مجله البيان (صفحة 1601)

كلمة فى خطورة الكلمة

كلمة في خطورة الكلمة

منى عبد الله داوود

إننا لنتساءل.. ما وقع الكلمة في حياة الأمة المعاصرة؟ كيف يتعامل المسلم

المعاصر معها؟ وكيف تعامل سلف هذه الأمة معها؟ وهل وعت الأمة حقيقة الأبعاد

الإيمانية والتربوية للكلمة في حياتها؟ هذه الأسئلة وغيرها فرضها واقعنا المعاصر، ذلك أن المفاهيم قد اختلت وضاعت المعايير، فكان التخبط في نواحٍ شتى، منها

الكلمة، ومن باب الوفاء بحقها كانت هذه المقالة، رجاء أن يجعلها الله من الكلمة

الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا أزعم تمام الوفاء بحقها، وإنما هو

جهد أساهم به في فتح منافذ الكتابة عن الكلمة من أجل أن تعود إلى مكانتها الحقيقية

في وعي الأمة.

مدخل كلمتي آيات من كلام رب العالمين، بُغية صدق المدخل، ورجاء صدق

المخرج، فندعو بداية بـ: [رب أدخلني مٍدخل صدقُ وأخرجني مٍخرج صدقُ

واجعل لي من لدنك سلطاناْ نصيرْا] [1] ؟ ثم لنتأمل قوله تعالى: [ألم تر كيف

ضرب الله مثلاْ كلمةْ طيبةْ كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي

أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة

خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار * يثبت الله الذين

آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويٍضل الله الظالمين ويفعل الله ما

يشاء] . [2] فمن منا لا يرجو أن يكون كلامه من الكلم الطيب؟ ! فذلك من معين

الثبات في الدنيا والآخرة، سواء أقصدنا بالكلمة الطيبة كلمة التوحيد، أو هي كل

كلمة حق في معيار الإسلام، وهذه دعوة صادقة أوجهها إلى الأمة أن تعي أن

للاختلاف بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة معايير، ينبغي التعرف عليها، وفهمها، والتزامها.. كما أن لها معطيات مثمرة ومن أبرزها: نقاء الأجواء المحيطة بها،

ومواطن غرسها، لأنها كالشجرة في حاجتها إلى التربة النقية، إذ كيف يمكن

للشجرة الطيبة أن تثمر وسط تربة مليئة بالخبث، وأجواء غير نقية ومن ثم فلنسع

في تنقية مجتمعاتنا من الفساد والخبث، رجاء أن تؤتي الكلمة الطيبة أكلها،

ولنحرص على متانة الجذور وقوتها، فهي أصل الشجرة الطيبة التي ترسي دعائمها، فلا تهن ولا تضعف، وكذلك الكلمة لابد من حماية أصولها وتقوية جذورها،

لتقف في وجه الباطل محصنة قوية خاصة أن الكلمة في الإسلام تملك أصولاً

راسخة ذات سمات ربانية، تكفل لها الاستمرارية والعطاء الفاعل بقدر صلتها

وتمسكها بها، فأصولها كتاب الله وسنة رسوله، لا تضل أبداً ما تمسكت بهما.

ونحن ندعو دعوةً خالصة أن يبارك الله كل جهد بُذل ويُبذل في سبيل

مجتمعات إسلامية نقية أصيلة، فهو لبنة في التهيئة للكلمة الطيبة، والتمكين لها في

الواقع المعاصر.

إذن ما الهدف؟ وما المقصود؟ سؤالان لابد منهما حول الموضوع، لأننا أمة

متميزة، تؤمن بـ[ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد] . [3] فالرقابة الإيمانية

واستشعار أمانة الكلمة، تفرض على المسلم حساً إيمانياً، يرقى به نحو السمو إلى

مرتبة الإحسان في الكلمة، فيكون في موقع «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن

تراه فإنه يراك» [4] ، فتتهذب نفسه تبعاً لهذا الحس والشعور، ويتربى على أن

يزن الكلمة بميزان الحق والعدل، ويميز بين الطيب والخبيث فالإسلام يحوي

ثوابت لا تتغير، يستقي المسلم منها الضوابط والمعايير لجميع شؤون حياته، ومنها

الكلمة، فكل ما حسنه الشرع فهو حسن، وكل ما قبحه الشرع فهو قبيح.

ونحن ندعو الأمة أن تتحرى موازين الشريعة الإسلامية حتى تكون المعايير

سليمة، والضوابط صحيحة، جاعلةً نصب عينيها إخلاص النية لله تعالى رجاء

البركة والتوفيق منه عز وجل، وتحري اتباع سنة المصطفى -صلى الله عليه

وسلم- بُغية الصواب ومن أعظم معطيات تحصيل ذلك، الفقه في الدين، وقوامه

التقوى إذ يقول تعالى: [واتقوا الله ويعلمكم الله] . [5] ولنحذر مما حذرنا منه -

صلى الله عليه وسلم- بقوله: «إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي

بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» . [6] ، وليكن شعارنا «من كان

يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» .

لا ريب أن كل مخلص لهذه الأمة يرجو لها العزة والتمكين، و [من كان

يريد العزة فلله العزة جميعاْ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين

يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور] . [7] ومن أسباب العزة

ووسائلها لمن يطلبها عند الله، القول الطيب والعمل الصالح القول الطيب الذي

يصعد إلى الله في علاه، والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه، ويكرمه بهذا

الارتفاع، ومن ثم يكرم صاحبه ويمنحه العزة والاستعلاء «. [8]

ونحن ندعو من استطاع أن يجود بكلمة ترقى بمسؤولية الكلمة، ألا يتوانى أو

يتردد، إذ أن من أسباب العزة ووسائلها كما رأينا الكلم الطيب، الذي يفتقر إليه

واقعنا المعاصر.

ختاماً أرجو ألا ننسى أن الكلمة في يوم الحساب لا مفر لها من أن توزن

بميزان يزن الذرة من الشيء، لذا ندعو كل مؤمن في هذه الأمة أن» يرتعش

وجدانه أمام كل عمل من أعماله وأمام كل قول من أقواله ارتعاشة ذلك الميزان

الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تطيش «. [9] [فمن يعمل مثقال ذرة خيراْ يره،

ومن يعمل مثقال ذرة شراْ يره] . [10]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015