خواطر في الدعوة
محمد العبدة
مرت الدعوة الإسلامية في طورها الأول بتجربة قاسية، فقد امتحن الصحابة
الكرام وابتلوا بلاء شديداً، كما وقع لبلال وعمار وخباب - رضي الله عنهم
أجمعين-، وهذا الابتلاء لا بد منه في الدعوات، حتى تصقل ويقوى عودها،
ويزداد رجالها خبرة وتجربة وتمرساً في الحياة، فإذا مكن لهم في الأرض كانوا
على قدر المهمة المناطة بهم. وحتى لا تكون المحنة أقسى مما يتحمله بشر، فعندئذ
قد يتسرب اليأس والقنوط إلى النفوس، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يخفف من آلام أصحابه، ويدعوهم إلى الصبر، ويذكرهم بما وقع للمؤمنين من
قبلهم، ويبشرهم بأن سيكون بعد الضيق فرج بإذن الله، فكانت كلماته برداً وسلاماً
على قلوبهم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - وهو الرحمة المهداة -
يبحث عن مخرج لهذه المحنة، فأشار على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فهاجر
من هاجر في المرتين، وعاشوا هناك آمنين مطمئنين يعبدون الله دون خوف أو
أذى، واستمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبحث عن مخرج وفسحة أكبر
من الحبشة، حتى تأذّن الله بالفرج وذلك بإسلام نفر من أهل المدينة، ثم كانت
الهجرة الكبرى ثم كانت الدولة.
ابتلي المسلمون في هذه الأيام بلاء كبيراً، ورماهم الغرب وأتباعه عن قوس
واحدة، وقامت قيامة الإعلام عليهم. ينبزهم بألقاب هم بريئون منها، ويؤزون
عليهم من يكره الإسلام وأهله، ويحرضون عليهم السفلة ورعاع الناس.
والابتلاء إذا كان قاسياً قد يحطم الفرد، ويجعله في حالة شلل تام، بل قد
يحطم المجتمع إذا لم يكن متماسكاً وعلى درجة عالية من الأخوة والتناصر، وحتى
ذلك أو قبل أن يحدث ذلك فإن البحث عن مخرج لهذه الفتن المتلاحقة هو من مهمة
القيادات الواعية، والدعاة الصادقين، والعلماء العاملين، لا بد أن يرى الشباب
بصيصاً من الأمل، وبشارة بقرب زوال هذا الليل الذي طال وناء بكلكله على
صدور المسلمين، لا بد من عمل كبير، واجتهاد صحيح في كيفية التغيير، وإن
فقدان العلماء - الذين هم على معرفة بالواقع وعلى ارتباط به والذين يجتهدون لكل
حادثة، ويكون لهم تأثير كبير وفعال - يضر كثيراً بالعمل الإسلامي، ويجعل
الأصاغر يجتهدون ويخربون ولو كان ذلك بحسن نية. فهل من مبادرات لسد هذه
الثغرة، وحتى لا يقع المحذور.