خواطر في الدعوة
- 2 -
محمد العبدة
الإيمان الغامر، والتوحيد الخالص، الذي يملأ النفس يقيناً، فلا تتفرق ولا
تتهافت أو تضطرب، هو الذي يرفع المسلم ليكون (صاحب رسالة) ، وهو الذي
يدفعه لاستصغار الأهوال والخطوب، ويعطيه قدرة على الصبر والاحتمال،
ويستكبر على الشهوات، ويعلو على العصبيات، فيكون همه الذي يقيمه ويقعده،
هو انتصار هذا الدين.
المؤمنون حقاً هم الذين دفعوا بالمد الإسلامي الأول قوياً، حتى كاد أن يغطي
المعمور من الأرض، وعاشت أجيال من بعدهم على قوة هذا الدفع عاشت أجيال
بقوة إيمان مثل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه الذي لا يعبأ بنفسه وإنما كان
همه الأول هو هذا الدين، ولذلك قبل بإمرة عمرو بن العاص في غزوة (ذات
السلاسل) ؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال له: «تطاوعا ولا تختلفا» .
وإيمان خالد بن الوليد هو الذي جعله يقبل بأن يكون تحت إمرة أبي عبيدة بعد
أن كان القائد العام للجيوش الإسلامية في الشام، والحرص على الدعوة ووحدة
الصف هو الذي جعل الصحابي الجليل أبا برزة الأسلمي يتألم من القتال الواقع بين
بني أمية وعبد الله بن الزبير ويقول: «إني أحتسب عند الله أني أصبحت ساخطاً
على أحياء قريش، وإن هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم» .
ونحن والله قد أصبحنا ساخطين على هذا الذي يجري في أفغانستان حيث لم
تراعَ مصلحة المسلمين وسمعة الإسلام، ولم يقبل صلح أو تعاون أو مشورة، وأما
ما يجري من القتال بين المسلمين من القتال بالكتب لا بالكتائب من الذم والثلب
وتصنيف الناس، والولوغ في أعراض الدعاة الصادقين، وما يجري من الشقاق
والبغضاء لأتفه الأسباب، فلا شك أنه من الأهواء والأنانيات.
ما الذي يقضي على آفات النفس، من الحسد والبغي، وحب العلو والرئاسة،
أو الوقوع في سفاسف الأمور وترك معاليها؟ ليس غير الإيمان الذي يملأ الجوانح
هو الذي يقضي على هذه الآفات الإيمان بالله الذي يعلم هذه النزغات، والإيمان
باليوم الآخر، حيث يلاقي الإنسان ربه، وليس غير حب هذا الدين والرغبة في أن
يطبق في الأرض، وأن يهيمن ويعلو، ويستظل الناس بخيره وعدله.
ومن هنا ندرك مدى دلالة وعظمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( «
إنما الأعمال بالنيات» ) ، فإنه من الجدير بالتأمل أن العمل الذي يقوم من بداياته
على نية صادقة وسنة ماضية، فإنه يكون قوياً مستمراً بإذن الله، وإن كان غير
ذلك فإنه مُنبتٌ يعود لأصله وجذره ولا يبارك فيه، ولهذا قال عالم الأمة عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه: «أنتم أكثر أعمالاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وهم أفضل منكم ذلك لأنهم كانوا أبر قلوباً ... » ، فالحياة هي حياة القلب، والموت
هو موت القلب: [يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم] .