عدنان محمد عبد الرزَّاق
إذا كانت وحدة العمل الإسلامي والتنسيق بين العلماء والدعاة والتشاور بين
الجماعات من الأمور المطلوبة أكثر من قبل وأشد إلحاحاً، فإن معاناة المسلمين،
وما يلاقونه من عذاب وقهر، وإذلال وقتل وتشريد، وما يخطط لهم عدوهم - مما
هو أشد وأنكى - يتطلب منا اليوم أكثر من أي وقت مضى الوقوف وقفة رجل واحد
لوضع حد لمعاناتنا، وإيجاد مخرج من هذا النفق المظلم، والبحث عن أسباب
ووسائل التمكين والعزة؛ فالدموع والآهات والحسرات ليست هي الرد الأمثل،
وكذلك الخطب والمحاضرات، اللهم إلا إذا كانت تدندن حول هذه المواضع وتمهد
لها.
لم يعد خافياً على أحد: أن العالم أجمع - قديمه وجديده - اتفق على ألا تقوم
للمسلمين قائمة، ونلمس ذلك صباحاً ومساءً، فماذا أعددنا لمواجهة ذلك؟ وعلى أي
شيء اتفقنا؟ .. أخشى ما أخشاه أن نكون اتفقنا على الشيء نفسه لكن بحسن نية،
وسلامة قصد؛ إذ كلمة الحق مرة، ولكن من مُر الدواء يكون الشفاء بإذن الله.
فحين يقول الزعيم: أنا ولا أحد غيري! ! وتدعي كدعوات هذه الجماعة وتلك،
ونبقى نحن على ما نحن عليه يستفحل هذا التنازع المؤدي للفشل وذهاب الريح! !
إن معرفة واقع المسلمين وأسباب ضعفهم، واكتشاف أمراضهم وعِلَلهم ليس
خطأً ولا عيباً، بل الخطأ في المجاملة والطمأنة بأننا بخير وأحوالنا في تحسن،
والنصر لنا، والمستقبل والصحوة، إلى آخر ما هنالك من هذه العبارات.
لا يشك أحد أن المستقبل لهذا الدين، وسيبلغ ما بلغ الليل والنهار، ولكن هذا
النصر من الله - تعالى - جعله الله - تعالى - على أيدي المسلمين أنفسهم،
وبجهودهم ونحن لسنا أعز على الله - تعالى - من رسوله الكريم؛ إذ أخذ بكافة
الأسباب، حين أراد الهجرة من مكة، من رفيق الطريق، والزاد والدابة،
واستئجار الدليل، وإخفاء الليالي، كل ذلك والله قادر على إيصاله إلى المدينة بأقل
من طرفة عين، لكنها السنن، والمدرسة التي يجب أن نتعلم منها ونتلمس خُطاها،
[أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ] [آل عمران:
142] .
إن التمني وأحلام اليقظة لا تنتج إلا حراباً تنحر رقاب المسلمين، بعد أن
أصبح الخوف والخنوع شعارنا، ونشيد أطفالنا الذين ينامون ويستيقظون على أحلام
الخوف والفزع.. حول ما يرون ويسمعون، فإذا قرأت كلمة (ذُبِحَ) فتوقع بعدها
المسلمين، وإذا سمعت (هُتِكَ) فلا بد أن تكون أعراضهم، وإن ذُكر الهدم
فالمقصود مساجدهم..
أيرضى عن هذا الذي نحن فيه مسلم يبتغي وجه الله واليوم الآخر؟ أترضى
عن ذلك جماعة تبتغي إعلاء كلمة الله وإقامة شرعه؟ .
وإني أقول الجواب: إن من لم يعمل لإيجاد مخرج مما نحن فيه، ومن لم
يسعَ حسب قدرته وطاقته، ومن لم يكن هذا همه، فليفهم نفسه أنه على خطر عظيم.
إن المسؤولية تكبر بكبر الموقع، والإمكانات، وإن مكان ذلك لا يعفي أحداً
منها، ومن يدري فرُبَّ كلمة في هذا الاتجاه يهيئ لها الله - سبحانه وتعالى -
القبول ممن بيدهم الاستطاعة والقدرة؛ فالحروب الصليبية كلها عائدة لبطرس
الراهب الذي جاب أوربا شرقاً وغرباً - لا يملك سوى الكلمة لتحريض النصارى
على تخليص بيت المقدس من أيدي المسلمين حسب زعمه.
ونحن في هذا المجال لا ننكر جهود بعض المخلصين ونداءاتهم من أجل وحدة
العمل الإسلامي ورصّ الصفوف رغم ما يعترض ذلك من صعاب ومشقة، ولكن
النتائج لم تُظهر أية مبادرة عملية في هذا الاتجاه، حيث كثرت الأقوال وقلَّت
الأعمال.
إن خلاص النية لله والتوكل عليه وتقواه أساس البداية الصحيحة السليمة؛
ومصداق ذلك قوله - تعالى -: [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً] [الطلاق: 2] . [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] [الطلاق: 3] ، ثم يأتي الإعداد والأخذ
بالأسباب؛ لقوله - تعالى -: [وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومَنَافِعُ لِلنَّاسِ]
[الحديد: 25] .