الملف الأدبي
د. صالح الزهراني
تسعونَ قرناً، في هواك غريقُ ... من بعد هذا العُمر كيف أفيقُ
يا أيها الوجهُ الذي أحببتُهُ ... من أين يبتدىءُ الحديث مَشوقُ
تسعون قرناً، كان حبُّك رايتي ... ولمثل عينيك العذاب يروقُ
تسعون عاماً، والقصائدُ شُرَّعٌ ... والليل نزفٌ، والفؤاد حريقُ
ما قلت: يا أمي الحبيبة، خانني ... قلبي، فقلبُ المستهام صدوقُ
ما قلت.. أعلم أن حُبَّك واجبٌ ... وعليَّ في هذا الجهاد حقوقُ
كانت تضيقُ بي البسيطةُ كلّها ... ونفوسُ مَنْ حفِظَ الوداد تضيقُ
ويظل هذا الوجه غايةَ رحلتي ... والحرفُ حُرٌّ، والنّشيدُ سبوقُ
والشّعر منكوس البيارقِ، لم يزلْ ... والبيت فيه عناكبٌ وشُقوقُ
يتسابقون إلى القصيد جحافلاً ... تترى، وكُلٌّ خَانَهُ التّوفيق
وأَتيتِ فوق مطالعي شَمْسَ الضُّحى ... وعليَّ من حُلَلِ الضّياء بُروقُ
وقصيدتي من طُهْرِ وَجْهِك تَزْدَهي ... في كُلّ حرفٍ نضرةُ.. ورحيقُ
وأتيتِ يا وجْهَ الحياةِ، على فمي ... شجرُ له في الخافقين عروقُ
وأتيتُ ما ضيّعت عهد أميرتي ... فالعهدُ في لغةِ القلوبِ وثيقُ
يا عُنفوانَ الشِّعرِ حين أهزُّهُ ... والخطبُ هوْلُ، والمدارُ نعيقُ
تتخشَّبُ الكلماتُ، يصبح عَذْبُها ... شَجناً، فيا لِلْمُرِّ حين أذوقُ
أمي الحبيبة، يزدهون ببِّرهم ... والبرّ في هذا الزمان عقوقُ
أسرجتُ ظهر الشّعر قلتُ لك اركبي ... وركبت والمُهْر الحرون عتيقُ
تسعون قرناً، ما تراخى عزمُهُ ... فكأنَّه من حُرقتي مخلوقُ
واليوم يا نهرَ الجلال وسيفُنا ... خشبٌ وفارسُنا العظيم مَعوقُ
ما غيَّر الفكرُ الجديد مواقفي ... فالبعدُ بين الموقفين سحيقُ
أَنَّى أبيعك للظَّلام، وِلِلْخَنَا ... ضِدان ليلٌ أليلٌ وشروقُ
يتكالبون على جِراحِكِ، ما دَرَوْا ... أنَّ الكريمةَ دونها العيُّوقُ
ما ضرَّني لجبُ العُداةِ وحشدهم ... وَرَقُ العُداةِ بأرضنا محروقُ
ما ضرَّني إلا بَنُوْكِ تطاحنوا ... ماذا إذا طَحَنَ الشّقيقَ شقيقُ؟ !
في كلِّ قارعةٍ يُجالِدُ مَجْدَنا ... باسم الحضارةِ خائنٌ زنديقُ!
(يا عالمي العربيُّ) أين عُروبةٌ؟ ... من نَسْلِها الصدّيق والفاروقُ
(يا عالمي العربيُّ) أي عُروبةٍ؟ ... (والقبلة الأولى) دَمٌ وشهيقُ
(يا عالمي العربيُّ) أي عروبةٍ؟ ... في القلب حقدٌ، والكساء فسوقُ
(يا عالمي العربيُّ) ، كُلٌّ يدعي ... صدق الصّديق وما هناك صديقُ
ضيعت مبدأك العظيم، وليس في ... عصر الدراهم للبطالة سوقُ
دعْ هذه الألقابَ، دينك واحدٌ ... دينُ المحبَّةِ ليس فيه فُروقُ
من (قندهارَ) إلى (الرصافةِ) وحدةٌ ... (بيمار) يشرب من شَجَاه طُويْقُ
إني لألمح في يمينك رقدةٌ ... والكفُّ حتفٌ والحسامُ ذليقُ
ما خانَ هذا الكفَّ إلا ماكرٌ ... والمكرُ بالقلب الخؤوفِ محيق
يا فجرَنا الميمون ضَوْؤُك قادمٌ ... مهما يُعَششُ في العيون بريقُ
والأفق في عينيك يا محبوبتي ... معشوشبٌ، غضُ الإهابِ، وريقُ
تسعون قرناً والجراح مُرِبَّةٌ ... والوجهُ يندى، واللسان طليقُ
ما كلَّ زندُك، يا أميرةَ أحرفي ... زند العظيمةِ بالعظام خليقُ
ورحلتِ يَصْفَعُك العُبابُ بِكَفِّهِ ... ويعوقُ سَيِركِ عاصفٌ ومضيقُ
وبلغتِ كان بلوغُ أمرِكِ آيةً ... ولمن نجا فوق السُّيوفِ طريقُ!