دراسات تاريخية
منهج التفسير التاريخي
قواعد منهجية في تفسيرالحوادث والحكم عليها
د. محمد آمحزون
تمهيد:
في الحلقة الأولى تطرق الكاتب لبيان المقصود من دراسة التاريخ، وماذا
يعني بالمنهج وبين أنه قسمان: منهج التوثيق، ومنهج التفسير التاريخي، وهو ما
اقتصر على بيان دوره في دراسة التاريخ وفقاً للتصور الصحيح المبني على
الموازين الشرعية، ثم بدأ ببيان القواعد المنهجية لتفسير الحوادث والحكم عليها،
وذكر ثلاثاً منها وهي:
القاعدة الأولى: اعتماد المصادر الشرعية وتقديمها على كل مصدر فيما
نصت عليه من أخبار وضوابط وأحكام.
القاعدة الثانية: الفهم الصحيح للإيمان ودوره في تفسير الأحداث.
القاعدة الثالثة: أثر العقيدة في دوافع السلوك لدى المسلمين.
ويواصل الكاتب عرض بعض منها فيما يأتي:
- البيان -
القاعدة الرابعة العوامل المؤثرة في حركة التاريخ:
إن المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ منهج شامل لكل الدوافع والقيم التي تصنع
التاريخ، وهو غير واقف أمام حدود الواقع المادي المحدود الظاهر للعيان فقط بل
إنه يتيح فرصة لرؤية بعيدة، يستطيع المؤرخ معها أن يقدم تقييماً حقيقياً وشاملاً
أكثر التحاماً مع الواقع لأحداث التاريخ الإنساني، وذلك لأنه يأخذ في الحسبان مدى
أثر العوامل المادية والنفسية المحيطة بالإنسان، مع مراعاتها والاعتراف بها كافةً،
دون تضخيم لبعضها أكثر من حجمه، وقبل هذه العوامل ومعها وبعدها قدر الله جل
وعلا وأمره النافذ، فإنه لا راد لقضائه وأمره.
وهذا سر المفارقة بين المنهج الإسلامي وبقية المناهج الأخرى الوضعية التي
تفسر التاريخ تفسيراً عرقياً أو جغرافياً أو اقتصادياً أو نفسياً، ولم تحسب حساباً
لكافة العوامل المؤثرة في حركة التاريخ، وإنما اكتفى كل واحد منها بعامل وضخمه، وفسر به تاريخ الإنسان كله.
إنه لابد من ملاحظة كل العناصر الفاعلة في الحدث التاريخي من عوامل
مادية ومعنوية، فالإنسان ذو أبعاد فسيحة وأغوار عميقة، وكل الظواهر التي
تتصل به على درجة عالية من التعقيد في الأفكار والمبادئ والمواقف والعادات وفي
الاجتماع والاقتصاد ... كل أولئك يتشكل ويتبلور نتيجة نسيج معقد من العوامل.
وإذا كان هذا هو الواقع، فإن تفسير أية ظاهرة إنسانية وتعليلها بعلة مفردة
غير صحيح ولا دقيق، ولنضرب مثالاً على ذلك بموقعة بدر الكبرى هل كان هناك
سبب أو عامل واحد أدى إلى انتصار المسلمين، أم يا تُرى تضافرت عدة عوامل
ليتوج بها المسلمون انتصاراتهم على أعدائهم الذين يفوقونهم عدداً وعدة.
مما لا شك فيه أن المتأمل في هذا الحدث الفاصل في تاريخ الإسلام يجد بعد
الاستقراء والدراسة أن عدة أسباب ساهمت في انتصار المسلمين وهي:
أولا: العقيدة الراسخة: إذ كان للمسلمين هدف معين ومحدد وهو نشر الإسلام
حتى يكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا.
ثانياً: المعنويات العالية: فقد كانت معنويات المسلمين في بدر عالية جداً
نظراً لثقتهم الأكيدة بوعد الله ونصره.
ثالثاً: الشورى: وهو المبدأ الذي التزم به الرسول -صلى الله عليه وسلم-
منذ خروجه إلى بدر.
رابعاً: القيادة الموحدة: فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو القائد
العام في معركة بدر وكان المسلمون يعملون يداً واحدة تحت قيادته، وكان
انضباطهم مثالاً رائعاً للانضباط الحقيقي.
خامساً: التعبئة الجيدة: فقد طبق الرسول -صلى الله عليه وسلم- أثناء
اقترابه من بدر تشكيلة لا تختلف عن التعبئة الحديثة في حرب الصحراء، حيث
كان للمسلمين مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة، كما استفاد النبي عليه الصلاة والسلام من
دوريات الاستطلاع للحصول على المعلومات.
سادساً: معرفة طبوغرافية أرض المعركة: حيث كان الرسول -صلى الله
عليه وسلم- أشد حرصاً على دراسة أرض المعركة، والتعرف على ظاهراتها
الطبيعية قبل أن يدفع قواته إليها، وبتعرف المسلمين على تضاريس أرض بدر
سيطروا على موارد المياه ببدر وعطلوا الآبار في الجهة التي يفترض أن يقدم إليها
المشركون.
وهكذا فإن انتصار المسلمين لا يرجع إلى سبب أو عامل واحد، بل أثرت
عدة عوامل إيمانية ونفسية وتنظيمية واستراتيجية وجغرافية في نتيجة المعركة
لصالح المسلمين.
ولنعط مثالاً آخر: فلا يمكن أن يقال مثلاً: إن الشعب الأفغاني صمد في وجه
المحتلين بسبب إيمانه، أو بسبب صعوبة تضاريس أرضه من جبال وكهوف أو
بسبب رصيد الفطرة لديه، أو بسبب العون الخارجي، أو بسبب وجود قواعد خلفية
له في بلد مجاور..
إنه لم ينفرد سبب واحد من هذه الأسباب بولادة ظاهرة الصمود، بل إنها
جميعاً مع أسباب أخرى أسهمت في إيجاد وضع متميز يستمد تميزه من خصوصية
شروطه وأسبابه.
إن إدراك مقومات النفس الإنسانية جميعها روحية وفكرة وجسدية لا يتوفر في
غير المنهج الإسلامي؛ لأن التصور الصحيح عن هذه القضايا المؤثرة والفاعلة في
الحدث التاريخي لا يمكن معرفته إلا عن طريق الوحي المعصوم من الخطأ «
الكتاب والسنة» .
فبواسطة التلقي من الوحي يعرف المسلم هذه العوامل، ويعرف قدر كل عامل
وقيمته وتأثيره في النفس، والنسب الصحيحة للعلاقات بين تلك العوامل جميعاً؛
لأن مصادر تلقيه من لدن الله جل وعلا، الحكيم الخبير الذي يعلم خبايا النفس
الإنسانية ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة في الأرض أو في السماء.
القاعدة الخامسة العلم بمقادير الناس وأحوالهم
ومنازلهم والتثبت فيما يقال عنهم:
يقول الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه في هذا الصدد: «
واحفظ لكل منزلته وأعطهم جميعاً بقسطهم من الحق، فإن المعرفة بالناس بها
يصاب العدل» [1] .
وقد قعّد ابن تيمية رحمه الله بواسع علمه وعميق فهمه قاعدة جليلة في الإفتاء
في أي قضية يراد معرفة حكم الله فيها، وذلك في بداية فتواه الشهيرة عن التتار
وحكم قتالهم، فقد ذكر أن الحكم على أي طائفة أو قوم يقوم على أصلين: أحدهما
المعرفة بحالهم، والثاني معرفة حكم الله في أمثالهم، وهذان الأصلان يقومان على
الحكم المنافي للجهل، إذ الكلام في الناس لا يجوز بغير علم وبصيرة « [2] .
وعلى هذا الأساس ينبغي التحري فيما يروى عن الوقائع التي كانت بين
أعيان الصدر الأول من الصحابة رضي الله عنهم فالمعرفة بحالهم تدل على كمال
إيمانهم وصدقهم وحسن سريرتهم وفعلهم للخيرات وتضحيتهم بالنفس والنفيس في
سبيل الحق، كل ذلك يرفع منازلهم إلى درجات عالية مما يجعلهم جميعاً من لابس
الفتن منهم ومن لم يلابسها أهلاً للاقتداء بهم، وأهلاً للرواية، تقبل أخبارهم في
أعلى درجات القبول، وتوزن أعمالهم بميزان الورع والإحسان، مما ينفي عنهم ما
نسب إليهم من أوصاف سيئة، هذا علاوة على بيان حكم الله فيهم، إذ تواترت
النصوص الشرعية في تزكيتهم وتعديلهم.
فلا جدال في أن الصحابة رضوان الله عليهم قدوة لكل مسلم فيما يتعلق بأمور
الدين، ولا مجال للطعن في تدينهم وصحة عقيدتهم وسلامة أخلاقهم، لكن ذلك لا
يمنع أن يقع منهم الخطأ، إذ ليسوا معصومين، ولذلك فإن ما وقع بينهم من خلافات
سياسية هي من قبيل الأمور الاجتهادية التي لا تقدح في مكانتهم السامية، وإذا سجل
التاريخ تلك الخلافات فلا ينبغي أن تحمل على محمل الانتقاص منهم.
وقد أمر الله جل وعلا المؤمنين بالرجوع إلى ما علموا من إيمان إخوانهم الذي
يدفع السيئات، وأن يعتبروا هذا الأصل العظيم ولا يعبؤوا بكلام المتربصين
والمغرضين الذي يناقضه ويقدح فيه، فيحسنوا الظن بإخوانهم، بل يدحضوا ما
يروج ضدهم من شائعات وافتراءات تمس كرامتهم، وتحط من أقدارهم.
يقول الله تعالى زجراً للمؤمنين عن مجاراة الشائعات التي يتقولها أهل السوء
في إخوانهم المؤمنين: [لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراْ
وقالوا هذا إفك مبين] [3] وقال تعالى: [ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن
نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم] [4] .
وقد دلت الآيتان على قاعدة مهمة وهي:» الرجوع إلى الأمر المعلوم المحقق
للخروج من الشبهات والتوهمات، وقد يعبر عنها بأن الموهوم لا يدفع المعلوم وأن
المجهول لا يعارض المحقق « [5] .
وبناء على هذا لابد من الرجوع إلى المصادر الأصلية الموثوقة لمعرفة
الحقيقة، فلا يؤخذ من الكذابين والفاسقين وأصحاب الأهواء لأن فسقهم وهواهم
يدفعهم إلى تصوير الأمر على خلاف حقيقته، وإن المرء المسلم مطالب شرعاً
بالتثبت والتبيّن مما يسمع، لقوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقِ بنبأ
فتبينوا أن تصيبوا قوماْ بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين] [6] . ولقول
الرسول:» كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع « [7] ، وقوله:» إياكم
والظن، فإن الظن أكذب الحديث « [8] ، ولذلك كانت عناية علماء أهل السنة
موجهة إلى بيان من يحمل عنه العلم أو الخبر، ومن لا يؤخذ عنه كقول بعضهم في
هذا الباب:» باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها « [9] ،
إذ أن تقدير الرجال لا يؤخذ إلا من العالم العارف الثقة البصير بأحوال المسلمين.
وهناك مجموعة من المقاييس ينبغي الأخذ بها في هذا الشأن، وهي:
* عدم إقحام الحكم على عقائد ومواقف الرجال بغير دليل في ثنايا سرد
الأعمال، إذ أن الحكم على أقدار الناس يجب أن يكون قائماً على حسن الظن حتى
يثبت خلاف ذلك.
* عدم تجاوز النقل الثابت إلى إيراد الظنون والفرضيات، ومن فضل الإسلام
أن نهى عن ذلك، ولم يفعل هذا مؤرخ فاضل، ولم يقل أحد أن حسن الأدب هو
السكوت عن الكذب، وإنما حسن الأدب هو رده وتنقية سيرة الصدر الأول منه،
كما أن حسن الأدب يقتضي السكوت عن الظنون، والكف عن اقتفاء ما لا علم لنا
به يقيناً، وكثيراً ما تلح على المرء في هذا شهوة الاستنتاج ودعوى التحليل، وقد
أمرنا الشرع أن تكون شهادتنا يقينية لا استنتاجية فيما نشهد من حاضرنا، ففي الآية
[إلا من شهد بالحق وهم يعلمون] [10] ، فكيف بمن يشهد بالظن والهوى فيمن
أدبر من القرون؟ !
* إن الإسلام له منهجه في الحكم على الرجال والأعمال، فهو يأمر بالشهادة
بالقسط وعدم مسايرة الهوى في شنآن أو في محبة، ويأمر باتباع العلم لا الظن،
وتمحيص الخبر والتثبت فيه أن يصاب قوم بجهالة، وهذا في حق كل الناس،
فكيف بخير القرون؟ !
القاعدة السادسة الكلام في الناس يجب أن يكون
بعلم وعدل وإنصاف:
والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله
شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى،
واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون] [11] .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:» والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، وليس بجهل وظلم كحال أهل البدع « [12] .
ويدخل ضمن هذه القاعدة العدل في وصف الآخرين، والمقصود به هو العدل
في ذكر المساوئ والمحاسن والموازنة بينها.
فمن المعلوم أن أحداً لا يسلم من الخطأ لقول النبي:» كل بني آدم
خطاء « [13] ، ولذلك ينبغي للمسلم إذا وصف غيره ألا يغفل المحاسن لوجود بعض المساوئ، كما لا ينبغي أن يدفن المحاسن ويذكر المساوئ لوجود عداوة أو شحناء بينه وبين من يصفه، فالله عز وجل أدبنا بأحسن الأدب وأكمله بقوله: [ولا تبخسوا الناس أشياءهم] [14] .
وحين نجد من يذم غيره بذكر مساوئه فقط، وبغض النظر عن محاسنه فإن
ذلك يرجع في العادة إلى الحسد والبغضاء أو إلى الظنون والخلفيات والآراء المسبقة، أو إلى التنافس المذموم، ولكن المنصفين هم الذين يذكرون المرء بما فيه من خير
أو شر ولا يبخسونه حقه، ولو كان الموصوف مخالفاً لهم في الدين والاعتقاد أو في
المذهب والانتماء.
ومن العلماء الذين برزوا في هذا الشأن الحافظ الذهبي رحمه الله فمن خلال
كتابه النفيس» سير أعلام النبلاء «أنصف من ترجم لهم من الأعلام فلم يبخس
أهل البدع أو الفسق ما لهم من صفات جيدة، بل أنصفهم بذكر ما لهم وما عليهم،
يقول مثلاً عن الأشتر النخعي:» أحد الأشراف الأبطال المذكورين، وكان شهماً
مطاعاً زعراً [15] ألّب على عثمان وقاتله، وكان ذا فصاحة وبلاغة « [16] .
ويقول في ترجمة الحكم بن هشام:» وكان من جبابرة الملوك وفساقهم
ومتمرديهم، وكان فارساً شجاعاً، فاتكاً ذا دهاء وعتو وظلم، تملك سبعاً وعشرين
سنة « [17] .
ويقول في ترجمة الجاحظ الأديب المعتزلي:» العلامة المتبحر ذو الفنون
وكان أحد الأذكياء، وكان ماجناً قليل الدين، له نوادر « [18] .
وقال عن عبد الوارث بن سعيد:» وكان عالماً مجوداً، ومن أهل الدين
والورع، إلا أنه قدري مبتدع « [19] .
وقال أثناء حديثه عن ثابت بن قرة:» الصابئ الشقي الحراني، فيلسوف
عصره، وكان يتوقد ذكاءً « [20] .
ومنهج الذهبي هذا في العدل والإنصاف في وصف الآخرين منهج علمي دقيق، وهو منهج أهل السنة والجماعة في حكمهم على غيرهم، ولذلك ينبغي لكل من
رام الإنصاف أن لا يحيد عن هذا المنهج السوي المعتبر، وأن يتقي الله عز وجل
في وصف من يترجم لهم، أو يتحدث عنهم من الحكام والقادة والعلماء والفقهاء
والإخباريين والمؤرخين وغيرهم، ويتكلم بعدل وإنصاف.
القاعدة السابعة العبرة بكثرة الفضائل:
فإن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، وكذلك من غلبت فضائله هفواته
اغتفر له ذلك، وفي هذا الصدد يقول الحافظ الذهبي:» وإنما العبرة بكثرة
المحاسن « [21] .
وهذه القاعدة جليلة تعد بمثابة منهج صحيح في الحكم على الناس؛ لأن كل
إنسان لا يسلم من الخطأ، لكن من قل خطؤه وكثر صوابه فهو على خير كثير،
والإنصاف يقتضي أن يغتفر للمرء الخطأ القليل في كثير صوابه.
ومنهج أهل السنة هو اعتبار الغالب على المرء من الصواب أو الخطأ
والنظر إليه بعين الإنصاف.
وهناك قاعدة أخرى يمكن اعتبارها في هذا الباب وهي» العبرة بكمال النهاية
لا بنقص البداية « [22] .
القاعدة الثامنة إحالة الحوادث على الخطأ في الاجتهاد:
أما إن المجتمع الإسلامي يسير على السنن الطبيعية لكل المجتمعات، فهذا
حق، ونحن لا نعصم فرداً أو مجتمعاً من أن تسري عليه هذه السنن، إلا أن يكون
نبياً أو رسولاً، ومن هنا يجب أن نعلم أن الذين صنعوا التاريخ رجال من البشر
يجوز عليهم الخطأ والسهو والنسيان وإن كانوا من كبار الصحابة وأجلائهم، إلا أنه
ينبغي إحالة الحوادث إلى الخطأ في الاجتهاد، ونذكر ما ورد عنه صلى الله عليه
وسلم من أن المجتهد المخطئ له أجر، والمصيب له أجران [23] فهو على كل
حال مأجور، فلا ننقصه وقد آجره الله، كما أنه قد تشهد له دلائل وفضائل أخرى،
وتشفع له مواقف ثابتة.
وعليه فإنه ينبغي للمسلم أن يرد كل خبر يطعن في عدالة الصحابة، وأن ينزه
أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطمع والشح والغدر والخديعة
والغفلة واللؤم والفسق والظلم والاستبداد وأكل الأموال بالباطل، وكل الأخلاق التي
تطعن في العدالة وتعد من الفسق وخوارم المروءة، وأنهم إن كانوا غير معصومين
فهم عدول، وأن ما اجتهدوا فيه سواءً أتعلق بالدماء أم تعلق بالأموال فهم فيه
مأجورون، وأنهم إن جازت عليهم المعاصي إلا أنهم يتوبون ويستغفرون فيتوب الله
عليهم ويغفر لهم، وأن لهم فضل الصحبة التي خصوا بها، ونالوا بها من الفضل
ما لم يدركه أحد بعدهم.