الملف الأدبي
سراي ايفو = سراي البوسنة
محمود السيد الدغيم
سراي ايفو سراييفو
إذا ما قعقعَ المدفع
ورددتِ الجبال الشُّمُّ أصداءَ انفجاراتِ
وعاثَ القصفُ بالأرواح فاضطربت
وأصبح شعبُك المنكوبُ محتجزاً ومُغْتَصَبَاً
كما احتُجِزَت رُبوُع القدس بل أرض النبواتِ
فلا تدعي إلى الميدان أعراباً ولا عربا
لأنَّهم طوال الوقت مشغولونَ بالأفيون بالقاتِ
لقد أعموا عيونَهُمُ عن الماضي عن الآتي
وناموا في فراشِ الذلِّ ما اختلجتْ
جوارِحُهُمْ
بل انتشرتْ
فضائِحُهُم
وصبَّ الصِّرب حِقْدهُمٌ، وصوتُ رصاصِهم لَعْلَعْ
لقد خانوا، كما خانتْ جهاتُ العالم الأربعْ
وغاب الخُبزُ، غاب الأمنُ، غاب الحبٌّ، غاب العُرْبُ، غاب العدلُ
والإنصافُ والإسلام واكتأبت قلوبُ الناسِ وانحسرتْ
عن المأساةِ أفواجٌ وأفواجٌ، من التعتيمِ والتضليلِ والدجلِ
وفاضتْ أدمعُ الأملِ
وسادتْ موجة الإحباط وانتصرتْ
وماتت ثُلة الأطفال وانطفأتْ
بأعينهمْ خيوطُ النورِ للأبدِ
لقد حُرِقوا وأذرعهم مُشَبَكةٌ على الصدرِ
أمامَ الفرن ينتظرون تحتَ القصفِ والتجويعِ دهراً لقمة الخبزِ
وناغاهم حمامُ الجامع الباكي
ورَدَّدَت اليمَاماتُ التي في الجامع المأسور صرخَتَهُم
وعمَّ هديلُها الأنجادَ والوديانَ كالطوفانِ كالبحرِ
هديلٌ يوقظ الأشجانَ يا أبناءَ أُمَّتِنا
تُكرِرُهُ صحافتُنا إذا قُمنا إذا بِتْنا
وخالطنا من الأوهام ما يُوْهي عزيمتَنا
وما يُدمي كرامتَنا التي طُعِنَتْ
بمديةِ مجلس الخوفِ الذي سَموه مَيْناً " مجلس الأمن "
بسهم عصابةِ الأمم، وخائِبها الرخيص الأصل والفصلِ
تُرى هل تُحفظُ الأنسابُ إن خَضَعَت لأمرِ الحاقدِ النّغلِ؟
بلا شكٍ يُدنِّسُها - وَضِيْعُ النَّهج - بالوحل
ويقتلُها كما قُتِلَتْ سراييفو بِخُطّة " مجلسِ الأمنِ "
بخطةِ مجلسِ الأقباط والرومِ
بخطة " مجلس الكرواتِ والصربِ "
وَكَرَّرتِ الإذاعاتُ التي في الشرقِ والغربِ
صدى صوتِ الحماماتِ التي ناحت
وناحَ الغصنُ
ناح البرجُ
ناح الجسرُ والدوحُ
فلم يُجْدِ النّواح الناسَ وانْصَبَّتْ قنابِلُهمْ
وغطت نَوحَ من ناحوا من التُّجارِ قعقعةٌ
وفاضَ القصفُ، ماجَ الجمعُ والمجموعُ واجتمعت
أمام الفرن والفران جَدَّاتُ وأحفادُ
وعضَّ الجوعُ أكبرهم، وأصغرَهم
فَجمَّعهم، وأرسلهم إلى الفرنِ وحاصرهم ليستمعوا خطاب الكافر الأكبرْ
وخاطبهم خطيبُ الصِّرب بالبارود والمدفعْ
فلم ترجعْ - بُعَيْدَ القصفِ - كوكبةٌ من الجوعى إلى المهجعْ
لقد كُتبتْ بلون الدمّ ملحمةٌ أمامَ الفرنِ تُنبي عن تَخَاذلنا
ستحملها إلى الأجيالِ أجيالٌ وأجيالٌ
سَتَشتُمُنا سلالتنا إذا قرأتْ وقائعنا
إذا عرفتْ مواقفنا تواطؤنا
إذا عرفت تخاذلنا
لقد كِلْنا كما كالوا بمكيالين واغتلنا كرامتنا كما اغتلنا ديانتنا حضارتنا
لقد نمنا كأهلِ الكهف بل أكثر
وقعقع مدفعُ الأعداء بئس الضِّدّ والمدفعْ