خواطر في الدعوة..
(2)
محمد العبدة
قلت في خاطرة سابقة: إن شبكة العلاقات الاجتماعية بين المسلمين واهية
ضعيفة، إن لم تكن بعض حبالها قد تقطعت، ومن الظواهر البارزة التي يعرفها
الجميع، مما يمارسه بعض العاملين في مجال الدعوة من سياسة (الإهمال) لإخوانهم، سواء أكان هذا عن عمد أو غير عمد.
وهي سياسة فاشلة من جميع الوجوه، لأن الأصل في عقد الأخوة المصارحة
والمناصحة، والأمر بالمعروف والشفقة والرحمة، وتفقد الأحوال كما كان يفعل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين وصف بأنه يتفقد أصحابه، حتى أنه يسأل
عن المرأة العجوز التي كانت تقُم المسجد حين افتقدها.
وهي سياسة فاشلة لأن الأخ (المُهمَل) سيتألم جداً، بل ربما أصيب بعقد نفسية
وإحباط شديد وهذا قد وقع إلا إذا كان قوي النفس، قوي الإيمان كما فعل كعب بن
مالك رضي الله عنه عندما هُجِرَ من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة
بسبب تخلفه عن غزوة تبوك، فقد كان يحضر الجماعة، ويسلم على المسلمين
ولكن لم يكن أحد يرد عليه، وأراد ملك الروم استغلال ذلك، ولكن كعباً كان
مستعلياً بإيمانه فصبر حتى جاء الفرج من السماء.
وهي سياسة فاشلة لأنها تعني أن الدعوة لم تستطع معرفة الرجال ومعرفة
القدرات والطاقات، ووضع كل إنسان موضعه، مهما يملك من قدرات قليلة.
وهي سياسة فاشلة لأنها دليل على التخلف الحضاري والأخلاقي، ففيها روح
الأنانية والفردية، فالذي يفعل هذا لا يبقى معه أحد، وكأنه يقول: أنا ومن حولي
نكفي للدعوة.
إن هذا (الإهمال) ليس وليد هذه الأيام، بل هو من أمراض الدعوة في العصر
الحديث، والحزبية والأنانية تغذيانه، وإن التحدي الذي يواجهه المسلمون يفرض
عليهم أن يكفوا عن هذه السياسة البلهاء، وأن يستفيدوا من كل طاقة، وإن الوسائل
الحديثة تساعد على تصنيف القدرات، وإذا لم يفعلوا فما هو إلا الهوى الذي يخفي
وراءه التخلف والضعف..