خواطر في الدعوة
أصحاب العقل المعيشي
محمد العبدة
لا شك أن الحزب الأكبر داخل المجتمعات الإسلامية في هذه الأيام، هم من
وصفهم ابن القيم ب (أصحاب العقل المعيشي) الذين يقلقهم دائماً التفكير بكيفية رفع
مستواهم المعيشي، أو كيفية المحافظة على هذا المستوى. ترى أحدهم يفكر ليل
نهار في هذه الأمور، ويتعب نفسه ليل نهار بغية الوصول إلى مستوى يضاهي
أصدقاءه وجيرانه، فالأحاديث دائماً عن المسكن والملبس، وعن السيارة والأثاث
والراتب.
هؤلاء جمهور كبير، قد ألفوا هذه الحياة وعاشوا على هامشها. تتقطع بهم
الأيام والليالي، بلا هدف ولا رسالة، فهل يستطيع الدعاة نقل هذا الصنف من
الناس إلى الطرف الآخر، أو بالأصح الانتقال بهم تدريجياً ليصبحوا أصحاب مبدأ
ورسالة والتزام؟
ليس عسيراً نقل بعضهم على الأقل، وذلك عندما تُغشى مجالسهم، ويسمعون
التذكير البليغ والموعظة المؤثرة، وبيان عظمة الله في خلقه وأمره، وآياته في
الأنفس والآفاق، وأحاديث اليوم الآخر، ومصائر الشعوب والأفراد. من العصاة
قديماً وحديثاً وبيان محاسن الإسلام.
إن من الضروري للدعوة أن تنتقل إلى صفوفها أعداد غير قليلة حتى تفرض
نفسها على أرض الواقع، ومن الضروري أن ينتقل إليها من كان عدواً لها بالأمس
أو مُهملاً لها، فهؤلاء ربما يكونون أنشط وأقوى لأنهم يريدون تعويض ما فات من
التقصير والنقص، هناك أساليب كثيرة - غير ما ذكرنا - لاجتذاب أمثال هؤلاء أو
بعضهم، ولكننا نحن المقصرون في تجديد الوسائل الدعوية واستنفاذ كل الجهود
للاتصال بجماهير الأمة ودعوتها للالتزام بدين الله.
لقد سمع أحدهم حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو يفسر سورة
البقرة في أيام منى، فقال: لو سمعها اليهود والنصارى لأسلموا، وذلك دليل على
أن العلم بكلام الله ووضعه مواضعه الصحيحة قد يؤثر في أشد الناس عُتُوّاً،
وخاصة إذا خرج الكلام من قلب خالص يملؤه الاهتمام بأمر المسلمين.