رحلات ومشاهدات
المالديف..
الإسلام في أقصى الدّنيا
حسين بن علي الزومي
من جدة.. إلى دبي.. ثم إلى كولومبو.. ثم أخيراً وصلت إلى الجزر البعيدة، التي تناثرت في البحر، وشكلت أرخبيلاً من الجزر الخضراء الداكنة التي تشبه
الجنان العائمة، إنها «جمهورية المالديف الإسلامية» ، وأكاد أجزم أن كثيراً من
المسلمين لم يسمعوا بهذا البلد الإسلامي من قبل، فضلاً عن أن يعرفوا شيئاً عنه،
ولذلك سأكون مضطراً أن أعطي فكرة موجزة عنها قبل أن أدخل في صلب
الموضوع الذي يخصّنا بوصفنا دعاة إلى الله عز وجل، حتى تنطبع في ذهن
القارئ صورةُ لهذه البلاد.
الموقع:
تقع المالديف في الجنوب الغربي لشبه القارة الهندية، وبالتحّديد
جنوب غرب (سيريلانكا) ، ويمر بوسطها خط الاستواء، وعاصمتها جزيرة (مالي)
التي لا تتعدى مساحتها (6 كم2) فقط، والدولة تشكل أرخبيلاً من الجزر المتناثرة
يقارب عددها <1200> جزيرة، وتمتد بطول <800 كم>، والمأهول منها
<200> جزيرة، والبقية خالية.
السكّان:
عددهم يقارب <200 ألف نسمة>، وأكثر العّمال منهم يعملون في
صيد السمك، وتعتمد الدولة في اقتصادها على مصدرين رئيسيين:
الأول: الصّيد، وتعتمد فيه على طريقة بدائية، وقد ذكر لي رئيس الدولة
أنهم لايريدون تطوير عملية الصّيد حتى لا تحلّ الآلة محلّ الأيدي العاملة في هذا
المجال؛ إذ أكثر العمال يعتمدون على الصيد، فالأولى أن تترك على ماهي عليه.
(هذا هو رأيه) .
الثاني: السياحة، وتعتبر من أشهر الدول السياحية في العالم وتستقطب كل
عام ما يقارب [80 ألف] سائح، ويعتبر هذا العدد ضخماً إذا ماقورن بعدد السكّان.
دخول الإسلام الجزيرة:
دخل الإسلام هذه الجزر عن طريق التجّار العرب الذين استوطنوا جزر الهند
الغربية في القرن الثامن والتاسع الميلادي، وكان السكان قبل ذلك وثنيين وكان أول
من دعا إلى الإسلام في هذه الجزر كما يذكر مؤرخوهم رجل يدعى أبوالبركات
يوسف البربري المغربي، ذكر ذلك أيضاً (ابن بطوطة) في رحلته المعروفة (تحفة
النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) ، وكانت تُسمى هذه الجزر في ذلك
الوقت (ذيبة المهل) ، وقد أورد في قصة إسلام أهل هذه البلاد قصة أشبه
بالأسطورة، وقال: إنه رواها له الثّقات، وملخصها أنه كان يأتيهم في كل شهر
مركب من البحر فيه شيطان، ويضعون له في غرفة قرب الساحل فتاةً من أجمل
فتياتهم حتى يأخذها، ويرضى عنهم، ولا يمسّهم بسوء، ثم أتاهم هذا الرجل
الصالح وكان حافظاً لكتاب الله، فأخبرهم بأنه سيردّ عنهم هذا الشيطان، وأنه
سيجلس تلك الليلة بدل الفتاة، وفعلاً جعلوه هناك وذهبوا. ومكث هو يقرأ القرآن،
فأتى الشيطان ولم يستطع أن يقربه وخرج الرجل سليماً. فانبهر الناس، وأسلم ملك
البلاد بعد أن دعاه أبو البركات إلى الإسلام، وأسلم الناس وراءه.. والله أعلم
بصحّتها.
سياسة الدولة:
كانت هذه الجزر مستعمرة بريطانية منذ عام 1887م ولم تنل استقلالها إلا في
26/7/1965م، ثم أصبحت جمهورية في عام 1968م، ورئيس الدولة الحالي هو
(مأمون عبد القيّوم) ، وقد تخرّج من جامعة الأزهر بعد أن درس بها قرابة 19 عاماً
كما أخبرني وقد أخذ الماجستير في الفلسفة، وانتخب للرئاسة في عام 1978م،
ومازال رئيساً إلى الآن.
وتعتبر الطبقة الحاكمة هي أكبر طبقة مثقفة في المالديف في نظر الشعب.
وسياسة الدولة خصوصاً في سنواتها الأخيرة بدأت تسير نحو العلمنة التي هي إبعاد
الدين عن الحياة، وذلك بتثبيت دعائم ذلك المنهج، فمنعت الكلام في أيّ أمر يمسّ
الأمور الداخلية المنكرة: سواء أكان عن البنوك، أو عن الخمور، أو عن التبرّج
الذي يتزايد يوماً بعد يوم.
وأذكر أن صديقاً لي مالديفي اسمه (حسن شاكر) نشر يوماً قصيدة له بالعربيّة
ذم فيها بعض المنكرات السائدة، فما كان من الدولة إلا أن سجنته، ثم نفته لإحدى
الجزر قرابة خمسة أشهر! وقد ترون أن هذه العقوبة بسيطة وهيّنة، لكن إذا علمنا
أن هذه الجزر لا تعرف العقوبات؛ لسبب سهل وهو أنها بلاد السّلام، وأهلها هم
أهل السّلام، لعلمنا شدة هذه العقوبة عندهم.
يقول (ابن بطوطة) الذي جلس قاضياً فيها قرابة سنة ونصف: أهل هذه
الجزائر أهل صلاح وديانة وإيمان، وأبدانهم ضعيفة، ولا عهد لهم بقتال ولا
محاربة، ولقد أمرت مرة بقطع يد سارق بها فغشي على جماعة منهم كانوا بالمجلس.
طبيعة الحياة:
شعب المالديف شعب بسيط، لاتكثر بينهم الخصومات، ولا تجد بينهم
سرقات إلا نادراً، ولم تُسجّل في العام الماضي إلا حالة سرقة واحدة! ! وأكثر أهل
هذه الجزر فقراء، إلا أنني لم أجد أحداً يمدّ يده للسؤال! ولا يموت أحد عندهم من
الجوع، إن جاع سدّ رمقه بجوزة هند يقطفها، أو بسمكة بحر يصيدها، أخلاقهم
طيبة، يحترمون الكبير أيمّا احترام، قد غرس في طبعهم الحياء، وامتازوا بحب
المرح..
أما أسماؤهم فلم تزل المعلم الوحيد لحبّهم للغة العربية؛ حيث يسمون أبناءهم
بها اسماً مركباً، وأغلبهم لا يعرف معنى الاسم! .
واللغة السائدة عندهم الريفية، وهي خليط من اللغة السنهالية والأردية
والعربيّة، أما اللغة الرسمية فهي الانجليزية.!
أخطار تواجه الشعب المالديفي:
منذ أن دخل الإسلام هذه الأرض وأهلها متمسكون بإسلامهم، يسود بينهم
المذهب الشافعي، إلا أن هناك أخطاراً كثيرة تواجه هذا الشعب المسكين. أهمها:
أولاً: الجهل: هذا المرض الذي يكاد بسببه يضيع شعب المالديف، حيث إنه
لا يوجد علماء حقيقيون ربانيّون، وكل من رأيتهم هناك أشخاصاً معدودين تخّرجوا
من مصر أو السعودية أو باكستان أو غيرها، لكن هؤلاء غالباً موظفون في الدولة
يسيرون وفق رغبة الدولة.
وقد كان كثير من الخرافات والشركيّات تعشّش في أحضان هذا المجتمع.
فكانت بدع القبور خصوصاً أمام قبر (أبي البركات) منتشرة بينهم إلا أن هذه
المظاهر تلاشت في الآونة الأخيرة ولله الحمد ولم يبق إلا بعض البدع كإقامة الموالد
في كلّ شهر! .
وأغلب سكان العاصمة سرت فيهم النزعة العلمانية ويعتقدون خطأًً أن الدين
هو المسجد فقط، بخلاف الجزر الأخرى التي ما زالت متمسّكة بالدين في أغلب
أنماط الحياة ولكن مع ماهم فيه من الجهل، إلا أنهم يحبّون الإسلام.
ويختلف التعليم في هذه الجزر عن التعليم في العاصمة، إذ يركّز عندهم على
المواد الدينية أكثر من غيرها، وسيكون لنا وقفة مع التعليم في العاصمة.
أما عن العلماء فقد سمعنا أن أكثرهم ماتوا، ولم يبق إلا القليل في بعض
الجزر النائية، وهم من بقايا دارسي الكتاتيب في تلك الجزر.
ثانياً: التعليم: لقد كانت بريطانيا في يومٍ ما مُسْتَعْمِرَةً لهذه الجزر كما ذكرنا
سابقاً وقد خرجت الآن بجيوشها لكنّها لم تخرج بفكرها، فكان من بنود معاهدة
الاستقلال أن يكون التعليم تابعاً لبريطانيا، وفعلاً كان الأمر هو ما اتفق عليه!
فأغلب المناهج تقرّر هناك، ولا توثّق شهادة التخّرج إلا من (بريطانيا) ! وقد
أنشأت (بريطانيا) عدة مدارس هنا، من باب التأكيد على المعاهدة، فماذا نرجو من
مناهج تقرر في دولة صليبية؟ سوى تشويش العقيدة الإسلامية، وتمجيد النصرانية، وكان هذا ما حدث فعلاً.
إن هذه المناهج لن يظهر أثرها سريعاً الآن، لكنه سيظهر على المدى الطويل، في الأجيال القادمة.
أما عن المعلّمين فلا توجد كفاءات كافية لسدّ ثغرة التدريس في البلاد.. ولذلك
لجأت الدولة إلى استقدام المعلّمين.
ففي المدارس الإسلامية يوجدبعض المدرسين العرب الذين أرسلوا للتدريس
هناك، وعددهم لا يتجاوز ثلاثين معلماً، وسأتحدث عن بعض هذه المدارس بعد
قليل، أما المدارس العامة، فقد استقدم لها كثير من المدرسين أغلبهم مسيحيون! !
وقد حدّثني من أثق به أنهم يبثون أفكارهم وعقائدهم داخل قاعات الدّرس؛ مما أثار
البلبلة في أفكار بعض الشباب والشابات، لكن لم يحدث وأن تنصّر واحد من هؤلاء
إذ أن المجتمع المسلم هناك لا يرحم أحداً يترك دينه الإسلامي إلى دين آخر.
وهناك خطّة جديدة بتوحيد التعليم في البلاد، وتحويل مناهج الجزر الأخرى
إلى مناهج علمانيّة، كما هو الحال في العاصمة. «عرفت ذلك من خلال مناقشة
جرت لي مع وزير خارجية البلاد (فتح الله جميل) ، إلا أنه علّل تأخيرها بعدم
وجود الكفاءات اللازمة لتدريس المواد الجديدة» .
ثالثاً: السياحة. قد ذكرنا أن هذه الدولة من أشهر الدول السياحيّة، ولذلك
فإنه ليس من المدهش وأنت تمشي في أسواق العاصمة مثلاً أن تجد السّواح أكثر من
أبناء الشعب.
وبسبب الجهل فقد تأثر بهم كثير من الشباب غير الواعي، فأخذوا يقلّدونهم
في الحركات، وفي التفسّخ الغير أخلاقي، مما زرع في نفوسهم أن التمسك بالإسلام
تخلف ورجعية! ويدخل في هذا النساء، إذ الزي الرسمي لكثير من المدارس إلى
فوق الركبة، وقد تفسخت المرأة أي تفسّخ، فأصبحت تشارك الرجل في أعماله
ووظائفه، وفي المصانع، والمتاجر. وقيادة الدرّاجات.. إلخ
وكان من نتائج ذلك، أن كثر الطلاق بصورة مريعة حتى تجاوزت نسبته
(90%) من حالات الزواج!
إنهم ينظرون إلى الرجل الغربي وكأنه القدوة، ومع أنهم يحبّون إخوانهم
العرب، إلا أن العرب هناك لا يتجاوز عددهم خمسين شخصاً في جميع أنحاء
الدولة!
وهم يتقبلون من العربي كلّ ما يقوله، لأنه آتٍ من الأراضي المقدسة! ..
لكن الوجود العربي هناك لا يكاد يذكر، بل أن الكثير من العرب لا يعرفون هذه
الجزر، ولم يفكروا يوماً في زيارتها على الرغم من أن الناس يأتون إليها من كل
أجناس الأرض.
دور المؤسسات الدينية:
للمؤسسات الدينية هنا دور لا بأس به في توعية الشعب، ومن أهم المؤسسات:
معهد الدراسات الإسلامية: أنشئ هذا المعهد لتعليم اللغة العربية وتحفيظ
القرآن الكريم، والاهتمام بتعليم أحكام الدين الإسلامي، وفق المنهج (الأزهري)
تماماً، حتى إن المناهج تُطبع وتقرّر في (جمهورية مصر العربية) . وكان إنشاؤه
في عام 1401هـ، ويضم الآن قرابة (200) طالب وطالبة، ويضم مرحلتي
الإعدادي والثانوي.
وتسعى الحكومة الآن لإنشاء مبنى جديد للمعهد يستوعب عدداً أكبر من الطلبة
وهو قد قارب التمام.
المدرسة العربية الإسلامية: وهي بمثابة التمهيد لـ (معهد الدراسات) حيث
تدرّس الإبتدائي، وتركز على تعليم اللغة العربية.
المركز الإسلامي: لم يمضِ على بنائه سوى 4 سنوات تقريباً، يضم مسجداً
ضخماً يطلق عليه (مسجد السلطان محمد تكرفان الأعظم) اسم أحد سلاطينهم القدماء، ويضمّ كذلك أكبر مكتبة عربية عامة بالدولة، ويضم أيضاً قاعة للمحاضرات،
حيث تلقى فيه عدد من المحاضرات، وأغلب من يحاضر به هم مسؤولو الدولة!
وتقام بهذا المركز بعض دورات تعليم القرآن، لكن على مستوى متواضع.
هذا بالإضافة لبعض المدارس الخاصة الأهلية، التي يقوم عليها الشباب الذين
تخرجوا من جامعات (السعودية) .
وأخيراً. في الحقيقة إنه لا يخلو مكان من الصالحين الذين كان لهم الدّور
الكبير في توعية الناس، لكن حالهم مع المنكرات هو السكوت، حيث قرروا العمل
بحديث [فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان] ! ! . ورأيت كثيراً ممن
يرجى فيهم الخير خصوصاً في (معهد الدراسات الإسلامية) ، ولكن لاتزال روح
الإسلام وأخلاقه العالية تسري في كيان هذا المجتمع، ولا ينقصهم إلا الموجهون
والعلماء. وكلمّا وقفت على شواطئ تلك الجنان العائمة، ورمقت طائر النورس
المُحّلق في الأفق البعيد، أدركت أن بشائر الخير قادمة؛ لتتبوأ مكانها في أقصى
جزر المحيط الهندي، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد اهتمام من المسلمين جميعاً دعماً
ومساعدة حتى لا يكون الأعداء أرأف بأهل هذه البلاد من إخوانهم المسلمين.