عبد العزيز بن محمد الخضر
لم تكن الدعوة الإسلامية أشد حاجة لتوحيد الصف والاستفادة من هذا المد
الإسلامي مما هي عليه اليوم، فهي بحاجة إلى كل جهد - ولو كان قليلاً - وإلى كل
الطاقات في كل مجال لسد الثغرات، لذا فهي بأمسِّ الحاجة إلى استيعاب تعدد
النجاحات التي تصب في مكان واحد وتخدم مسار الدعوة.
متى تختفي ظاهرة الإعاقة في أسلوب الرد لمناقشة أية قضية وتُسْتَبْدَلُ
بالتشجيع والمساعدة وتعديل المسار بأسلوب لا يدخل منه الأعداء لتفريق الصف
وتشتيت الجهود، وتقدير عامل المصلحة والمفسدة ومتى..؟ وأين..؟ وكيف..؟ يكون هذا الرد.
هناك عدة أساليب تستخدمها نوعية من هواة رصد الأخطاء، بها يستطيعون
تخطئة أي عامل في حقل الدعوة ... وهم بها يحسمون القضية حتى لا يدعون
للآخر أية فرصة للمناقشة، وكأن وجهة نظهرهم هي الحق حتماً وما عداه باطل،
وإن كانت هذه الأساليب تستخدم عن حسن نية غالباً، إلا أنها تنشأ ممن لديهم خلل
في جانب تجعل النقاش معهم متعذراً.
قد يستخدم أحدهم حجة صحيحة، ودليلاً صحيحاً، وكلاماً عاماً لا أحد يخالفه
عليه، لكنك تجده يركز عليه تركيزاً يوحي للمتابع أن الطرف الآخر لا يوافقه عليه
- مع أنهم متفقون عليها - فيأتي بالنصوص وأقوال السلف وعموميات تبعده عن
الفكرة التي اختلف الرأي حولها، وخطورة الدندنة في هذا الأمر مع خصومه الذين
يوافقونه في المنهج تصبح وكأنها تهمة بطريقة إيحائية تجعله بعيداً عن منهج السلف، خاصة إذا لم يجد مع خصمه أمراً واضحاً لاتهامه بها.
أحياناً نجد الاختلاف في وجهة النظر في أمر واسع لا يتعدى كونه مستحباً،
لكنك تجد عند بعضهم الحماس لهذه الأمور حتى أنه يوالي ويعادي من أجلها، فمثلاً
عند الاختلاف حول أساليب الدعوة نجد أن هناك من يريد أن يحجر على من
يخالفونه في الرأي - وإن كان لا يطلب ذلك مباشرة - حتى في طريقة عرضهم
للقضايا في محاضراتهم ودروسهم وكتبهم، مع أنه لا يوجد خطأ شرعي، في
مضمون الفكرة التي يريد الوصول إليها أو إقناع المتلقي بها، ومع هذا نجد التُّهم
توجه إليهم بطريقة أو بأخرى وهي ناتجة عن ضيق أفق وعُقَدٍ نفسية ممن يخالفه،
فإذا لم يجد خطأ في الفكرة أوحى إلى المتابع أنه يخالف منهج السلف ويشابه أهل
البدع بطريقة غير موضوعية، وينصَّب نفسه حكماً.
إذا كان الردّ على أحد نفع الله به، وصار كثير من الناس يستمع له ويقبل منه
قال إن الكثرة لا تدل على صحّة المنهج ثم يستشهد بالأدلة وكلام السلف وهذا الكلام
صحيح، لكن هل قلة الأتباع وعدم النجاح في نشر الدعوة دليل على صحة
المنهج..؟ ! فهم يتعاملون مع هذا حسب الحاجة.
إطلاق تُهم عدم المنهجية عند فلان وفلان - أيضاً بطريقة إيحائية - خاصّة
عند كلامهم مع تفصيلات دقيقة حول أي حدث لتبرير عجزه، فتجده يقلِّل من شأن
أية معلومة صغيرة بحجة أنها لا تفيد المنهجيين في طلب العلم وتدريسه مع أن هذه
التفصيلات تعطي رؤيا أوضح، وتصور أكثر واقعية لكلّ حدث خاصّة أن الحكم
على الشيء فرع من تصوره، ومع هذا فهم يصرون على أن هناك استحالة للجمع
بين الاهتمام بالتفاصيل المعقولة للأحداث وبين المنهجية في طلب العلم،، والتربية
للأمة من خلال الأحداث ينبغي الاهتمام بها وهذا لا يتأثر بالكلام العام دون التعليق
والدخول في التفصيلات المعقولة للأحداث والتربية في كل حدث لا يكون أثره
إيجابياً إلا إذا جاء في وقته، لأن الجميع يتابعونه، أما إذا مضت السنون على
حدث فإنه يفقد قيمته حيث يندر المتابع له بعد هذه المدة، ونحن إذا تأملنا أهمّ
الأسباب التي جعلت الأمة تفقد وعيها وهويتها حتى وصلت إلى درجة كبيرة من
الانحراف في جميع المجالات، إضافة إلى جعلها لا تستفيد من الأخطاء في كل
مجال وكل حدث، نجد أهمها هو الإعلام بجميع أنواعه فهو الذي يوجِّه الأمة إلى ما
يريد، ولا يكاد يسلم من هذا إلا أقلّ القليل، فتأثيره شامل لجميع فئات المجتمع
ومختلف الأعمار ففي كلّ يوم، بل وفي كل ساعة والأمة تتربى على هذا.
ولو كان هناك استيعاب لتعدد النجاحات وعدم احتقار الجهود - لتسير
النجاحات بخطوط متوازية مع انطلاقها من قاعدة واحدة لا نقبل الاختلاف فيه -
لتوفرت الطاقات وتوحدت الأهداف..
فلينزل إلى الساحة من حصر نفسه علمياً داخل الغرف المغلقة، أو في الزوايا
والتكايا فلسنا بحاجة إلى متفرجين يجيدون فنَّ التنظير والتعليق على الأخطاء من
خلف الأسوار.