مجله البيان (صفحة 1485)

شعر

سراييفو يا.. مدينة المساجد

إبراهيم داود

سراييفو

ماذا تبقّى لديكِ؟ وماذا لديّ؟

اعذريني فليس لديّ سوى جَسَدٍ مُثْخَنٍ بالجراحِ، وقَلْبٍ مُدَمَّى

وحُبٍ كبيرٍ، وإِرْثٍ دفيْن

اعذريني

إذا صار لونُك لونَ الرَّمادْ

وشَبَّ الحريقُ هنا وهناك، وعمَّ الحدادْ

اعذريني فليس لديَّ سوى أوتارِ قلبي، وَذَوْبِ فؤادي، وزَيْتِ عيوني

وأنّي سأبقى على العهد مهما تَجَّرعتُ مُراً وَصَابا

ومهما لَقِيُت على القرب والبعد فيك عذابا..

سأبقى ولو أنّ أهدابَ عينيك أضحتْ حِرابا

سأبقى وأَدْفِن ما بين عينيْكِ وَجْهي

لأِشمَّ طِيبَ رجالٍ يموتون مثلَ الرِّماحِ شبابا

وأبقى يَسُدُّون بيني وبينكِ باباً، فأفتح بابا

* * *

سراييفو

كنّا رفيقيِّ عذابٍ طويلٍ طويلْ

وَصَبْرٍ جميلٍ جميلٍ جميلْ

وَرِحْلَةِ بحث عن الضوِء والدِّفء، والممكنِ المستحيلْ

شقينا سَوِيَّا، شَبِعْنا وجُعْنا

وعند اشتداد الظلامِ افتَرَقْنا وضُعنا

وكانتْ رياحُ السَّمُومِ تُشَّتِتُ خَطْوي

وكنتُ أواصِل زَحْفي إليكِ

بِرَغْم عذابي، وَرَغْمِ عِثاري

وفي زَحْمَةِ الزَّحف والخوف

بيني وبينك كانتْ تموتُ المسافاتُ كالأُمْنِيات

وكنتُ أراكِ كَشَمْسِ النهارِ

* * *

يا سراييفو! أيتها الشهيدةُ الشاهدة! أيتها المجاهدة! أيتها الغريبة!

أيتها البعيدةُ القريبة!

يا دُرَّةَ البلادْ، يا حَبَّةَ الفؤاد

" يا مدينةَ المساجدْ.. " وأنّةً مكتومةً في صدرِ كُلِّ راكعٍ وساجدْ

يا كوكبَ الضياء، يا كَوْثرَ الدُّنى

يا حُزْمِة السناء والسنى

يا بُؤرةَ الآمالَ والآلام والمنايا والمنى

أَذِّني وأكثري من الدُّعاء

وكبِّري وسبحي لخالقِ السماء

تأَلَّقي وأشرقي في الصيف والشتاء

توهَّجي وأحرقي في الصبح والمساء

واصبري وأَبْشِري

ففي غدٍ سيطلع النهارْ

وفي غدٍ ستلبسين ثوبَكِ الجديدْ

وتطلعين من وراء ذلك الرُّكامْ..

بَهيَّةً كأنكِ القمرْ ويكتب التاريخُ في دفاترِ الأيامْ

تاريخك المجيدْ:

سراييفو ملحمةُ الجهاد

وقصةُ الإباءِ والظَّفَرْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015