الورقة الأخيرة
د. وحيد عطية المصري
يجذب انتباه المطالع للصحافة العربية اليومية الإعلانات المتكررة لمكاتب
الهجرة إلى الخارج التي تحث أصحاب الخبرات العلمية ورؤوس الأموال على
الهجرة إلى الغرب، كذلك يجد المتتبع لتلك الإعلانات أن فحواها كُتب بطريقة
خبيثة ومغرية لجذب «الزبائن» لبضائعها! وعادة ما تذكر تلك الإعلانات العديد
من المميزات مثل:
* نظام الضمان الاجتماعي للمستحقين.
* الرعاية الصحية المجانية.
* التعليم مكفول للجميع.
* الاستقرار والأمان والحرية.
لذلك يجد الكثير من أبناء المسلمين المضطهدين في بلدانهم المؤهلين تأهيلاً
عالياً ضالتهم في مكاتب الهجرة تلك، ويقبل عليها المضطرون اضطراراً أو
أصحاب الثروات الخائفين من مصادرتها بطريقة أو بأخرى، وغالباً ما يجد العلماء
والمهندسون والأطباء والمحاسبون فرص عمل ممتازة في البلاد الغربية مقارنة بما
يجدونه في بلادهم، بل إن العديد منهم يبزون نظراءهم الأجانب ويتقلدون أعلى
المناصب في المؤسسات والهيئات التي يعملون بها.
إن الأمر ليس بمقصور على مكاتب الهجرة فحسب، بل إن المشاهد لطارقي
أبواب بعض السفارات يطلبون معلومات واستفسارات عن الهجرة يتيقن تماماً أن
نزوح الخبرات المسلمة في تزايد مستمر، وهو من غير أدنى شك يؤدي إلى
النزوح المعاكس للخبراء الأجانب إلى بلاد بعض المسلمين بمميزات خاصة لا
تتوفر لأبناء المسلمين في بلدانهم!
غير أن كل ما سبق من مغريات للعيش في بلاد الغرب يجب أن لا ينسينا ما
يواجهه الغرب من انهيار في القيم والأخلاق، بالإضافة إلى ما سيواجهه المسلم
هناك من مشكلات، منها على سبيل المثال لا الحصر: أداء الفرائض بصفة عامة، وتربية الأبناء وتعليمهم، وخطر تأثير المجتمع المختلط على الأسرة المسلمة.
وهناك أسئلة عدة تطرح نفسها: هل توضح مكاتب الهجرة المميزات
والأخطار «للزبون» ، أم تعميه بذكر المميزات التي يفتقدها في بلاده فقط؟ لماذا
تبحث مكاتب الهجرة عن المسلمين سواء أكانوا خبراء أو مستثمرين وتشجعهم على
الهجرة؟ وإلى متى هذا التزاحم على مكاتب الهجرة وأبواب السفارات الأجنبية من
أبناء المسلمين؟
ليس المطلوب من علماء المسلمين ومفكريهم محاربة هذه الظاهرة فحسب،
بل عليهم أيضاً إيجاد الحلول والتشريعات اللازمة للمحافظة على العقول المسلمة،
وتكريمها، وإعطائها الثقة الكاملة في سبيل النهوض بالأمة الإسلامية لتصبح الرائدة
بين الأمم في شتى نواحي الحياة.