مجله البيان (صفحة 1688)

إشكالية المناهج فى واقع الدعوة

دراسات دعوية

إشكالية المناهج

في واقع الدعوة

سليمان عبد العزيز الربعي

مدخل:

سنة ربانية أن تتعدد طرق البلاغ في محاور من السبل المختارة الرامية إلى

نتاج مبارك، وهو واقع مَرْضيّ في حقيقته منه سبحانه وتعالى، شرط اتحاد

وجهات الهدف على نحو موافق لمراده ومراد رسوله-صلى الله عليه وسلم- بلا

لبس أو غبش. إن ذلك أيضاً هو ذات الحقيقة في دعوة المحجة القرآنية في غير ما

موضع، حيث اختلفت بجلاء أماكن الرسل عليهم الصلاة والسلام في دعواتهم إلى

أقوامهم، في الوقت الذي اتفقت فيه أهدافهم الكامنة في توحيده جل وعز وحده لا ند

له.

وبأقل قدر من الملاحظة يمكن للسابر أن يستجلي ما تقرر في آي الذكر الحكيم، ذلك لوضوحه وبروزه، وها نحن نصطفي سورة هود تقعيداً وتأسيساً.

إن ذلك يتجسد بمفتتح يذكر فيه تعالى «قصص الأنبياء عليهم السلام للنبي-

صلى الله عليه وسلم-تنبيهاً له على ملازمة الصبر على أذى الكفار إلى أن يكفيه الله

أمرهم» [1] .

بدءاً بقصة نوح مع قومه، ثم تتابع قصص النبيين هود وصالح ولوط

وشعيب في مضامين حوارية رائعة السبك والمدلول، ولكل قوم توجيه خاص

يناسب معطيات الحدث وتركيبة العقل المخاطب، فقوم نوح مثلوا قمة البطر

العنصري والتجبر الجنسي، مقسمين المجتمع قسمين: نبلاء أشراف، وأراذل

دهماء: [وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ... ] [2] ، قال ابن

كثير رحمه الله: «وما نراك اتبعك إلا الذين هم أرذالنا كالباعة والحاكة وأشباههم،

ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا» [3] ، وهؤلاء ناسبهم خطاب التمسك بحق

هؤلاء الضعفاء في الدين، والتسليم بأن مرد ذلك إلى الله وحده فلا يستطيع نوح

طردهم، ولا يدري بما يدخره الله لهم في الآخرة، إمعاناً في التبكيت، ودحضاً

لوسائلهم المعتادة في الرفض [وما أنا بطارد الذين آمنوا] [4] [ولا أقول للذين

تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراْ، الله أعلم بما في أنفسهم، إني إذاْ لمن

الظالمين] [5] .

لقد كان فهماً فاسداً مؤداه أن الحق لا يمكن أن يتبعه إلا الأشراف دون غيرهم، الأمر ذاته الذي تبنته قريش.

وأما قوم هود، فَحُبس عنهم الغيث، وانقطع نسلهم، فكانا خطين متوازيين

يؤديان إلى الهلاك المادي والمعنوي، بانقطاع الذكر والأثر في الثاني وندرة المورد

في الأول، ومن ثم ناسبهم منهاج خطاب الوعد بالغيث ومدد القوة [ويا قوم

استغفروا ربكم يرسل السماء عليكم مدراراْ ويزدكم قوة إلى قوتكم] [6] ، وحكمة

هذا البيان الدعوي المحسوس إنما هي موافقته لواقع الحال، كما ذكر ذلك

المفسرون [7] .

واختلف الخطاب عند البيان لقوم صالح، إذ جاء مذكراً إياهم بنعمة التعمير

والاستخلاف الممتدة طوراً بعيداً، فكان الواجب آنئذ: الإعمار المبارك واستغلال

طول الأمد بالعبودية المفردة: [وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما

لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن

ربي قريب مجيب] [8] ، ومعناه أرجأكم بنسيء الأجل «وكانت أعمارهم من

ثلاثمائة إلى ألف» [9] .

ويتواصل بيان الدعوة ليمتد إلى عهد لوط عليه السلام فيعمد إلى أسلوب

التذكرة الفطرية بالتناسب الطبيعي للأجناس البشرية، من حيث كونه هداية أبدية،

يجنح بها المذكر إلى المؤنث في الأحياء كافة، وكذا في مثله في السالب والموجب

في ذرات الكون كلها [وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات

قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم

رجل رشيد] [10] ، أي راشد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما أجمع عليه

المفسرون رحمهم الله.

ثم يختلف الأسلوب تماماً في الموقف الخامس من السورة، في معرض

الحديث عن قصة شعيب مع قومه أهل مدين، فقد كانوا أصحاب تجارة وأرباب

أموال، غير أنهم معه كانوا ينقصون الناس حقوقهم في الكيل والميزان، ولذا ناسب

أن يخاطبهم شعيب عليه السلام بقوله المخبر عنه في القرآن الكريم: [ولا تنقصوا

المكيال والميزان] [11] ، ذلك لكونه لاحظ بطرهم مع غناهم فالقوم كانوا في سعة

من الرزق، يقول الإمام الطبري في معرض تفسيره للخير في قوله: «إني أراكم

بخير» : «عن الحسن قال: الغنى ورُخص السعر» [12] .

لقد عشنا في خمس جولات تباينت فيها ملامح المناهج الدعوية، فهي تأخذ في

كل جولة معالم محددة بسياقات المناخ والتركيب العقدي والفكري وذلك على النحو

التالي:

1- الأولى منها دعوة إلى المساواة وكسر حاجز البطر العنصري البغيض

الذي يمتد من عهد نوح عليه السلام مروراً باليونان فقريش إلى عصرنا المتمدن! .

2- والثانية دعوة ذات طرح إصلاحي يعد بالنماء والازدهار وحلحلة الوضع

الكاسد في البنية العددية الهيكلية، والرواء بعد قتامة التصحر والجدب الجاثم.

3- وأما الثالثة فيمكن أن يعبر عنها بأنها دعوة تعميرية ناضجة، قوامها

البناء المشيد والعقل المدرك الواعي بأهمية استغلال الاستخلاف الممتد بالصلاح

والعمل رجاء رضوان الله، وتوحيده البتة.

4- وتأخذ الرابعة تقاسيم الدعوة الأخلاقية نحو مضامين التناسب الهرمي

والمجتمعي للأمة، والدفاع عن حق المرأة في الاستقرار النفسي والزواج والأمومة

والتعبير الحي، ورفض واقع البشاعة الخلقية والتدمير الفضولي المستمر في حياتهم، الذي ينتج عنه انقلاب الفطرة وفساد الرؤية وحلول الخواء القيمي والروحي بسبب

تلك الممارسات المرفوضة شرعاً وعقلاً وفطرة. إنها باختصار: دعوة نحو الأفق

المشرق والغد السعيد والرضا النفسي الذي لا يُحد.

5- وفي الموقف الخامس تتضح أمارات الدعوة الاقتصادية المدركة، ذات

البعد الرصين والرصيد الثري من معطيات التفكير الجاد والواعي الذي يحسب لكل

شيء حسابه، تأسيساً لحقائق المعاصرة من كون الغبن الاقتصادي لا يؤدي إلا إلى

نتائج معاكسة لا تحمد عقباها: «إن المعاملات والأخلاق لابد أن تستند إلى أصل

ثابت لا تتعلق بعوامل متقلبة» [13] ، ومن ثم تصبح نتيجة التخلي عن هذا

الأصل الثابت دماراً شاملاً، إذ «يؤتي هذا الغش والغصب ثمارهما المرة في حالة

المجتمع وفي حركة التجارة، وحين يذيق الناس بعضهم بأس بعض» [14] .

إننا بعد هذا التباين يجب أن ندرك حقائق مهمة تكمن في مصادر التشريع،

غير أننا عنها غافلون أو متغافلون، حين يصبح الصخب واللجاجة من أهم أدوات

«البروز» لدى البعض، ومن تلك الحقائق:

أولا: أن الأسلوب في الدعوة خاضع لواقع المدعوين وحالهم التي هم عليها

على نحو ما ذُكر آنفاً، حيث خوطب كل قوم بما ناسبهم، وبما كان أدعى لقبولهم

لو كانوا يعقلون! .

ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى رضي هذا المنهاج، بدليل حكايته في كتابه

العزيز وتصويره في أكثر من سورة بترسيخ وتثبيت، الأمر الذي يُفهم منه أن ذلك

عرض توجيهي يجب على الدعاة إلى الله تمثله والعلم به، ملتزمين اختيار الأسلوب

الأمثل في موقعه الملائم.

ثالثاً: أن شرط ذلك هو اتحاد الهدف الذي يحاول أولئك الرسل عليهم

الصلوات والسلام الوصول إليه، وهو إجماعهم على القول: «يا قوم اعبدوا الله ما

لكم من إله غيره» ، فهذا هو الأصل المبتغى والهدف المرام. ولأجل تحقيق هذا

البيان والتأكيد عليه فقد ختمت سورة (هود) بقوله: (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا

على مكانتكم إنا عاملون) ، كما افتتحها بالتأكيد على: (اعبدوا الله ما لكم من إله

غيره) ، وقبلها (أن لا تعبدوا إلا الله) ، فهو قد «ذكر التوحيد والإيمان بالرسل،

فهذا دين الله في الأولين والآخرين، قال أبو العالية:» كلمتان يُسأل عنهما الأولون

والآخرون ماذا كنتم تعبدون، وماذا أجبتم المرسلين؟ « [15] .

رابعاً: أن في هذا البيان الإلهي إرشاداً خالداً يضعُ أساسيات العمل للدين، بل

لاتخاذ المواقف المناسبة تجاه سائر الأحداث.

إن الواجب علينا جميعاً أن نتمثل هذه الحقائق المكتنزة في سورة (هود) كيما

نُخْفتْ إن لم نلغ ذلك التلاسن النقاشي الذي قلما يُفقد في منتدياتنا ومجالسنا العامة

فضلاً عن الخاصة مع شديد الأسف حول المناهج وأهليتها الشرعية والتحصيلية في

واقعنا المعاصر، حيث بتنا نسمع بلا مقدمات صيحات الحط من فلان أو علان

بحجة التخبط في المسار أو سوء الوسيلة يصاحب ذلك أحياناً انثيال إعلامي منقطع

النظير يقف موقف الضدية منها ولست أعرف تماماً من الذي أعطى هؤلاء أو أولئك

حق النقض والغمز واللمز بل من الذي أنبأهم بأن هذا المنهج مستقيم وذاك معوج؟

إن الواقع يشهد بأن لا أحد، وعليه فيجب الكف عن مثل ذلك التصور الخاطئ

مادامت فروض المرجعية المشروطة متوفرة في الأصول لتلك المناهج، وإن كان

ثمة خلاف بين المصلحين فإننا نطالبهم بتلمس العذر بعضهم لبعض، ليس في

العقائد ولكن في فرعيات النصوص وفصول الفوائد.

لقد اندرجت سنة الله في تقسيم الإمكانات والمواهب بين الخلق تمضي على

الأولين والآخرين، ومن العبث بالعقول أن نحرم دعاتنا ومصلحينا من هذه

السنة (!) فلا ندرك تفاوتهم العلمي والإدراكي والاهتمامي، بأن نبتدع منهاجاً جديداً في الجرح والتعديل.

إن على الجميع أن يعلموا بإدراك أن ثمة معطيات جديدة برزت على السطح،

هي في تشكيلها ومضمونها متباينة مختلفة، وأن يعلموا بإدراك أيضاً أنه قد نشأت

على لوحة الأفق معالم عوالم جديدة، تبتغي أطروحات مناسبة وتنتظر أصواتاً

مكتظة بوعي جديد سديد تبدي عمقاً في التصور والفعل والممارسة والاختيار، في

وقت يُتمسك فيه بالجذور والأصول من لدن تلك الأصوات.

إن نوحاً وهوداً وصالحاً ولوطاً عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى الله جل وعز

يرتبطون مع غيرهم من سائر الدعاة بهذه الصفة، سامون عنهم بالنبوة وتشريف

الوحي والتلقي، وهنا نفهم أنهم في اختيار مناهجهم ينطلقون من رصد مضموني

ودلالي لأحوال قومهم التي تناسبها تلك المناهج، وعليه فلا عجب ولا اعتراض

حينما يختار الداعية لنفسه منهاجاً في دعوته يستشعر أنه سبيله للتأثير والإقناع

شريطة أن تتجذر فيه مرامي الأساس الكامنة في رباط القرآن الكريم والسنة

المطهرة الشريفة، لأنهم يفتقدون ميزة امتازت بها مناهج أولئك الأنبياء، ألا وهي

التزكية من الله سبحانه عن طريق الوحي والمباشرة.

إن من الدعاة إلى الله من هم ملهمون، جذلت الأمة يوم أن برزوا على الساحة، يكملون نقصاً تعتبر أهمية سداده من بدهيات الإحاطة بشمولية الصحوة وعالمية

الدعوة إلى الله، فمنهم من هو مهيأ تماماً للبيان الفقهي والإصابة في الفتيا حين

يمتلك شروطها، علماً بالكتاب وفهماً للسنة ومعرفة بالأصول والناسخ والمنسوخ

وأقوال أهل العلم وتوفر كافة متطلبات الاجتهاد وشروط التصدر للإفتاء.

ومنهم من هو مهيأ للبيان العقدي والتحذير من دجل المبتدعة، وربط المجتمع

بأصول الاعتقاد، ولفت أنظارهم إلى مداخل الشيطان في التشكيك وكيفية التعامل

معه، ودحض مزاعم المفترين، وزيادة إيمانهم بالتدارس والتعهد.

ومنهم كذلك من لا يُلْحق شأوه في المعرفة بكتاب الله قراءة وإدراكاً وفهماً

وسبراً، يسانده تعلق بالقرآن قلبي، ونهم على كتب التفسير تمثلاً ووعياً.

ومنهم اللغوي الحاذق، يشرح غريب النص، ويربط بين فقراته، ويبين

بلاغته وإعجازه ويحشد الشواهد تأييداً له، ويجعل من فقهه اللغوي خادماً لدعوته.

ومنهم الأديب، يربي الذوق، ويتلمس مواطن الجمال، ويعيد للروح نشاطها

وصفاءها وجذوتها، إن من الدعاة من ينتهج أسلوب الأدب الجمالي الفني في

محادثة طائفة من الناس ودعوتهم، لا يصلح لهم إلا ذلك، يفتح مغاليق القلوب،

ويطرق أبواباً ما كان يمكن أن تُفتح بأسلوب آخر.

ومنهم المطلع على أمور الحياة، يلحظ مجريات الحدث، ويرصد تحركات

الواقعة يحلل ويفسر ويقرر ويستنبط، ألمعي فطن يتسلح بإدراك شرعي يحثه على

المواصلة ومتابعة واقع الأمة وحالة المسلمين، انطلاقاً من:» من تعلم سياسة قوم

أحسن التعامل معهم وكشف زيفهم ورد حجتهم وذاد عن المسلمين ما وسعه

الوسع «، قياساً على:» من تعلم لغة قوم أمن مكرهم «.

ومنهم الاقتصادي الخبير، يحسن الطرح والجمع، ويفقه أحوال البورصة

وتداول الأسهم ومضاربات البنوك، يحذر من مصير اقتصادي أو يكشف زيف

تلاعب ربوي، أو يمنحه الله قوة وسموقاً فينشئ لأمته مؤسسة بديلة تُغنيها عن

جحيم تعاملي مشبوه.

هكذا يجب أن نفهم وأن نتفهم، لا أن نبقى أبداً نجادل في المسلمات ونصرخ

بالصدى المعتاد! .

لقد أمسينا نعاني من تضخم في واقع النقد، حيث نُكست سهام المواجهة لترتد

فيما بين المُحَارَبين أنفسهم، كل منهم يحاول تلمس النقص لإبدائه، وتتبع العثرة

والزلة لبيانها، الأمر الذي أثر على مستقبليات الدعوة وآمالها.

إن النقد مطلوب، وحين يوجد النقد الموضوعي توجد الأعمال المثمرة الفاعلة، غير أنه نقد ذو مواصفات خاصة قوامها النية الطيبة، والهدف الخالص الصالح،

والعمق العلمي والمنشود، فعندئذ نفرح به لأنه يقوّم ويُعمّر ويبني، في حين نرفض

كل الرفض ممارسات ثلة من الذين ابتعدوا عن منهاج الدعوة الحقة بنقدهم الجارح

الذي يتجه في كثير من الأحايين إلى الشخوص وهو إن اتجه يوماً للمناهج كان

ساذجاً إلى حد لا يمكن قبوله مليئاً بالفصل والحسم والرفض والتشريع والقبول

والرضا من غير يقين شرعي وتفصيل يفرق بين الصالح والطالح والخطأ

والصواب ... وهو نوع من الظلم لا يحق لأحد من البشر ممارسته، فهم يملكون

حق التوجيه والنقد بشروطهما المعتبرة شرعاً وعقلاً وخلقاً.

إن من أدبيات الحوار والخلاف والنقد أن يُفْسَحَ للآخر مكان ينتقد من خلاله،

لا أن تتم المعالجة من خلف الكواليس وفي عتمة الليل، ونحن نخاطب الذين زُين

لهم عملهم فرأوه حسناً، نخاطبهم بأن تكون» قاعدة الأخلاق عندهم هي إرضاء الله

وانتظار ثوابه؛ ليصبح ما يهرف به أصحاب المذاهب لغواً في ظل النظرة

الأخلاقية الإسلامية « [16] .

لقد مضت أزمان النظرة الواحدة، والمشروع الفريد، والأسلوب الأوحد لتحل

محلها النظرة السديدة الموضوعية، والمشروعات المقترحة، والأساليب المتنوعة،

وهي دعوة للجميع لأن يتمثلوها، ودعوة خاصة لأولئك الذين نصبوا من أنفسهم

الضعيفة مراجع للحكم، جاعلين على رؤوسهم تيجان التفرد بالقرار والصيغة في

حكمهم على المناهج والسبل المختارة والمرتضاة، ونحن في حقيقة الأمر نطرح

قضية كان يجب أن تكون مسلمة من الجميع وبخاصة من يُعنون بذلك، لأنهم

مازالوا مع سورة (هود) يقرؤونها صباح مساء.

أما إن كان أولئك السادة ممن يدعون الفهم والحصافة دون غيرهم، فإننا

نسارع إلى تذكيرهم بباب الاجتهاد الواسع بين أهل العلم، ليدركوا أن المنهج

الدعوي إنما هو وسيلة لهدف أسمى نبيل، يتجسد بالعبودية لله على اختلاف

صورها ومجالاتها ووسائلها، وليس يعوزنا التدليل على ذلك الأمر، فهو مبثوث

في آي الذكر الحكيم، يرتبط تمام الارتباط بحال المدعوين وماهية القضية

المطروحة، فتأخذ أشكال الاختصاص والنوعية، في حين يبقى للأصول المباركة

أهميتها وجذوتها ومشروعية بثها وتعليمها للناس، تلك الأصول التي تطالب بأن

تكون مرجعية للمناهج المختارة والوسائل المطروحة على كل حال.

إننا نطالب بهذا الفهم من الجميع بعموم، وأهل القصد بخصوص حتى»

يظهر وجه الموالاة والتحاب فيما بين المختلفين في مسائل الاجتهاد، وحتى لا

يصيروا شيعاً ولا يتفرقوا فرقاً؛ لأنهم مجتمعون على طلب قصد التسارع فاختلاف

الطرق غير مؤثر، كما لا اختلاف بين المتعبدين لله بالعبادات المختلفة كرجل تقرّبُه

الصلاة، وآخر تقرّبُه الصيام، وآخر تقرّبُه الصدقة ... إلى غير ذلك من العبادات، فهم متفقون في أصل التوجه إلى الله، وإن اختلفوا في أصناف التوجه، فكذلك

المجتهدون لما كان قصدهم إصابة مقصد الشارع صارت كلمتهم واحدة وقولهم

واحداً « [17] ، والله وحده المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015