مجله البيان (صفحة 1531)

التواضع.. سمة.. قيادة ايضا

التواضع

سمة.. قيادة.. أيضاً

سامي سلمان

التواضع سمة وخلق رفيع من تحلى به ساد نفسه ومن ساد نفسه ساد

الناس [1] .

وقد تبدو العلاقة بين التواضع وسياسة النفس وسيادة الناس غير واضحة

ولكنها تتضح عندما ندرك معنى التواضع الحقيقي، سئِلَ الفضيل بن عياض عن

التواضع فقال:

«يخضع للحق وينقاد له ويقبله ممن قاله» .

فإذا كان هذا هو حال المتواضع فهو قد ساد نفسه بلا شك وإذا أحببنا أن

نبحث عن طرف المعادلة الأخير فلابد أن نستمع لابن عطاء وهو يقول: «العز

في التواضع» .

وقد ساد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمة وساد الناس وهو سيد ولد

آدم وخير الناس، فكيف كان حاله:

- كان إذا صافح الرجل لم ينقل يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع

يده [2]

- كان يوم الأحزاب ينزع التراب ولقد وارى التراب بياض بطنه. [3]

- كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم. [4]

- كان يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف العاجز ويدعو لهم. [5]

- كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم. [6]

-كان يدعى إلى خبز الشعير. [7]

- كان يقول: «هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل

القديد» [8] .

- كان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويحتلب الشاة. [9]

- كان يقول: «أنتم أعلم بأمور دنياكم ... » .

(فأي تواضع أعظم من هذا التواضع ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-

قائد الدولة وإمام المسلمين والمشرع لهم عن الله والموحى إليه من ربه ... ) .

وعليه فإنه ينبغي التنبيه إلى أن المسئولية تستوجب التواضع إذ أن التواضع

الحقيقي هو التواضع لله ومن عرف الله عرف الناس وأنزلهم منازلهم.

ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعرف الناس بربه فهو القائل أنا

أتقاكم لله.

وإن ارتباط هذه السمة بنجاح القيادة ينتج من معاني عديدة ينبغي التنبيه لها

أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: -

1- إن المتواضع لين، سهل المعشر، يفتح له الآخرون قلوبهم مما يسهل

عليه حين يكون قائداً مسئولاً القدرة على التوجيه وتملك زمام الآخرين من خلال

قلوبهم لا من خلال منصبه وجبروته وعنفوانه وهو ما يحتاجه القائد الناجح، إذ أن

الولاء الحقيقي للأفراد والمنظمات هو ما ينبع من حب الموالين واحترامهم لرؤسائهم.

2 - إن المتواضع أقدر الناس على الاعتراف بأخطائه إذ يدرك أن اعترافه

بوقوعه في الخطأ لا يسلبه احترام الآخرين له وليس هو الذي يقول ويتبجح بأنه

صاحب الحق دائماً بل هو على العكس من ذلك فاعترافه بالخطأ بصراحة وأمانة

وشجاعة هو تأكيد لبشريته وإتاحة المجال لإصلاح الخطأ بدلاً من الاستمرار عليه.

ولا شك أن هذا هو عين ما يتميز به القائد الناجح إذ لا يُقبل نجاح قيادة تصر على

الاستمرار بالخطأ.

3 - إن المتواضع يعطي الناس حقهم وقدرهم فلا يحتقرهم مما يساعد على

إيجاد روح المشاركة وإبداء الرأي وبروز الإبداع الذي يحتاجه أي قائد ناجح إذ لا

نجاح لقائد دون وجود هذه الروح بين مرؤسيه.

4 - إن المتواضع لا يعيش في عالم الغرور والتيه والكبرياء الذي يجعل

القائد يحسب نفسه وكأنه صاحب صفات ومزايا لا يملكها إلا هو وحده ثم لا يلبث

إلا قليلاً وتنكشف حقيقته فلا يبق له هذا النجاح المصنوع. يقول أحد العارفين:

«لا يمكن للرئيس أن يخدع مرؤوسيه طويلاً ولابد أن تكشفه الأيام والنوائب

فإذا كان متواضعاً أمام نفسه بقى قويا أمام الآخرين وإن كان صادقاً استطاع أن

يطلب الصدق من الآخرين» [10] .

5 - إن المتواضع تأبى نفسه أن يكون أنانياً لأن الأنانية هي وليدة الغرور

ولا يجتمع متضادان في نفس واحدة وعليه فإن القائد المتواضع هو الذي يعيش

ليحقق أهداف الجماعة والمصلحة العامة بدافع الواجب والذي ينجح ليحقق هدفاً

جماعياً ليس كفرد ينجح ليحقق هدفاً فردياً فالأول يكتسب بحبه للآخرين وولاءهم

والآخر ينتظر الآخرون فشله بتلهف.

6- إن المتواضع أعظم من أن يجعل لحب الظهور مدخلاً إلى نفسه، يقول

أحدهم: «يعمل الرئيس المغرور بدافع حب الظهور فيجد نفسه في النهاية محاطاً

ببطانة لا ترى إلا بعينيه ولا تسمع إلا بأذنيه فيفقد الفائدة التي يحملها إليه انتقاد

معاونيه الصالحين الذين يرون الاشياء من زاوية مختلفة، كما يفقد الاحتكاك مع

الوسط الذي يعيش فيه، فيصبح غير أهل للقيادة. [11]

رحم الله عمر بن عبد العزيز فلقد كان متواضعاً وكان قائدا أحبه الناس. يقول

سهيل بن أبي صالح» كنت مع أبي غداة عرفه، فوقفنا لننظر لعمر بن عبد العزيز، وهو أمير الحاج، فقلت يا أبتاه والله إني لأرى الله يحب عمر، قال: بم؟ قلت:

لما أراه دخل له في قلوب الناس من المودة «.

ولا عجب في ذلك فمن كان حاله ما أسلفناه من التواضع أحبه الناس، ولا

شك أن هذا هو معنى نجاح القيادة الحقيقي. [12]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015