مجله البيان (صفحة 1255)

الأفكار أساس التغيير

محمد محمد بدري

تنطلق أي أمة من الأمم في دربها الحضاري من مجموعة الأفكار التي على

أساسها تشيد الأمة صرح حضارتها، ويقدم الواقع شواهد عديدة على أن سلوك

الأفراد في مجتمع من المجتمعات ما هو إلا الترجمة العملية لما يؤمنون به من أفكار، ولهذا نجد أن المجتمعات تتقدم أو تتخلف تبعاً لنوعية الأفكار التي يعتنقها أفرادها

«فصحة المجتمعات أو مرضها أساسهما صحة الفكر أو مرضه» [1]

و «المجتمعات التي تدور في فلك الأفكار الصحيحة، تتفوق على تلك التي تدور في فلك الأفكار الخاطئة، كما كانت حال الأمة المسلمة الأولى في صدر الإسلام وتفوقها على مجتمعات الرومان والفرس وغيرها» [2] .

ومعلوم أن جزيرة العرب لم يكن بها قبل نزول القرآن إلا شعب بدوي يعيش

في صحراء مجدبة، حتى إذا جاءت أفكار الرسالة، تحول الرجال الذين لا يزالون

في بداوتهم والقبائل ذات الحياة الراكدة.. تحول هؤلاء إلى رجال يحملون للعالم

الحضارة ويقودون فيه التقدم والرقي. فماذا دخل حياة المجتمع العربي يومئذ؟ «لم

يدخل حياته عامل جديد ينقله تلك النقلة الهائلة في كل جانب من جوانب الحياة، إلا

ذلك التصور الاعتقادي الجديد.. ذلك التصور الذي جاء إلى عالم الإنسان بقدر من

الله، والذي انبثق منه ميلاد للإنسان جديد» [3] .

فهناك فكرة قد تجعل إنساناً ينحني ويسجد لصنم من الحجر، وفكرة أخرى

تجعل إنساناً آخر يحمل الفأس ليكسر ذلك الصنم! ! ولأن الأفكار بهذا القدر من

الأهمية، فإنه ومنذ أن تقرر في أوكار الصهيونية تدمير الخلافة الإسلامية، وأعداء

الأمة الإسلامية يحرصون على تخريب الفكر الإسلامي وتشويه العقل المسلم من

ناحية، ومن ناحية أخرى يقومون برصد الأفكار الفعالة التي تحاول إحياء الأمة،

لكي يقضوا عليها في مهدها أو يحتووها قبل أن تصل إلى جماهير الأمة فتصحح

وجهتها أو تعدل انحرافات أفرادها، ولتبقى الجماهير إذا اجتمعت تجتمع على

أساس العاطفة وتحت سلطانها، وليس على أساس (الفكرة.. والمبدأ) ..

ومن هنا كانت مخططات أعداء الإسلام «لاحتواء وتدمير الأمة الإسلامية

تهدف دائماً إلى هزيمة الأمة (فكرياً) ، لأن هزيمة الأمة في أفكارها تجرّدها من

الحصانة وتتركها فريسة لأي مرض أو وباء فيسهل بعد ذلك احتواؤها وتفكيك

معتقداتها» [4] .

وإذن فالمعركة بين الأمة الإسلامية، وأعدائها.. ليست معركة واحدة في

ميدان الحرب، بل هي معركة في ميدانين.. ميدان الحرب، وميدان الفكر..

والأعداء حريصون في ميدان الفكر على (احتلال) عالم (الأفكار) في أمتنا،

وحريصون في نفس الوقت على توزيع (نفاياتهم) الفكرية من أفكار اللغو كأشعار

الغزل والقصص الجنسي والأدب العاري.. وما إلى ذلك، حريصون على توزيع

هذه النفايات إلى أمتنا، لأنهم يعلمون أن الأمة التي تنتشر فيها هذه الأفكار الفاسدة

تصبح غثاء تدور به «الدوامات السياسية العالمية، ولا يملك نفسه عن الدوران ولا

يختار حتى المكان الذي يدور فيه، وهذا ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- وحذر منه:» يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها،

قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء

السيل « [5] .

إن أحاطة عدونا بنا، ووصولنا إلى مرحلة الشتات والفرقة، ودخول أمتنا

مرحلة (القصعة) .. كل ذلك» دليل على وجود خلل في البنية الفكرية والطروحات

العقيدية التي أثمرته، مهما كانت دعاوانا عريضة، وأصواتنا مرتفعة بالادعاء أننا

على النهج السليم « [6] ، ولذلك فإن العاملين في ميدان (إحياء) الأمة لا بد لهم من

التمييز بين (أسباب) مرض أمتنا و (أعراض) هذا المرض، فالأسباب في الحقيقة

(فكرية) أساسها المعتقدات والقيم والأفكار، أما الأعراض فهي سياسية واقتصادية

واجتماعية..، ومن هنا فإن بداية أي تغيير لا بد أن تحدث في الأفكار، وبقدر ما

تملك الأفكار رصيداً قوياً من الاستجابة لدى الأمة وتغييراً ملحوظاً في مجال

سلوكيات أفرادها وعلاقاتهم الاجتماعية، ستتحول هذه الأفكار ثقافة معطاءة يمكن

أن نقول إنها تشكل نقطة البدء في التغيير المنشود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015