مجله البيان (صفحة 1560)

رؤية جديدة للدين الإسلامى (اقتباس)

في دائرة الضوء

رؤية جديدة للدين الإسلامي [*]

روبن رايت

في آخر أيام شهر رمضان وفي اللحظات الباردة التي تسبق انبلاج الفجر

وشروق الشمس تأتي إلي الأسماع أصوات المؤذنين من آلاف المساجد بالقاهرة تلك

المدينة القديمة قدم الزمن تقول: الله أكبر الله أكبر «تنطلق من مكبرات الصوت

من خلال شوارع المدينة الضيقة والملتوية، بعدئذ تبدأ الشوارع التي كانت خالية

من الناس في الحركة.

لقد كان هذا صباح يوم عيد الفطر.

انطلقت أصوات الناس بالتهليل، تحمل في طياتها أدعية الحمد والثناء

» الحمد لله وحده صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا اله الا الله «إنها واحدة من أكبر المدن في العالم العربي تمثل منطقة حضارية هائلة تضم بين جنباتها كل الأشياء.

إنها أيضاً مدينة عربية، قريبة من قلب الصحوة الإسلامية المتنامية، التي

تدعو مسلمي العالم إلى أن يصبحوا على علاقة أوثق بجذور دينهم أكثر من أي وقت

مضى خلال التاريخ الإسلامي، الذي استمر 1400 عام حتى الآن.

يشكل الإسلام - الذي يبلغ عدد أتباعه بليون نسمة في كافة أنحاء العالم

ويعيش ملايين منهم كأقليات في الغرب - يشكل اليوم قوة سياسية وثقافية دولية،

تقف لتعيد تحديد علاقة الغرب بالعالم الثالث، وتتحدى مفاهيمه عن التقدم، وتضع

المعايير للنظام العالمي الجديد.

في الشهور الأخيرة احتلت الأخبار الإسلامية العناوين الرئيسة في الصحف،

بعد المكاسب الانتخابية التي حققوها في الجزائر، والأردن، والكويت، بعد أن

فجر الإسلاميون المتطرفون القنابل في نيويورك والقاهرة [1] .

واذا مانحينا العناوين الرئيسية في الصحف جانباً فإن الحقيقة الأكثر أهمية

تتمثل في أن الدين أصبح بشكل متزايد جزءا لا يتجزأ من نسيج الحياة اليومية

للمسلمين، من أفريقيا إلى آسيا، ومن نيوجيرسي إلى مانيلا، حيث تأتي عملية

التجديد للدين بمصدر جديد للهوية الثقافية، والعمل السياسي في عالم يشهد تغييرا

كبيرا.

ففي الجمهوريات السوفيتية السابقة في أوزبكستان وطاجيكستان نجد أن

مدارس قرآنية جديدة قد فتحت أبوابها كي تحل محل المؤسسات التعليمية العلمانية

التي قامت إبان الحكم الشيوعي، وفي الأردن نجد أن الخمور قد منع تقديمها على

طائرات الخطوط الأردنية، وفي جنوب شرق آسيا نجد أن ماليزيا تحاول بتردد

تطبيق الشريعة الإسلامية، في حين تجابه الفيلبين خطر الحروب الانفصالية بتحديد

مناطق للحكم الذاتي، يعيش فيها المسلمون.

ومن تونس إلى الأردن يحصل الأب المسلم النشط على أصوات الأغلبية في

الانتخابات المحلية لاتحادات الطلبة والنقابات والمجالس البلدية، كما أن المساجد في

مصر تضيق بتدفق المصلين إليها، حتى أنهم صاروا يؤدون صلواتهم في أقبية

المباني، وفي الحجرات الخلفية لها، وحتى في الممرات الجانبية التي يسير فيها

الناس.

لكن هذه الصحوة الإسلامية قليلاً ما يفهمها الغرب، الذي تنبع تصوراته عن

الإسلام من ثورة إيران في 1979، وجموعها الغاضبة التي كانت تهتف:»

الموت لأمريكا «كما تنبع من أحداث لبنان، التي قام خلالها جيل من المحاربين

المسلمين بعمليات قتل أو إرهاب للغربيين الذين غامروا، واقتربوا من قلب الحرب

الأهلية في لبنان.

وفي الواقع فان الارتباط التاريخي للإسلام بالسيف يجعل البعض من الغربيين

يرتعد حينما يرى كلمات تقول:» لا اله إلا الله محمد رسول الله «مكتوبة فوق

سيف مسلول على العلم السعودي وفي الوقت نفسه فإن هؤلاء لا يبالون بالعبارة

التي تقول» نحن نثق في الله «المنقوشة على ظهر الدولار الأمريكي.

الافتراءات والمفاهيم الخاطئة:

يعتبر الربط بين الإسلام والمحاربين من رجال القبائل العربية الذين نشروا

الإسلام في بدايته واحدا من العديد من المفاهيم الخاطئة، التي لها مفعولها اليوم.

فالعرب في التسعينات يتزايد وضعهم كأقلية بين الـ 75 دولة التي تشكل» دار

الإسلام «، والتي تقع مراكزها الكبرى حالياً في أندونيسيا، وباكستان،

وبنجلاديش، والهند، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى.

إن خمس سكان العالم ينتشرون عبر منطقة تمتد مسافة 11000 ميل من

غرب أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، وهؤلاء جميعا يشهدون بأن محمدا هو خاتم

أنبياء الديانات السماوية. ولم يقتصر الأمر على الربط بين الإسلام والسيف، ذلك

أن هناك أيضاً خرافات وافتراءات أخرى منها قولهم:

- إن الدين الإسلامي دين» بربري «؛ لأنه يطبق حدودا مثل: قطع الرأس، وبتر الأعضاء، والرجم، كعقوبات لبعض الجرائم. وفي الحقيقة فإن المملكة

العربية السعودية، وإيران عموماً، والسودان من حين لآخر يطبقون هذه العقوبات

إلا أن قطع الرأس في الرياض لا يمكن أن يكون أكثر بربرية من الإعدام بالكرسي

الكهربائي.

إن كل المواطنين اعتبارا من سائقي سيارات الأجرة إلى أساتذة الجامعات

يثنون على هذا الأسلوب العقابي، ويردون على المنتقدين بالإشارة إلى الفارق بين

معدلات الجريمة في الرياض، ومعدلاتها في نيويورك.

- إن الوجه الصارم لآية الله روح الله خميني - الذي حكم بالموت على

المرتدين - يمثل غالبية رجل الدين من المسلمين، لكن يتعين علينا أن نجرب

مشاهدة رجل دين حكيم على شاشة التلفزيون هو الشيخ محمد متولي الشعرواي،

الذي يجلس متربعا مساء كل يوم جمعة، ويقوم بروح طيبة بتفسير القرآن الكريم

للملايين من المشاهدين.

- إن الإسلام الجهادي يسير على طريق التصادم العنيف مع الغرب.

وفي هذا الصدد يمكن القول بأن الإسلام قد يكون على خلاف مع الغرب في

نواحي معينة، لكن أسلحته بالنسبة للمستقبل تأخذ شكل المؤتمرات، والمنتديات

الفكرية، وصناديق الاقتراع، أكثر من أن تأخذ شكل الإرهابيين الملتحين، حتى

في مصر التي عانت من أسوأ أعمال العنف الإسلامية في السنوات الأخيرة.

في الواقع فإنه في الوقت الذي يبدو فيه أن العالم الإسلامي صار الجبهة التالية

للصراع بعد الحرب الباردة، فإن ذلك لا يرجع إلى حد كبير إلى أن المسلمين

يمثلون تهديداً عسكرياً أو إرهابياً، لكن لأنهم يطرحون تحديا أساسيا: يتمثل في قوة

اجتماعية سياسية متنامية، تثير تساؤلات حول بعض مفاهيم الغرب؛ عن الواقعية، وعن طبيعة التقدم، والعلاقة بين الله والبشر، ودور التقنية، والعصرية،

والمبادئ الأخلاقية في حياة الإنسان.

هناك جيل جديد من الإسلاميين الذين درس الكثير منهم في الغرب على

استعداد للاستفادة من المفاهيم الديمقراطية.

إن هؤلاء الإسلاميين يتسلحون بالكتابات القديمة من القرآن، التي جرى

تعديلها لتتواءم مع احتياجات الحاضر في إطار الإصلاح العصري، وهي تمثل

واحدة من أهم القضايا الفكرية في التاريخ الإسلامي.

وفي هذا الصدد يقول أحد المفكرين» إنها ليست مسألة إحياء روحية فقط،

إنها مسألة إحياء أيضاً للقرآن، كما أنها تجديد للفكر ذاته، إنها صحوة لنشاط الطاقة

الإسلامية الكامنة، وهي على الأغلب صحوة تقودها الصفوة العصرية، التي

تعرضت لتأثير الغرب ولتحدي ثقافة الغرب ذاتها «ويضيف:

» أما مسألة أن قدر العالم الإسلامي المحتوم هو الصراع مع الغرب فإن ذلك

يعتمد على مدى استعداد الغرب لقبول مستوى من النزاهة والعدل يسمح بسيادة

الديمقراطية في العالم الثالث، حتى ولو تولدت عنها الحركة الجهادية الإسلامية،

وضمانُ معاملة المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي فلسطين، وليبيا بالمعاملة

نفسها التي يلقاها اليهود في إسرائيل، والنصارى في أي مكان من العالم «.

ويقول آخر:» المفروض أن نتحدث عن الاستقلال الفعلي، لا الاستقلال

الاسمي: عن الاستقلال الاقتصادي، وعن الاستقلال في الأنظمة التعليمية،

والأنظمة السياسية إلا أن هذا قد يتعارض بشكل أو بآخر مع مصالح الغرب.

إن قيام علاقة بناءة بين الغرب والعالم الثالث يعني وضع جداول أكثر عدلا

لسداد ديون الدول المدينة في العالم الثالث، وإقامة علاقات تجارية أكثر عدالة،

وتحقيق قدرة أفضل من جانب الدول النامية على الاستفادة من مواردها الطبيعية «.

ومن جهة أخرى يقول مفكر آخر اقتفى الحركة السياسية من ثورة مصر في

عام 1919 التي استمر المصريون بعدها في تبني التقاليد الغربية في مجالس

الأعمال والثقافة حتى ثورة جمال عبد الناصر في 1952 التي أقامت الاستقلال

الاقتصادي الاجتماعي على مذاهب قومية علمانية ماركسية.

» أعتقد أننا الآن في المرحلة الحديثة من حركة التحرير الوطنية وفي إطار

هذه المرحلة اكتشفنا أننا قد انغمسنا كثيراً في التقاليد الغربية إلى الحد الذي نسينا فيه

حقيقة أننا نختلف عنه أي: عن الغرب، وأننا حينما نتحدث عن شخصيتنا، وعن

هويتنا الوطنية، فإننا نأتي حتماً إلى الإسلام «.

ويضيف إن أول شيء نرفضه في الغرب هو إصرار أصحاب الثقافة الغربية

على أنهم يحتكرون مفهوم التقدم، وأنهم يحددون هوية التقدم والعصرية بربطها

بالحياة الغربية، ونحن نتساءل لماذا؟ !» .

ويضيف: «إن المسلمين إذا ما تولوا زمام الحكم فإنهم قد يضعون لدى

الآخرين نموذجا يجعل المعايير هناك تختلف، كما أنه لن يكون لديك معيار واحد

للقياس يتمثل في معدل النمو الاقتصادي إننا لا نعبد معدل النمو الاقتصادي إننا فكرة

الاستقلال الثقافي، الذي ربما يمثل أكثر التهديدات للغرب، وهو الاستقلال الذي

يبني بديهات التقدم والعصرية على تحكم العقل، والسعي إلى تحقيق الازدهار

الاقتصادي، وهي المفاهيم التي سادت الحضارة الغربية لأكثر من ثلاثة قرون.

إن الإسلام يتيح نموذجاً آخر يتمثل في نظام شامل للإيمان، يمتزج فيه الدين، والحكم، والزواج، والعمل امتزاجا كاملا في نسيج واحد متداخل، تحل فيه

الأفكار الراسخة والمحددة للأخلاق والقيم محل لغة الاستيعاب، وتسود فيه سلطة

التشريع على الأفكار الغربية العصرية عن القانون، الذي يسن وفقا للضرورة

والظروف المتغيرة.

يقول أحد المفكرين الفرنسيين ويدعى (فرانسوا بورجا) : إن هذه الحركات

الإسلامية تسبب لنا الجنون لأنها تؤذينا في الصميم.

لقد اجبرونا على أن ندرك الحقيقة التي تقول: إننا لا نملك احتكار النظام

الرمزي، اننا لسنا الوحيدين الذين يمكن أن يتعاملوا مع الأمور الكونية فهل صار

ميزان القوى يتغير في هذا المجال؟ نعم - وهل هذا التغير في صالحنا؟ والإجابة

طبعا:» لا «ويضيف (فرنسوا بورجا) إلى ذلك قوله» لكن إذا كنا نفقد احتكارنا

لهذه الأمور فهل يتعين علينا أن نواجه ذلك بالتدخل في العمليات التي تتم في

محيطنا ومن حولنا، إننا بذلك نربي عداوات أكثر.

إن الصحوة الإسلامية تعكس جزئياً ظاهرة متنامية على المستوى العالمي،

أصبح فيها الدين قوة للتغيير، تتسم بالطاقة والديناميكية.

وفي المجتمعات التي تناضل في محاولاتها تخليص نفسها من الإفلاس، أو

من الأنظمة التي تنقصها الكفاءة، أو البحث عن بدائل قابلة للبقاء فإن الدين يوفر

المُثُل، والهوية، والشرعية، كما يتيح البنية التحتية أثناء عملية البحث، ويتم ذلك

بدرجات مختلفة في كل أنحاء العالم، وعلى سبيل المثال فإن البوذيين في شرق

آسيا، والكاثوليك في شرق أوربا وأمريكا اللاتينية والفلبين، والسيخ والهندوس في

الهند، وحتى اليهود في إسرائيل، كل هؤلاء تحولوا إلى دياناتهم حتى يتمكنوا من

تحديد أهدافهم، ولتعبئة قواهم.

وفي أغلب مناطق العالم العربي نجد أن الإسلام يطرح طريقة لمعالجة عقود

من الفشل: الاجتماعي، والاقتصادي، والعسكري، والاضطراب الذي حدث

مؤخراً بسبب حرب الخليج.

في حقبة الضياع هذه نجد أن الإسلام يبعث الحياة من جديد في صورة

الماضي، التي وحد أثناءها منطقة تعيش فيها قبائل متصارعة، في إطار لغة واحدة، ودين واحد.

ومنذ الفترة التي هاجر فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة في عام

622 م، وبدأ في إقامة أول دولة إسلامية على أرض الصحراء العربية في المدينة

المنورة فإن الإسلام بدأ عصرا ذهبيا من الصعود السياسي والفني غطى عدة قرون، وتم نقل التعاليم الإسلامية مع الذين قاموا بفتح أسبانيا، ومع الأتراك العثمانيين

الذين فتحوا استانبول، وعادوا عن طريق البلقان إلى أوروبا.

أما في آسيا فإن التجار العرب قاموا بإدخال أجيال كاملة من المتعاملين معهم

في جاوه، وسومطرة، وبورما، وماليزيا، وتايلاند، والهند، والصين، والفلبين، في الإسلام خلال الفترة من القرن السادس حتى القرن الثاني عشر، وبعد ذلك

بمئات السنين انتقل الإسلام على السفن التي كانت تنقل العبيد من إفريقيا إلى أمريكا.

إن تلك هي الحقبة التاريخية التي تحول فيها العديد من المسلمين خاصة في

المنطقة التي تمثل القلب من العالم الإسلامي، لقد خدعت أجيال من العرب بسلسلة

من المذاهب السياسية المتتالية، التي تمثلت أساساتها في الماركسية والقومية اللتين

جعلتهم يعيشون، في أحلام الوحدة والاستقلال الذين لم يتحققا قط.

وكانت نقطة التحول للعديد من هؤلاء هي الهزيمة العربية في عام 1967

على أيدي الإسرائيليين، وهم شعب يعرف الكثيرُ من المسلمين عنه أنه شعب يحقق

النصر؛ لأنه لم يفقد صلته بجذوره الدينية.

إن العالم الإسلامي مشغول الآن بفكرة جديدة عن الجهاد، وهى تعني رد

العدوان، وليست الفكرة التقليدية، التي تعني شن الحرب المقدسة، وهي تنطوي

أيضاً على معنى النضال من أجل الإنجاز وبناء الأفضل، وإقامة مجتمعات أخلاقية، وتحقيق كفاية الإنتاج لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.

وفي الحقيقة فإن المسلمين زادت مقاومتهم كثيراً، وسوف يردون العدوان عن

أنفسهم بالطبع إذا ما حاولت أوروبا أن تفرض نموذجها عليهم.

إننا نعلم أن أوروبا لا تؤمن بالديمقراطية إيمانا مطلقا، فهم يكبحون

الديمقراطية حينما تأتي بالإسلام إلى الحكم، ويقضون عليها. لقد فعلوا ذلك في

تركيا، وفي الجزائر، وإذا ما تعرض الإسلام للظلم والاضطهاد فإن المسلمين

سوف يتحولون إلى الجهاد، ويعني هذا الجهاد المقاومة، ولا يعنى الحرب؛ لأنه

إذا وجه شخض إليك فعلا، فإنك توجه إليه بالتالي فعلا آخر «.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015