محاضرات إسلامية
في ديار الإسلام
(1)
جمال سلطان
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،
وبعد:
فإن الحركة الإسلامية إذا شئنا التقييم الموضوعي النزيه، هي أهم وأعظم
حركة اجتماعية فكرية سياسية، شهدتها المنطقة الإسلامية، على مدار القرن الفائت
كله، وذلك بالنظر إلى الفكرة التي قامت عليها هذه الحركة، ومحورها الإسلامي،
الذي يمتاز بالأصالة والتجديد والإحياء والنهوض، وهي المعاني التي سرقتها
طوائف أخرى من تيارات الحركات العلمانية السياسية والفكرية والاجتماعية،
وحاولت نسبتها إلى ذاتها ورفعها شعاراً تتجمل به، وتخدع به المسلمين؛ وأيضاً
بالنظر إلى البعد الجماهيري واسع النطاق لهذه الحركة، ورغم أنها حركة بعيدة عن
السلطة أغلب الأوقات، فلم يعرف المسلمون حركة اجتماعية وفكرية وسياسية،
استطاعت أن تكسب هذا الامتداد الجماهيري الهائل، رغم كل الضغوط والترهيبات، والقمع بأنواعه المختلفة. إن قبول الحركة الإسلامية واجتذاب الناس خلف شعار
أو فكرة - في حد ذاته - ليس دليلاً كافيا على صدقيتها، ولكن أن تحشد هذه
الجموع خلف لواء الإسلام من جديد، وتتحدى شياطين الإنس، في الداخل
والخارج، وتستطيع أن تحرك الناس بهذا القدر للمطالبة بعودة الإسلام، دينا ودنيا، عقيدة وشريعة، مصحفاً وسيفاً، فهذا - بكل المقاييس - حدث فذ.
أيضاً؛ فالحركة الإسلامية حدث فذ وفريد، من جانب الهبة الإلهية لأبنائها أن
تمتد هذه الحركة وتياراتها، لتخترق الحدود المصطنعة، لكنها القاسية والصارمة،
بين أقطار الإسلام، لتصبح الحدث الاجتماعي الأكبر في بلاد المسلمين كافة، كلا،
بل الحدث البارز والمثير للانتباه والبحث والتفكير في قارات العالم أجمع، وحينما
وُجد إنسان يشهد أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أيضاً؛ فالحركة الإسلامية حدث فذ، من حيث أنها أول تيار فكري سياسي
اجتماعى في العالم الإسلامي الحديث، يقوم وينتشر، متطهراً من عقدتي: الغرب، والتخلف، وهذا ما أفزع دوائر الغرب ومراصده من هذه الحركة، لأنه - لأول
مرة - يشهد مثل هذه الحركة الجماهيرية التي تعلن -في جرأة وثقة- أنها تقبل
التقنيات والعلوم البحتة، فهي تراث إنساني مشاع؛ وتكفر بالمناهج والنظريات
والقيم والأفكار الغربية، ويقول أتباعها: إن في ديننا وإسلامنا غناءً لنا، وفيه
حاجتنا، وهدانا، ورشدنا، ومنهاجنا للنهوض والتحضر.
ومن جانب آخر؛ كانت الحركة الإسلامية، متجاوزة لعقدة «التخلف» ،
التي أثارت الخلل المنهجي والعقلي والسلوكي في أجيال عدة من بني الإسلام لا
سيما مثقفيه، فمنهم من رأى التخلف قدرنا، ومنهم من جعله ناتج تراثنا،، ومنهم
من جعله بسبب تمسكنا بديننا، ومنهم من جعله بسبب ترددنا في الالتحاق بالغرب،
وها هي الحركة الجديدة، تقلب كل المفاهيم، لتؤكد أن «التخلف» ليس قدرنا،
بل هو ما جنت أيدينا، فإذا ما عدنا لما صلح به أولنا، صلح واقعنا، وارتفعت عنا
وصمة «التخلف» ، كما أن التراث هو جهد الإنسان، فيه ما في الإنسان، من
خير وشر، وصحيح وباطل، ونهضتنا لا تقوم إلا بعودتنا إلى تراث سلفنا الصالح، ورفض ما عداه من الانحرافات والبدع، والموبقات الفكرية والسلوكية والسياسية، حاكِمُنا كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ثم من بعد ذلك حاجات
واقعنا الجديد.
ثم ها هي الحركة الجديدة، تصل إلى تحديد منطلق التصحيح والنهوض،
وذلك بالتأكيد على أن سبب تخلفنا، كان هو بعدنا عن الإسلام، وهجرنا لمعالمه،
وخور العزائم في الدفاع عنه، ومن ثم فإن سبيلنا هو إحياء الدين في النفس وفي
الواقع، والدفاع عن السنة، وتعزيز إيمان المسلم بأن الإسلام هو السبيل، والإسلام
هو الحل.
وإذا كانت الحركة الإسلامية بهذا القدر من الخطر والشأن بشهادة خصومها،
بل بشهادة الواقع الذي لا يكذب أبداً، فإنها - بالمقابل - كانت من أكثر الحركات
ظلماً لدى بعض الباحثين والناقدين والمؤرخين، وذلك لأسباب عديدة لا مجال
للتفصيل فيها هنا، ولكننا - في هذا المقام - نعتني على بعض الإسلاميين أنفسهم
الذين استهوتهم موجات النقد، ودعاوي النقد الذاتي، حتى غرقوا في بحاره، وما
عاد أحد يسمع عن «إيجابيات» للحركة الإسلامية، وأنا زعيم بأن تسعين بالمائة
مما يكتب في تقييم الحركة الإسلامية ينحى باتجاه إبراز «سلبيات الحركة» ،
ويبقى نزر يسير، يشير إشارات عجلى إلى «إيجابيات» الحركة، وهذا خلل
خطير، على الأقلام الإسلامية بالذات أن تتنبه له، وتعيره اهتمامها.
والآن من الضروري أن نحدد أبرز إيجابيات الحركة الإسلامية مما يتعلق
بسياقنا الحالي، ليس من قبيل التزكية، أو مجرد التذكير بهذه الإيجابيات، وإنما
لما لهذه المعالم التي سنذكرها من أهمية كبيرة في كشف خلفيات العداء الذي أسفر
عن وجهه أخيراً ببشاعة بين تيارات الثقافة المغتربة بمختلف فصائلها، وبين
الحركة الإسلامية، وبعد ذلك، نرصد بعض مظاهر «الفجور في الخصام الثقافي» لدى بعض المثقفين العرب وغير العرب من أبناء المسلمين، في موقفهم من
الإسلام والحركة الإسلامية، ثم نخلص بعد ذلك برؤية مستقبلية للعلاقة بين الحركة
الإسلامية والمثقفين في ديار الإسلام.
معالم الحركة الإسلامية وإيجابياتها:
أولا: الحركة الإسلامية عندما تقدمت إلى الواقع منذ عدة عقود، لم تتقدم إليه، بصفتها جمعية دينية، بالمفهوم الضيق لمعنى الدين، وإنما تقدمت بصفتها
مشروعاً للنهضة والتجديد ينطلق من الإسلام وحده.
وبالتالي، فظهور العمل الإسلامي بهذه الصورة لم يمكن العلمانية ومثقفيها من
خوض معاركها مع الحركة الإسلامية على أساس «التقسيم الأوروبي التاريخي»
بين الحكم الثيوقراطي والحكم المدني، وبين رجال الدين ورجال النهضة والتجديد،
لأن الإسلاميين كانوا «رجال نهضة وتجديد» ، والحركة الإسلامية كانت حركة
نهضة وتجديد، وهذا ما أضعف كثيراً تشويشات العلمانيين العرب على الحركة
الإسلامية، وجعل حديثهم عن الكهنوت، والثيوقراطية، والحكم الديني، ونحو ذلك، أشبه بالمزاح أو العبث الثقافي، فضلاً عن فقدانه أي تأثير على القطاعات الثقافية
الواسعة وعموم الناس.
ثانياً: أن الحركة الإسلامية هي - بشهادة الواقع والخصوم - صانعة الموجة
الثقافية الحالية في ديار الإسلام كافة، ويستطيع القارئ المتأمل أن يلحظ ذلك الأمر
على الفور، من خلال الاطلاع على مختلف النشاطات الثقافية، فكرية وأدبية وفنية، إذ يجد أن «قضية الإسلام» و «الصحوة الإسلامية» ، هي القاسم المشترك
الأعظم في النتاجات الثقافية المتصلة بهذه الجهود كافة، سواء كان ذلك بالسلب أو
بالإيجاب، إن المعادين للإسلام والصحوة الإسلامية - أو أبناء الصحوة ورجالاتها
ونساءها والمتعاطفون معها أو المتأثرين بها. في كل هذه الأحوال تبرز الحقيقة
ناصعة، لتثبت أن الحركة الثقافية الآن في ديار الإسلام تدور حول قطب واحد هو
«الإسلام» ، وذلك نصر كبير للحركة الإسلامية، رغم أن العديد من الإسلاميين
أنفسهم لا ينتبهون إلى خطره وقيمته.
لقد كانت الثقافة في ديار الإسلام - حتى عهد قريب - تدور حركتها حول
قطب «الغرب» والفكر الغربي والحضارة الغربية، سواء بالتبعية، أو النقد، أو
المواءمة، المهم أن القطب صاحب الحيوية الثقافية الذي يصبغ الحركة الثقافية
بصبغته - سلباً أو إيجاباً - كان هو الغرب والفكر الغربي والآن أصبح «الإسلام» هو القطب، والفكر الإسلامي هو الذي يصبغ الحركة الثقافية بصبغته - سلباً أو
إيجاباً -، المهم أن الجميع الآن يدورون في فلكه، أرأيتم حجم النقلة وروعتها؟
ثالثاً: إن مثقفي الحركة الإسلامية اليوم هم الرواد الحقيقيون للجماهير المسلمة، وهم الأكثر التصاقاً بالناس، وتعبيراً عنهم، وجاذبية لديهم وهم الأكثر نفوذاً في
العقل العربي والإسلامي الجديدين بوجه عام.
والكلام هنا لا نقصد به أبداً، التفاخر، أو التفريط أو المباهاة، فليس المقام
مقام ذلك، وإنما نحن نرصد «ظاهرة» ثقافية، من حقنا بل من واجبنا أن نبني
عليها، ونضعها في اعتبارنا عندما ندرس حياتنا الثقافية الجديدة.
إن الحركة الإسلامية في ديار المسلمين لا تملك السلطة، بل هي - غالباً -
مضطهدة من السلطة، ومع ذلك نجد إقبال الناس على الدعاة - شباباً كانوا أو
شيوخاً - بالغ الإدهاش، وإقبال طلبة الجامعات والمثقفين على الكتب الإسلامية
والمحاضرات طاغياً بوضوح، حتى أنه لم يعد من قبيل المفاجأة أو الجديد أن يزور
القارئ معرضاً من معارض الكتب الرسمية، فيجد دور النشر العلمانية بل الشيوعية
تضع في صدر أجنحتها كتب سيد قطب، وأبي الحسن الندوي، وأبي الأعلى
المودودي، ناهيك عن كتب السلف الصالح، وقد شاهدت ذلك بنفسي في معرض
القاهرة الدولي للكتاب.
بالمقابل؛ تجد المثقف العلماني أو المتغرب، قوميا كان، أو شيوعيا، أو
ليبراليا شبه معزول عن واقعه، محروماً من الإحساس بجمهور الناس، حانقاً على
شعبه. إن أحداث الجزائر وما تلاها،، كشفت بوضوح أن المثقف العلماني، قد
تحول إلى عدو صريح للشعب، وللجماهير، يصرح باحتقاره للناس، وبعدم أحقية
الشعوب - الآن - في اختيار حكامها، واتهام الجماهير بالتخلف والغباء
ونحو ذلك.
كما تحولت لقاءات المثقفين العلمانيين إلى ما يشبه «نوادي أدبية» محدودة
العدد ومحفوظة الوجوه، المتحدث فيها هو المستمع، ولا يخرج صوتهم - أبداً -
إلى الشارع، ولا ينفذ إلى عقول الناس وقلوبهم، ولا يكاد يسمع الناس بأسمائهم إلا
عبر الصحف الحكومية التي «أُجّرت» لهم، نظير سب الإسلام والصحوة
الإسلامية ورموزها وتشويهها، ودعوة الناس إلى الانصراف عنها.
إن الحصار الذي يفرض الآن على الحركة الإسلامية - سياسياً وفكرياً
واجتماعياً - هو بالمقياس الثقافي العام «مدمّر» و «قاتل» ، ومع ذلك؛ تصل
دعوة الحق وصوت الإسلام إلى الناس في كل مكان، وتتأبي الحركة الإسلامية على
الموات بفضل الله ورحمته.
رابعاً: الحركة الإسلامية وصحوتها أدت إلى بلورة الموقف الثقافي، ودفعت
الحركة الثقافية إلى درجات حادة من التمايز والوضوح، وبالمصطلح الإسلامي،
فإن مسألة «الولاء والبراء» قد انتقلت بالفعل إلى الحياة الثقافية، وفرضت على
الرموز الثقافية حسم مواقفها وخياراتها، بعد أن ذابت المناطق المحايدة، وتمايزت
السبل، وأصبح الانتماء الثقافي محصوراً في وجهتين: الأصالة والإسلام من جانب، والتقليد والتأورب من جانب آخر.
وفي الحقيقة فإن الطرح الجديد للحركة الإسلامية، كان نقلة ضخمة فى
الوعي الإسلامي الحديث كله، إذ نادى الإسلاميون بأن الإسلام - والإسلام وحده -
هو السبيل، وهو الحل، وهو حضارتنا، وأن الإسلام كل متكامل، ومنهاج شامل، عقيدة وشريعة، ديناً ودنيا، وأن للإسلام خصوصيته التي لا تشبه شيئا من أفكار
البشر، ومناهجهم، ومذاهبهم.
هذا الطرح قطع الطريق على المزورين، والملفقين، الذين احترفوا تمييع
المواقف الفكرية، بمحاولات المزاوجة بين الإسلام والفكر الغربي، ونظرياته
السياسية والاقتصادية، ونظمه التشريعية، ونسقه القيمي، وهي المحاولات التي
أسهم فيها - بحسن نية - قطاع واسع من المفكرين المسلمين على مدار القرن
الأخير، زعماً أنهم - بذلك - يجملون الإسلام في عين الإنسان الجديد،
ويستجلبون تأشيرة دخول للإسلام إلى نادي الحضارة الأوربية الطاغية!
وعلى الرغم من أن نفراً من المفكرين المسلمين اليوم، مازال أسير هذا
الموقف الساذج والمهزوم، إلا أنهم أصبحوا «ندرة» وشبه معزولين عن المجرى
العام للصحوة الإسلامية الجديدة.
هذا الموقف والطرح الفكري الحاسم والواضح، جعل المثقفين أمام أحد
خيارين، لا ثالث لهما؛ إما الإسلام، وإما الاغتراب، وكان من نتائج ذلك على
الصعيد العملي، تعدد حالات التحول الفكري لرموز ثقافية كبيرة إلى الإسلام، على
ما شاب بعضها من بعض الغبش، وبالمقابل سفور عداء المثقف العلماني للإسلام،
والانحدار الخطير في لغة الحديث عن الإسلام وتاريخه وشريعته ورموزه المقدسة،
ومن ثم؛ نذكر، ونؤكد، أن ازدياد عنف مثقفي العلمانية والإعلام المؤازر لهم،
وطغيان هجومهم على الإسلام ورموزه ودعاته، هو مؤشر طيب، وإيجابي،
وليس سلبياً، هو شعور «الظلاميين» باقتراب الفجر، وتميز الخيط الأبيض من
الخيط الأسود، وكلما ازداد موقف الإسلاميين وضوحاً، وكلما نجحوا في نقل هذا
الوضوح إلى «الناس» وإلى عامة المثقفين، كلما ازداد السعار العلماني، وكلما
تواتر انحداره الأخلاقي والفكري بصورة متسارعة ومتخبطة.
خامساً: لقد شاء الله تعالى أن يعلو مد الحركة الإسلامية، ويشتد عودها، في
الوقت الذي كانت فيه أكبر تجربة أوربية عقائدية جديدة تذوي وتنهار، وتنتهي
بفضيحة سياسية واقتصادية وإنسانية لا حدود لها، وأعني بذلك المشروع الماركسي
وهو نبت فلسفي أوربي كما هو معروف، أي أنه إفراز لحضارة أوربا ومع
سقوط الماركسية وتتابع انهيار نماذجها في أوربا وآسيا وإفريقيا، بدأت حقائق
التاريخ تعود من جديد، لتؤكد ما حاولوا تغطيته وستره طوال قرن أو أكثر من
تاريخنا الحديث، عادت حقائق التاريخ، لتبرز العداء الغربي تجاه الإسلام، والحقد
الغربي على المسلمين، والقلق الغربي من ظهور دولة الإسلام من جديد، وأصبحنا
اليوم نسمع الكلام سافراً عارياً، من الدوائر الغربية، الإعلامية أو السياسية، بأن
«الإسلام» هو العدو الجديد / القديم، للغرب، ومن ثم؛ فإن الحركة الإسلامية أو
«الأصولية» كما صاغوها، هي حائط الصد الذي يحول دون إعلان السيادة
الأوربية على العالم أجمع، وإعلان النصر النهائي للحضارة الأوربية
في الأرض.
إن المواجهة مع الغرب اليوم، قد بدت مواجهة مع الكيان الإسلامي بوصفه
أمة، فليست القضية قضية يمين أو يسار، أو ليبرالية أو اشتراكية، أو ديكتاتورية
أو ديمقراطية، وإنما القضية أصبحت قضية الوجود الإسلامي بكامله، فإما أن
ينمحق في المشروع الغربي، أو يكون عدواً للحضارة والمدنية، وأصولياً وإرهابياً، و ... إلى آخر قائمة الاتهام.
ومن ثم؛ تبدو الحركة الإسلامية اليوم في موقف الدفاع عن «الأمة» وعن
«الوجود» وعن «الهوية» ، كل أولئك بالقدر نفسه في دفاعها عن «الدين» إن التحالف الغربي الصليبي والصهيوني، يتجلى اليوم واضحاً في فلسطين، وفي البوسنة، وفي جمهوريات آسيا الوسطى «السوفيتية سابقاً» ، وفي ... الصومال، وفي غيرها من المواقع الديار، وعندما نجحت جبهة الإنقاذ في الجزائر، وحازت ثقة الشعب، وأصبحت صاحب الشرعية لقيادة الجزائر، فزعت الدوائر الغربية، وكان محور الفزع ليس الوضع الداخلي للجزائر، وإنما «آثار ما يحدث على أوربا ومصالحها في المنطقة» ، ومازلنا نذكر تصريحات سياسية من أعلى الدوائر الغربية، التي تؤكد بأنها لن تسمح بقيام حكم «أصولي» في الجزائر.
هذه الحقيقة، جعلت الحركة الإسلامية بمثابة الممثل الشرعي الوحيد لثقافة
الدفاع عن الأمة، وعن وجودها، وتراثها، وحاضرها، ومستقبلها، واستقلالها،
كما أنها الممثل الشرعي عن دينها وعقيدتها، وبالتالي أصبح معظم المعادين
للصحوة الإسلامية اليوم، لا يستحون من الكشف عن ولائهم الفاضح لأعداء الأمة،
إلى الحد الذى يتحدث فيه الشيوعيون والعلمانيون المصريون - مثلاً - عن عميل
للمخابرات الأمريكية، وكأنه بطل قومي لأنه تجسس على معارض إسلامي، كما
أن الذاكرة مازالت تحفظ آخر برقية أرسلها طاغية أفغانستان المخلوع «نجيب الله» إلى الرئيس الأمريكي، والتي قال فيها «ادخرني لعدوك..!» وعلقت
الصحافة يومها على البرقية بالقول: «إن نجيب الله عرض على الولايات المتحدة
أن تساعده في مقابل أن يقف صخرة في طريق المد الإسلامي» الأصولي «في
آسيا الوسطى، وإلى الحد الذي يشرنا فيه بعض المعارضين السودانيين من فلول
العلمانية والشيوعية بقرب التدخل الغربي في السودان، لتحريره من» الجبهة
الإسلامية «! ! !