» ولكن والله ما بلغت مصيبتي بالابنين معشار ما بلغ بي من المصيبة التي

حلت بكثير من الإخوان.. بينما الرجل يدعو إلى التوحيد ويحذر من أهل الشرك

إذا هو منقلب على عقبيه « [3]

4- الانتصار لإخوانهم العلماء:

فإذا رد أحد هؤلاء الأعلام علي بدعة أو مخالفة، فلا عجب أن يرد المخالف

على هذا العالم، ومن ثم قام علماء نجد بالذب عن إخوانهم وحماية أعراضهم،

وتقرير صحة ردودهم وتأكيدها.

ومن ذلك أن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين كتب رسالة في تخطئة

البوصيري في بردته، فقام أحدهم بالذب عن تلك البردة والرد علي المعتقد الصحيح، فانبرى الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في الدفاع عن أبي

بطين وتقرير صواب رسالته.

ودافع الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن الشيخ حمد بن

عتيق، عندما كتب الشيخ حمد بن عتيق رسالة في التحذير من موالاة الكفار، فشنع

بعض الشامتين بالشيخ حمد، واستغلوا بعض الهنات في عبارات الشيخ حمد،

فبادر الشيخ عبد اللطيف بالدفاع عنه فكان مما قاله:» فيجب حماية عرض من قام

لله وسعى في نصر دينه الذي شرعه، وترك الالتفات إلى زلاته والاعتراض على

عباراته، فالأمر سهل في جنب تلك الحسنات «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل

بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» .

فليصنع الركب ما شاؤا لأنفسهم ... هم أهل بدر فلا يخشون من حرج

ولما قال المتوكل لابن الزيات: يا ابن الفاعلة وقذف أمه، قال أحمد: أرجوا

الله أن يغفر له، نظراً إلى حسن قصده في نصر السنة وقمع البدعة « [4]

5- لا تنفك هذه الردود عن جوانب عملية:

ومواقف ظاهرة، فليست مجرد ردود نظرية علمية فحسب، بل اقتضت

موجبها من الهجر، أو القتل، أو القتال ونحو ذلك.

ويقول الشيخ عبد الله أبو بطين عن أحد المنتسبين للعلم المردود عليهم: وابن

عجلان أقل الأحوال هجره، وأما النصيحة فلا تفيدفي مثله» [5]

وأفتى الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بجواز قتل رافضي تطاول على

أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[6] .

ومن المواقف العلمية في هذا الصدد، ما فعله المحسن: مقبل بن عبد العزيز

الذكير حيث أنشأ نادياً في البحرين لتحرير المقالات وإعداد الردود على النصارى

الذين انتشروا في أطراف الجزيرة العربية، وقد تولى الشيخ محمد بن عبد العزيز

المانع (ت1385هـ) رئاسة النادي، وقام به خير قيام [7] .

6- سلك بعض علماء نجد أسلوب المناظرة مع المخالفين:

عندما دعت الحاجة إلى مثل تلك المناظرات، ومن ذلك ما وقع في المناظرة

بين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين وبين علماء مكة المكرمة سنة 1185

هـ، وكانت المناظرة في مسائل توحيد العبادة، وقد أقنعهم الشيخ الحصيني

بالصواب واعترفوا بأن هذا هو دين الله تعالى [8] .

كما وقعت مناظرة بين الشيخ حمد بن ناصر بن معمر (ت1225هـ) وبين

علماء مكة سنة 1211هـ، وقد أذعن علماء مكة لمقالته، وطلبوا من الشيخ ابن

معمر تأصيل براهينه، وتسجيل ما ناظرهم به، فكتب في ذلك رسالة مفيدة [9] .

7- كان الرد على المخالف يأخذ مسلكاً دعوياً:

يراد به دعوة المخالف إلى اتباع الحق والدليل، مع رحمته والإحسان إليه.

ومن ذلك قصة الشيخ أحمد بن عيسى (1319هـ) مع التاجر التلمساني كما

حكاها الشيخ محمد نصيف قائلاً:

«كان الشيخ أحمد بن عيسى يشترى الأقمشة من جدة من عبد القادر

التلمساني أحد تجار جدة بمبلغ ألف جنيه ذهباً، فيدفع له منها أربعمائة، ويقسط

عليه الباقي، وآخر قسط يحل ويستلمه التلمساني إذا جاء إلى مكة للحج من كل عام، ثم يبتدئان من أول العام بعقد جديد، ودام التعامل بينهما زمناً طويلا وكان الشيخ

أحمد بن عيسى يأتي بالأقساط في موعدها المحدد لا يتخلف عن قسط ولا يماطل في

أداء حقه، فقال له التلمساني: إني عاملت الناس أكثر من أربعين عاماً فما وجدت

أحسن من التعامل معك يا وهابي فيظهر أن ما يشاع عنكم يا أهل نجد مبالغ فيه من

خصومكم السياسيين، فسأله الشيخ أن يبين له هذه الشائعات، فقال: إنهم يقولون

إنكم لا تصلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تحبونه فأجابه الشيخ أحمد

بقوله: سبحانك هذا بهتان عظيم.. إن عقيدتنا ومذهبنا أن من لم يصل على

النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير فصلاته باطلة، ومن لا يحبه فهو كافر، وإنما الذي ننكره نحن أهل نجد هو الغلو الذي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، كما ننكرالاستعانة والاستغاثة بالأموات، ونصرف ذلك لله وحده.

يقول الشيخ محمد نصيف عن الشيخ التلمساني: فاستمر النقاش بيني وبينه

في توحيد العبادة ثلاثة أيام حتى شرح الله صدري للعقيدة السلفية، وأما توحيد

الأسماء والصفات فإن الذي قرأته في الجامع الأزهر هو عقيدة الأشاعرة وكتب

الكلام مثل السنوسية وأم البراهين وشرح الجوهرة وغيرها، فلهذا دام النقاش فيه

بيني وبين الشيخ ابن عيسى خمسة عشر يوماً، بعدها اعتنقت مذهب السلف،

فعلمت أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم بفضل الله تعالى، ثم بحكمة وعلم الشيخ

أحمد بن عيسى.

ثم إن الشيخ التلمساني أخذ يطبع كتب السلف.. وصار من دعاة عقيدة السلف.

قال الشيخ محمد نصيف: فهداني الله إلى عقيدة السلف بواسطة الشيخ عبد

القادر التلمساني فالحمد لله على توفيقه» [10] .

8 -تميزت تلك الردود بعمق وعي أصحابها:

وسعة اطلاعهم وفقههم واقعهم، ومعرفة مشكلات عصرهم، ولقد حرص

علماء نجد على نشر ردودهم في المجلات ذات الانتشار الواسع، مع صعوبة

وتعذر الاتصالات آنذاك فالشيخ ابن سحمان يكتب رداً على جريدة القبلة لسان

الشريف الحسين بن علي ويرسل هذا الرد إلى مجلة المنار، ويكتب الشيخ العلامة

السعدي رسالة إلى مجلة المنار، فيثني ثناء حسناً على المجلة وصاحبها، ويشير

إلى جهود تلك المجلة في نصرة الإسلام، ثم يبدي انتقاده على المجلة بضعف

اهتمامها في الرد على الملاحدة والزنادقة، وأصحاب المسلك العقلاني، ويذكر

السعدي في رسالته طنطاوي جوهري وما في تفسيره «الجواهر» من المزالق،

ويربط هذا الاتجاه المنحرف بالاتجاه الفلسفي اليوناني القديم [11] .

كما انتقد الشيخ محمد بن مانع في رسالة خطية محمد رشيد رضا في دعوته

للتقريب بين أهل السنة والشيعة*، وانتقد عموماً المدرسة الإصلاحية، كما بعث

الشيخ عبد الله بن يابس انتقاداً لكتاب «الوحي المحمدي» لمحمد رشيد رضا، وقد

نشر في مجلة المنار، ثم أعقبه محمد رشيد رضا بالجواب [12] .

9- قوة الحجة ووضوح البرهان:

لاشك أن اتباع الحق بدليله يورث يقيناً ورسوخاً، ومن ثم يتميز أهل الحق

بقوة حجتهم، وثبات منهجهم، واطراد مسلكهم بخلاف أهل الباطل، فهم في ريبهم

يترددون، يغلب عليهم التناقض والتذبذب.

ونلحظ من خلال ردود علماء نجد قوة الحجة، والثقة المطلقة بالمنهج الذي

سلكوه مسلك أهل السنة والجماعة ولا ريب أن هذه الحجج القوية نابعة من علم

راسخ ويقين ثابت.

وقد كان الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقول: «أنا أخاصم

الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي والشافعي والحنبلي كلاً أخاصمه

بكتب المتأخرين من علماء مذهبه الذين يعتمد عليهم [13] .

ومن ذلك أن مندوباً انجليزيا قدم البحرين وكان قسيساً نصرانياً ومعه كتاب

يحوي شبهات في إثبات صحة النصرانية وتوهين دين الإسلام، فعرضه على حاكم

البحرين، وطلب منه عرضه على علماء البحرين ليجيبوا عليه أو يقروا بصحة ما

فيه إن عجزوا، فَعُرِضَ عليهم فقالوا: لا نستطيع الرد عليه فقال له أحد خواصه:

إنه يوجد في البحرين شاب من طلبة العلم بنجد، فأرى أن تعرضه عليه عسى أن

يكون له عنده جواب، فأعطى الكتاب لهذا الطالب، وهو الشيخ عبد العزيز بن

حمد بن معمر (ت1244هـ) ، فقال: سأعطيكم الجواب عليه بعد شهر إن شاء الله

تعالى، فلم يمض شهر حتى دفع إليهم الجواب السديد، واسمه» منحة القريب

المجيب في الرد على عباد الصليب «فدعى القسيس الانجليزي، فلما قرأ الرد

دهش من قوة الجواب وسداد الرأي» [14] ... تلك وقفات تحتاج إلى مزيد بسط

وبيان، لكن حسبنا من هذه الوقفات العابرة أن تكون حافزاً للاطلاع على تراث

أولئك العلماء، والتأسي بهم في جهودهم العلمية والعملية، وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015