مجله البيان (صفحة 1488)

مأساة البوسنة والحل الغربى

المسلمون والعالم

مأساة البوسنة و (الحل الغربي)

رصاصة الرحمة

د. علي عبد الرحمن عواض

الإجماع الأوروبي الاميركي:

لمدة أشهر وأسابيع بقيت الولايات المتحدة تتلاعب بعواطف المسلمين وتدغدغ

مشاعرهم بالعزف على وتيرة التدخل العسكري لحماية (ضحايا الإجرام الصربي) ...

وتهدد برفع الحظر (حظر التسلح) عن البوسنة حتى يتمكن سكان البلد وجيشه من ...

حماية أنفسهم. ظلت أميركا تزيد من حدة وتيرة التدخل العسكري وضرب مواقع ...

الصرب.. حتى أوهمت المسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة بأن الفرج اقترب، ...

وأن الضمير الإنساني لا بد وقد استيقظ حتى كتبت جريدة الاندبندنت في عنوانها

الرئيسي [1] : (أوين يستجدي الأميركيين ألا يطلقوا النار) .

لكن الأحداث الأخيرة نقلت لنا صورة أخرى فقد وافق الأميركيون أخيراً

(ورضخوا للإصرار الأوروبي) ووقعوا على خطة جديدة لحل مشكلة البوسنة ...

والهرسك راعت (مشاعر الأوروبيين) وأخذت بالاعتبار الموقف الروسي الموالي ...

للصرب. وقع على (مشروع العمل المشترك، كل من أميركا، روسيا، بريطانيا، فرنسا وإسبانيا. بينما وقفت ألمانيا (وهي السند الأصلي لكرواتيا) موقف الناقد ...

والمشكك فيما توزعت الدول الأخرى بين مؤيد ومشكك ومعارض. معظم

المعارضة جاءت من باكستان وفنزويلا.

والخطة الجديدة هي عملية تقزيم جديدة - إن لم نقل إنهاء فعلي - للدولة

البوسنوية ولوجود المسلمين في هذا البلد، فالمناطق الآمنة هي جيوب سكانية -

مدن وقرى محيطة بها - تقل مساحتها بكثير عن مساحة الأقاليم التي حددها

الوسيطان الدوليان - سايروس فانس واللورد دايفد أوين في تقسيمها للبوسنة إلى

عشر مناطق عرقية بين المسلمين والصرب والكروات.

طبعاً الخطة كان لها وقع الصاعقة على مسلمي البلاد حيث صرح رئيس

البلاد علي عزت بيكوفيتش أن الخطة هي (خيانة) لقضية البوسنة والهرسك ودعا

شعبه إلى (القتال) لأنه (على ما يبدو فإن الحل الأوحد لإثبات حقنا في الوجود

والأرض.. إننى أدعو شعبي وكل المحبين لهذا البلد أن يتوحدوا ويقاتلوا من أجل

إبقائه ومن أجل إثبات وجودهم) [2] .

الصرب رحبوا بالخطة ورأوا فيها اعترافاً دولياً (بانتصاراتهم العسكرية) ...

ووصفوها (بالواقعية) مشيدين بالرئيس الأميركي على (مواقفه الحازمة) وبأنه ...

(سوف يكون رئيساً عظيماً لأنه لم يستمع إلى نصائح محبي الحروب ممن أرادوا أن

يقحموا الولايات المتحدة في فيتنام أخرى) [3] ، كما جاء على لسان زعيم صرب

البوسنة رادوفان كاراداجيتش. الكروات بدورهم لم يعلنوا رفضاً أو قبولاً لأن الأمر

لا يرتبط بهم كثيراً ولكون هذه الجيوب (مناطق آمنة) في إطار صربي صرف.

تهدف الخطة إلى حماية (ستة مناطق) أعلنتها الاتفاقية (مناطق آمنة) . ولا تتعرض لمئات الآلاف من المسلمين تحت سيطرة القوات الصربية والكرواتية أو المشردين في أنحاء أخرى من العالم. كما تهدف الخطة لوضع مراقبين دوليين على الحدود بين صربيا والبوسنة وزيادة عدد الجنود العاملين ضمن قوات الأمم المتحدة لحماية (المدنيين الأبرياء) كذلك وافقت على استمرار الحظر الجوي على البوسنة و (التحرك بسرعة لتشكيل محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب والسعي إلى تنفيذ خطة السلام الدولية على مراحل) .

المناطق (الآمنة) التي وافقت عليها أوروبا وأميركا وأقرتها الأمم المتحدة لا ...

تمتلك من مقومات الاكتفاء الذاتي شيئاً. فالصرب الذين يحاصرونها من جميع

جوانبها يستطيعون خنقها متى شاؤوا وبهذا فهي مناطق آيلة للسقوط آجلاً أم عاجلاً

للصرب الذين أكملوا المرحلة الأولى من إقامة دولة صربيا الكبرى.

المعلقون السياسيون والإعلاميون وصفوا هذه المناطق بأنها: (ليست سوى

مخيمات واسعة للاجئين لا تمتلك من مقومات القوة الذاتية شيئاً وتعتمد كلياً على

العالم الخارجي لاستمرارية بقائها. لذا فإن سقوطها أمر حتمي) [4] .

تقول مجلة الإيكونومست: إن هذه المناطق الستة (يمكن تسميتها بأي شيء إلا

بالآمنة، والمسلمون على ما يبدو بعيدون جداً عن الأمن في هذه المناطق فهي

محاصرة مخنوقة من الخارج ومزعزعة من الداخل اجتماعياً واقتصادياً ... على ما

يبدو أنه ليس هناك مستقبل للبوسنة (الحكومة البوسنية)) [5] .

ومع أن هذه المنطقة أُعلنت رسمياً (مناطق آمنة) فإن القصف العنيف

والحصار والهجوم عليها مستمر - بل بعنف لم يُشهد من قبل - ويبدو أن الأمم ...

المتحدة نفذت لديها تعابير الاستنكار لذا لم يكن رد الفعل - بالمستوى - حتى كلامياً. ...

الرئيس الأميركي الذي ندد في 21 أيار/ مايو بفكرة المناطق الآمنة رافضاً أن

يورط الولايات المتحدة في قضية ينتج عنها إيرلندا شمالية أو قبرص أو لبنان

آخر [6] .. عاد فصرح بعد يومين (23/5/1993) وأشاد (بالحل العملي الأمثل ... الذي سيكون الخطوة الأولى والمرحلة لإحلال السلام في البوسنة. واعتبر أن هذه الخطوة هي لمصلحة الشعب الأميركي ذاته! !) (الغارديان 24/935) . ...

عملياً فالخطوة الأميركية-الأوروبية الجديدة هي إنهاء، وبشرعية دولية،

لوجود البوسنة والهرسك كدولة ذات سيادة تتمتع بحريتها واستقلالها وتحويلها إلى

مخيمات كبيرة للاجئين يجردون من سلاحهم ويحبسون فيها.

الحلول البديلة:

كانت هناك بعض المعارضة داخل الولايات المتحدة كتلك التي برزت من

الديموقراطيين والجمهوريين الذين صرحوا على لسان نائبهم في البرلمان بوب دول: ... (أن الخطة جاءت لتمحي من الوجود شيء اسمه دولة البوسنة والهرسك) . وقد ...

صرح النائب الديموقراطي دانيال باتريك مونيهام: (إننا بهذا نُشَّرع للقتل الجماعي

والمجازر.. لم يشهد النظام الدولي ذلاً وعوجاً أخلاقياً لهذا منذ العام 1930) .

الدول الإسلامية - (بكل ما عُرف عنها في الفترة الأخيرة من حزم وشدة

وقرار) - عملت مع (الدول غير المنحازة) على إعداد مشروع قرار هدفه ...

(إطاحة استراتيجية الاحتواء للنزاع البوسنوي التي تبنتها الولايات المتحدة وروسيا

وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا في واشنطن في إطار ما يسمى برنامج العمل

المشترك) [7] .

ويدعم مشروع القرار استعداد عدد من الدول الإسلامية مثل باكستان والمغرب

للمساهمة بقوات ضمن إطار قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة في البوسنة والهرسك

وذلك لحماية المسلمين شرط (تمكين القوة الدولية من اتخاذ إجراءات لفرض التنفيذ، وشرط ربط حماية المناطق الآمنة في إطار زمني بتنفيذ خطة فانس أوين للسلام

لئلا يتكرس الأمر الواقع الذي أفرزته سياسة التطهير العرقي الصربية) [8] . وقد ...

أصدرت منظمة المؤتمر الإسلامي بياناً دعت فيه إلى توسيع قوة الحماية الدولية

لتشمل قوات الدول الإسلامية وأعربت باكستان عن استعدادها لإرسال كتيبة من

حوالي 400 جندي. ورحب الأوروبيون بالفكرة شرط انتقاء دول إسلامية مثل

مصر والمغرب والأردن وماليزيا وأندونيسيا وباكستان كرد على بلاغ الأمين العام

للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي أن (العجز بالميزانية والقوات يجعل الأمانة

العامة غير قادرة على تعزيز الحماية في المناطق الآمنة والذي يتطلب حوالي 10

آلاف جندي و700 مليون دولار) ..

(ودبت النخوة) في أحد السفراء المسلمين في الأمم المتحدة فصرَّح إثر

الاجتماع: (إن حجة الأوروبيين - خاصة الفرنسيين والبريطانيين منهم - أن عدم

فرض التنفيذ في البوسنة - الهرسك هي الحرص على سلامة وأمن قواتهم العاملة

في إطار قوة الحماية الدولية وأمنها، لذا فإن ردنا هو أننا على استعداد لإرسال

قواتنا والمخاطرة بأرواح شبابنا في البوسنة (..) ونريد بذلك منع تكرار التذرع

بالحرص على سلامة شبابهم (..) فلقد طفح الكيل) [9] ! !

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ... أبشر بطول سلامةٍ يا مربع

مناطق آمنة أو خطة فانس - أوين:

الأوروبيون والاميركيون الذين وقعوا على وثيقة أو برنامج (العمل المشترك) ...

والذي شاعت تسميته (مشروع المناطق الآمنة) علقوا على النقد الذي وجه إليهم

بأن خطتهم هذه ليست خطة جديدة بل هي خطوة عملية أولى لتطبيق خطة فانس -

أوين التي وافقت عليها الأمم المتحدة.

وبما أن المسلمين في وضع (كلما أشرق عليهم يوم ترحموا على الذي قبله)

أخذوا يطالبوا بالالتزام الكامل بخطة السلام الأولى والتي وقع عليها رئيس الدولة

علي عزت بيكوفيتش، وكان الكروات قد وقعوا عليها مسبقاً ورفضها الصرب

رفضاً قاطعاً، بعد أن وقع عليها زعيم صرب البوسنة كارادجتش معلقاً توقيعه

بشرط قبول برلمان صرب -البوسنة للاتفاقية وقد أجري استفتاء شعبي للصرب في

البوسنة أظهر رفضاً كلياً للاتفاقية. فإذا كانت الاتفاقية تحرم المسلمين من معظم

حقوقهم وتعطي للصرب والكروات أكثر مما يستحقون فلماذا يرفضها الصرب.

طبعاً الجواب المبدئي هو أن الصرب الذين لا يواجهون - على المدى البعيد

أو القريب - بأية قوة توقفهم عند حدهم، يرون أنه لا داعي لأن تتوقف (انتصاراتهم) عند هذا الحد. بل يجب أن يستكملوا مخطط إقامة دولة صربيا

الكبرى طالما الظروف العسكرية والسياسية (والإسلامية) ملائمة لهذا المشروع.

عرف الصرب من أين (تؤكل الكتف) وكيف. فقد أعدوا إلى جانب القوة ...

العسكرية الطاحنة جواً (شرعياً) داخل مناطقهم وبلادهم لتقبل فكرة إنهاء الوجود

الإسلامي في هذا القطاع من (أوروبا المتحضرة) . فكارادجتش نفسه شاعر قومي

طالما أثار حماسة أهل بلاده بقصائده الوطنية المليئة بالحقد والنقمة على الإسلام

وأهله. وأصدرت كنائسهم ورجالات دينهم (الفتاوى) بقتل المسلمين وسبي نسائهم

وإبادة أطفالهم وتدمير ممتلكاتهم أو مصادرتها وطردهم منها إلى غير رجعة.

الكنيسة الشرقية التي لا زالت تعيش مشاعر هزائمها مع الأتراك المسلمين

وجدت الفرصة سانحة للثأر ولإعادة الكرة عليهم. لذا وجدنا أن ناقوس الحرب قد

دُقّ في مناطق (أرثوذكسية) أخرى ليلبي أبناؤها نداء الدين في اليونان ورومانيا

وروسيا.. حتى وصلت أعداد مرتزقة تلك المناطق عشرات الآلاف ممن جاءوا (ليحموا الكنيسة من الأصولية الإسلامية) .

وقد عرف الصرب أيضاً من أين تؤكل الكتف (سياسياً ودبلوماسياً) . فقد ...

شاركت وفودهم في المفاوضات من أمريكا إلى بريطانيا إلى.. جنيف باسطين

الغطاء على العمل العسكري الذي لم يتوقف يوماً واحداً داخل البوسنة-الهرسك.

هكذا يأتي أعداء الإسلام إلى طاولات المفاوضات ورأينا كيف أتاها المسلمون أو من

يمثلهم في البوسنة وغيرها.

(الحلفاء المخلصون) ؛ الكروات:

منذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب الشاملة في البوسنة والناس تتداول أخبار

الحلف الكرواتي - المسلم في هذا البلد فحيناً يصفه بعض المراقبون بأنه حلف (صادق) وثابت لأن الكروات والمسلمين بحاجة إلى الوقوف في صف واحد أمام

جحافل الصرب القادمة من صربيا والجبل الأسود لتدعم كتائب صرب البوسنة

ومرتزقتها من روس ويونانيين، جاؤوا ليحموا الكنيسة الأرثوذكسية من (خطر

الأصولية الإسلامية) . وحيناً كان (المشككون) يرون أن الكروات يستغلون

المسلمين كوقود لمعركة يعرفون أن المسلمين لن يخرجوا منها إلا بخفي حنين

خاصة وأن (التجاوزات) التي كان يرتكبها عساكر الكروات كانت تزودهم بالأدلة

على صحة ادعاءاتهم، وبعد أن نشرت الصحف الألمانية خطة تودجمان -

ميلوسيفيتش [10] لتقسيم البوسنة وضمها إلى كرواتيا الكبرى وصربيا الكبرى

نشطت الزيارات وكثرت التصريحات لتؤكد أن لا صحة لهذا الادعاء وأن الكروات

متعهدين بوعودهم تجاه (رفاق السلاح) و (أصحاب الحق الشرعي) حكومة

البوسنة والهرسك.

وجاءت الحقائق والأحداث لتدفع بالأدلة وثيقة الخداع والنفاق الكرواتي وتبرز

حقدهم وتميط اللثام عن أنياب أبناء الكنيسة الكاثوليكية وحقيقة نواياهم تجاه هذه

الدولة الوليدة، فقد أبرز الكروات نواياهم علناً بعد العدوان الخفي المستمر والمتمثل

بحرمان جيش البوسنة من الإمدادات التي لا بد وأن تمر عبر الأراضي التي تسيطر

عليها القوات الكرواتية مباشرة بعد توقيع الرئيس البوسني علي عزت بيكوفيتش

على خطة السلام المقدمة من سايروس فانس واللورد أوين (وهو ما عرف بخطة

فانس -اوين) . وقبل التوقيع عليها أعطى الرئيس الكرواتي توجمان اليمين المغلظة

لرئيس البوسنة بأن جميع المساعدات على اختلاف أنواعها ستصل إلى قوات

الجيش البوسنوي بدون أي عراقيل فور توقيع الرئيس البوسنوي على الخطة.

وهذا ليس سراً فقد غطته وكالات الأنباء والصحافة الكرواتية قبل غيرها.

ولكن كعادتهم في حفظ العهود، قام أعداء الإسلام الكروات وبتوجيه من

رئيس الدولة الكرواتية بهجوم عسكري واسع شمل جميع المدن ذات الغالبية المسلمة

التي ضمها الوسيطان الدوليان إلى الجانب الكرواتي. وقد سبق الهجوم تحذير

وإنذار من القوات الكرواتية للجيش البوسني والمسلمين بأن (الجيش الكرواتي) ...

يجب أن يأخذ السيطرة على جميع المناطق الكرواتية. لذلك لا بد لجيش البوسنة أن

يذعن لأوامر قوات مجلس الدفاع الكرواتي، أو يسلم أسلحته أو يغادر فوراً الأقاليم

الكرواتية إلى الأقاليم المسلمة (كما جاء في المؤتمر الصحفي للناطق الرسمي

لمجلس الدفاع الكرواتي في 15/4/1993. علماً بأن الأقاليم المسلمة محتلة

بمعظمها من الصرب..

المدن والقرى التي يتحدث عنها الكروات هي مدن ذات غالبية إسلامية، وقد

ضمها الوسيطان إلى الأقاليم الكرواتية، ونظرة فاحصة في بعضها يوضح الأمر:

----------------------------------------------

المدينة عدد السكان [11] مسلمون: كروات: صرب: آخرون

----------------------------------------------

موستار 1260067 35% ... 34% 19% 12%

ستولاتس 180845 44% ... 32% 12% ... 3%

يابلانيشا 664 120 ... 72% ... 18% 4% ... 6 %

كونيتس 636 430 55% 26% ... 15% 4 %

ترادينك 401 700 ... 45% 37% ... 11% 7%

دوني واقف 232 240 55% 7% ... 38% ... -

غورني واقف130 250 56% 42% ... 1% ... 1% ...

بوغوينو 834 460 42% ... 34% ... 19% 5%

----------------------------------------------

لم يختلف الكروات كثيراً عن إخوانهم الصرب في معاملة المسلمين في

المناطق التي سيطروا عليها أو هاجموها. فقد طبقت القوات الكرواتية سياسة

الصرب بحذافيرها إذا لم نقل أنهم (أبدعوا) أكثر في إجرامهم. فسياسة التطهير

العرقي وقتل المدنيين الأبرياء وإحراق القرى المسلمة على أهلها ونهب الممتلكات

واغتصاب النساء والبنات القاصرات والذبح والتمثيل بجثث الشيوخ والأطفال أو

زجهم في السجون وإجبار المدنيين على حفر الخنادق في خطوط القتال مع المسلمين

أو استخدامهم كدروع بشرية في المواقع الكرواتية.. من معالم (الوفاء الكرواتي) ...

لمسلمي المنطقة.

مشاهد وأمثلة:

رافق الهجوم العسكري تخطيط لإذابة أي وجود إسلامي في تلك المناطق التي

يعتبر المسلمون غالبية في معظمها وذلك من خلال تطبيق الإجراءات التالية:

- فرض اللغة الكرواتية في جميع المراحل الدراسية عند المسلمين في الأقاليم

التي أصبحت من نصيب الكروات وفرض مناهج التدريس في جمهورية كرواتيا.

- إلغاء اسم (جامعة موستار) وفرض اسم (الجامعة الكرواتية بموستار) .

- تدمير المساجد (وبعضه ضارب في التاريخ قدماً إلى ما يقارب الـ 500

سنة) وإقفال جميع المؤسسات الإسلامية أو ذات التوجه البوسنوي المسلم. وقد نقلت

أجهزة الإعلام صور المساجد المدمرة والمآذن المتهاوية شاهدة على المؤامرة

الصربية - الكرواتية وخذلان العالم الإسلامي لهم. وقد تزامن ذلك مع حملة

الصرب لتدمير المساجد، خاصة الأثرية منها، في بانيالوقه وغيرها..

وقف مراسل التلفزيون البريطاني أمام أنقاض منزل أحرق كغيره من منازل

القرى التي هاجمها الكروات وقال: (اعتقد بأن المشهد لا تتحمله أعصاب ...

المشاهدين، ولكن لا بد من القول أن ما يحصل هنا أقل ما يمكن وصفه هو أنها

حملة لا ترحم طفلاً ولا امرأة ولا عجوز.. إنها حرب ضد الإنسان وحضارته) .

استخدمت القوات الكرواتية في جميع الجبهات الدبابات والمدفعية الثقيلة

لقصف المدنيين وضرب تجمعات اللاجئين.

- يوم 16/4/1993 مسحت القرية المسلمة الشهيرة (أحميتشي) في بلدية

(فيتيز) بالأرض. وقد نقل شهود عيان - ومنهم أفراد القوات الدولية - أن

الكروات أشعلوا النيران في البيوت وأجبروا الأمهات مع أطفالهن والعجائز على

القفز من الدور الثاني أو الثالث من المنازل الملتهبة. ثم بدأوا يجربون مهارتهم

القتالية بإطلاق النار عليهم وهم في الهواء.. والملفت للانتباه في القضية أن الإعلام

الكرواتي أشاع أن المسلمين قاموا بإحراق البلدة وقتل أهلها (بهدف إثارة الخلافات

بين المسلمين والكروات) ! !

- أحرق الكروات قرى روتيلويشينيسا وباليز ونهبوها واغتصبوا النساء

والبنات القاصرات وأحرقوا المساجد وساقوا أكثر من 2. 800 مسلم إلى ثكنة

الجيش بينهم الأئمة والدعاة وأبرز المثقفين في المنطقة لتبدأ معهم سلسلة التعذيب

والتقتيل.. الأخوي.

هذا غيض من فيض ما نشرته وسائل الإعلام الغربية والعربية وما لم ينشر

فحدث عنه ولا حرج. وبالتحديد الاتفاق الذي نشرت تفاصيله الصحف العالمية في

16 حزيران 1993 حيث توصل الكرواتيون والصرب في مدينة تشيليبيتشي

جنوب غرب البوسنة والهرسك إلى اتفاق ينظم عملية نقل السكان واستكمال عملية ... (التطهير العرقي) بينهما بدون إراقة دماء إن سياسة (فكي الكماشة) التي يتعاون الصرب والكروات على تطبيقها لكسر المسلمين تؤكد كلمات الرسول الأعظم - وكل ما قاله حق - (أمة الكفر واحدة) وصدق الله القائل: [ولَن ترْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..] [البقرة: 120] .

صناعة فلسطين جديدة:

أوجه الشبه بين مأساتي البوسنة وفلسطين أكثر من أن تعد وتحصى. ففي كلا

البلدين نجد أن العصابات والمرتزقة تأخذ بزمام المبادرة لتقوم بحملة شعواء على

الأهالي الأصليين في البلاد فتذيقهم أشد التنكيل في عمليات وحشية من قتل وبقر

بطون الحوامل من النساء، والاعتداء على الأعراض والممتلكات كتفريغ البلاد من

أهلها الأصليين لتهيئتها لقدوم جحافل من مرتزقتهم لتقيم دولة على أنقاض دولة أهل

الحق من أبناء البلاد.

وفي كلا الحالتين وقف العالم (المتحضر) إلى جانب المعتدِي لأن المعتدَى ...

عليه هو الإسلام وأهله. وطبعاً فإن الأمم المتحدة، والتي وجدت لمثل هذه

الأغراض، لا يسعها إلا أن تتبنى مواقف الكبار فيها وهم الأوربيين والروس

وأميركا، وموقفهم وتاريخهم مع الإسلام معروف.

ففي عام 1947 لجأت الأمم المتحدة إلى حيلة قذرة لتكريس شرعية الاحتلال

اليهودي بتبني قرارات التقسيم لتبدأ مرحلة الحوارات التي لم يحصد أبناء فلسطين

إلا مزيداً من الويل والضحايا والضياع. وهل يختلف الأمر كثيراً عندما تتبنى الأمم

المتحدة في 5/6/1993 قرار تقسيم البوسنة (على أن يبدأ بعدها الأطراف الثلاثة

مفاوضات من أجل حل القضية بالطرق السلمية) . فهل حلت المفاوضات السلمية

قضية ملايين اللاجئين الفلسطينيين وأين أصبح الفلسطيني اليوم؟ !

كتبت جريدة الاندبندنت البريطانية (25 /5/1993) مقالاً تحليلياً بعنوان ...

(فلسطين أخرى قيد التصنيع) (صلى الله عليه وسلمnother Palestine in the Making)

نترجم منه النقاط التالية:

(بغض النظر عن صحة أو خطأ الاتفاق الأميركي الأوروبي فإنه - أي

الاتفاق - لا بد أن يُرى على أنه نموذج آخر لنتائج أول حرب عربية-إسرائيلية

عام 1948 والتي أدت إلى تهجير 70. 000 فلسطيني من بيوتهم. الأمر الذي

أدى إلى تسميم ليس المنطقة فحسب بل والعلاقات الدولية منذ ذلك الحين) .

وسيراً على منهج الصحافة الغربية - والعربية هذه الأيام - في التحذير من

الإسلام و (أصولييه) فقد أضافت الأندبندنت: (.. المحزن جداً والخطير في هذه

القضية أن هؤلاء الضحايا من الاعتداءات الكرواتية والصربية وغياب القرار

الغربي هم الذين قدموا أنموذجاً جيداً لمجتمع متسامح متطور وغير متدين من

المسلمين. إن سقوط مثل هذا المجتمع تحت ضربات الديموقراطية الغربية سوف

تجعل من هذه الفئة من الناس أرضاً خصبة للمتطرفين والأصوليين المسلمين من

إيرانيين وسعوديين. إن السعودية لن تتردد في مساعدة ودعم هؤلاء الناس لبناء

مدراس وجامعات ومساجد. وطبعاً فلن يكون هناك نقص بالإمدادات العسكرية التي

سوف يستخدمونها لتوسيع دائرة) مناطقهم الآمنة (.. وعندها فإن التاريخ لن يرحم

المسؤولين عن مثل ما سوف يحدث) ! !

يهاجمون المسلمين ويخوفون منهم حتى في أحط وأدنى مراحل وجودهم. نعم

إن المعركة ضد الإسلام سوف توقظ كثيراً من النائمين في تلك البلاد، ولكن هل

هي حرب ضد (المتطرفين) المسلمين في البوسنة والهرسك؟ وهل لهم وجود

هناك؟ !

هل يقتل الطفل ابن الأشهر الثلاثة - حتى الجنين في جوف أمه المغتصبة -

لأنه متطرف أصولي يهدد بقنابله ومتفجراته سلام العالم وأمنه واستقراره. [قَاتَلَهُمُ

اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ] [التوبة: 30] .

الاجتماع الثلاثي الذي حضره رؤساء كل من صربيا وكرواتيا والرئيس

البوسني علي عزت في جنيف في 16/6/1993 على ما يبدو قد وضع النقاط على

الحروف وأسدل الستار عن آخر مشاهد المسرحية - المأساة التي سميت مفاوضات

السلام.

فالاجتماع أسفر عن خطة (معدلة) لمشروع فانس - أوين ينص على تقسيم

البوسنة إلى ثلاث دويلات عرقية بدلاً من عشرة أقاليم. وبهذا يكون الصرب

والكروات قد بدأوا المرحلة الثانية بعد الإجهاز على الهيكلية السياسية والعسكرية

لحكومة البوسنة وشعبها في المرحلة الأولى.

المرحلة الثانية هي بعينها إرهاصات المرحلة الأخيرة والتي تهدف إلى إتمام

المشروع بضم الأجزاء المغتصبة من البوسنة وضمها إلى دولتي صربيا وكرواتيا

ليبقى الجانب الإسلامي هو الطرف الخاسر الأوحد في معركة رفع فيها المسلمون

خيرة أبنائهم وأكلت ماكينة الحرب إمكانياتهم ولوثت كراماتهم أمام عدسات العالم

المتحضر! !

فهل يعتبر المسلمون من أن جولة السكين ليست بعيدة عن أعناقهم إذا لم

ينتبهوا ويواجهوا مأساتهم والواقع بأنفسهم وليس باستجداء العدالة والنصر من

مؤسسات قامت أصلاً لإذلال المسلمين وكسر شوكتهم. غداً تنتهي السكين من أعناق

مسلمي البوسنة والهرسك لتعمل في رقاب مسلمين آخرين في مكان ما من العالم.

وتستمر العلاقات الرسمية مع حكام صربيا وكرواتيا لأنهم من (الدول الصديقة)

ومن (مجموعة دول عدم الانحياز) وكأن شيئاً لم يكن. وبين شدة وصرامة الأمم ...

المتحدة في الصومال وضعفها وليونتها في البوسنة يبقى الدم الإسلامي يسير مهراقاً

باسم الشرعية الدولية.

أرقام للمقارنة [12]

المسلمون 45% من السكان يسيطرون على 14% من الأرض

الكروات 17% من السكان يسيطرون على 13% من الأرض

الصرب 31% من السكان يسيطرون على 70% من الأرض

سراييفو ومحيطها: منطقة سيطرة مشتركة.

خطة المناطق الآمنة

الخطة تحِّول مناطق المسلمين إلى مخيمات كبيرة تعج باللاجئين دون أي

ضمانات مستقبلية أو مقومات الاستقلال. الخطة الأخيرة التي وافق عليها الصرب

والكروات وديفيد أوين ورفضها المسلمون لم تنشر تفاصيلها بعد ولكنها تقترح تقسيم

البوسنة إلى ثلاث ولايات: واحدة للصرب وأخرى للكروات وثالثة للمسلمين

(وتتألف من شقين الأول في وسط البوسنة والثاني في مقاطعة بيهاتش في الشمال

الغربي من البلاد مع حق استخدام مرفأ على البحر الأدرياتيكي تحت حماية الأمم

المتحدة) . والخطة تقلص مناطق المسلمين أكثر مما اقترحته خطة فانس أوين وتبقي

على المناطق التي احتلها الصرب والكروات كجزء من ولاياتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015