مقابلة
البيان تحاور الدكتور
جعفر شيخ ادريس
الدكتور جعفر شيخ ادريس علم من أعلام الفكر الإسلامي ومن رواد الدعوة
الإسلامية في هذا العصر وقد زار المنتدى الإسلامي محاضراً في الملتقى الثالث
عشر وقد اغتنمت البيان هذه الفرصة لإجراء هذا الحوار:
* البيان: نود أن نبدأ الحوار معكم من زاوية الهم الثقافي، فهل أنتم راضون
عن المستوى الفكري للعمل الإسلامي بعد مرحلة الستينات، مرحلة سيد قطب
والمودودي؟ وهل هناك من جديد أو من تقدم في هذا المجال أم لا؟
* من ناحية كتب الثقافة العامة لا أظن أن هناك كتباً في مستوى هؤلاء الرواد
الأوائل، لكن الذي حدث - وهو شيء حسن نحمد الله عليه - نشر كثير من كتب
السلف، وانتشرت بين كثير من الشباب، خصوصاً في السعودية - البلد الذي
أعرفه - وأعرف أنه حصل شيء مماثل في بعض البلاد العربية الأخرى كمصر،
وهذه من الظواهر الجديدة التي لم تكن موجودة سابقاً. هذه الكتب الفكرية لها فوائد، وكتب السلف أيضاً لها فوائد، والشيء الأمثل أن يوجد هذا وهذا.
فنحن لا نريد أن نعيش فقط على كتب التراث، بل نريد أن نستفيد أيضاً من
هؤلاء الأئمة ومن مناهجهم، ونواجه مشكلاتنا بمستوى ثقافي وعلمي رفيع نرجو
أن يتحقق.
* البيان: تعني: لم يتحقق تطور قوي في هذه الفترة
* أظن هذا والله أعلم.
* البيان: لا شك أنه حصل رجوع إلى الأصالة، فأقبل الشباب على
الاستزادة من العلم الشرعي، مما أسهم في تصويب مسيرة العمل الإسلامي إلى حد
كبير. ولكننا نلاحظ أن مواجهة المسائل المتعلقة بفقه الواقع لا تزال دون المستوى
المطلوب.
* لقد كررت هذا الكلام كثيراً وأقوله الآن. أنا متصل بالحضارة الغربية وأنا
عندما أنتقد، أنتقد أيضاً نفسي لأني كنت من الذين يُتوقع منهم شيء في هذا السبيل. وأنا ما زلت أقول لإخواني: ينبغي أن لا نخدع أنفسنا ونظن أن الغرب يعدنا
تحدياً فكرياً، أنا لا أظن إلى الآن أن الغرب يعدنا تحدياً فكرياً، ربما بعض
المستشرقين الذين درسوا الإسلام وعرفوه قد يعتبرونه تحدياً فكرياً، لكن عامة
المثقفين الغربيين كانوا يعدون الماركسية تحدياً فكرياً ويناقشونها، وتجد أن بعض
الطلاب والأساتذة صاروا ماركسيين، لكن لأن الماركسية أيديولوجية غربية انتقدت
الرأسمالية، وانتقدت الحياة الغربية بمستوى فكري كبير. أما نحن فإلى الآن لا
توجد لدينا كتب تضاهي كتب الأقدمين في نقد النصرانية أو في نقد الفلسفة، ككتب
الغزالي وابن حزم وابن تيمية وغيرهم في مواجهة الفكر غير الإسلامي، حتى
كتابات الدعاة الكبار التي ذكرناها لا تكفي، لا يوجد لدينا شيء يمكن أن يقرأه
المثقف الغربي ويعتبره نقداً قوياً فينبهر به ويقول: إن هذا نقد قوي.
* البيان: أظن أن هناك نوعاً من التبسيط لقضية فهم الغرب وتحديه، الآن (شعار المسلمون قادمون) رفعته مجلات في أمريكا وكتبت مقالات رئيسية في المجلات اليمينية المعروفة، وأساتذة جامعيون كتبوا أن المسلمين قادمون، والإعلام سواء المسموع أو المكتوب اهتم بهذه القضية. وهناك نوع من الأحاديث عن الوحدة الأوربية وأثرها في ضبط منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المستقبل، وهناك نوع من الكلام والتحركات السياسية والعسكرية وغيرها للمحافظة على النفوذ في العالم الإسلامي في المرحلة القادمة خوفاً من الإسلام، فهل من المناسب الآن أو هل من الحق أن نقول: إنهم لا يشعرون بالتحدي الفكري، أظن أنهم يشعرون أن الإسلام كمجتمعات تشعر بهويتها، ويمكن أن تتحد سياسياً ويمكن أن تكون قوة مواجهة يمثل تحدياً فهم يضايقهم أن الصين ليست في صفهم فكيف إذا ولد عالم إسلامي.
* قلت: أنهم لا يشعرون أنه تحدٍ فكري، أما كونه تحدياً سياسياً اقتصادياً
فطبعاً، يمكن لأي قوة أن تصير تحدياً والذي أقوله أنهم لا يعدوننا تحدياً فكرياً.
وصورة الإسلام عندهم ليست هي الصورة الصحيحة، حتى الصحفيون الذين
يكتبون عن أحوال العالم الإسلامي وعامة المثقفين وحتى الذين يهتمون بالشرق
الأوسط والعالم الإسلامي؛ ليست صورة الإسلام عندهم هي الصورة الصحيحة،
والذي يخيفهم ليس هو الإسلام الذي نعرفه. وهذا أمر طبيعي فإذا كانت صورة
الإسلام ليست هي الصورة الصحيحة حتى في قلوب وعقول معظم المسلمين؛
فكيف نتصور أنها تكون هي الصورة الصحيحة عند الغربيين؟ ! أنا لا أقول إنهم
لا يعتبروننا تحدياً أو لا يخافون من الإسلام أو أنهم لا يعدون العدة لمواجهة الإسلام؛ لكن أقول أولاً: هذا الإسلام الذي يخيفهم لا يعدونه تحدياً فكرياً. وثانياً: الصورة
التي يخافون منها هي في غالبها ليست الصورة الإسلامية الصحيحة وعندهم خلط
عجيب، فلا تراهم يفرقون بين رجل يفهم الإسلام وتطبيقه، وبين صدام حسين
مثلاً.
* البيان: نحن متفقون على أنه في الوقت الحاضر عندنا تراجع في إنتاج
دراسات فكرية، أو في تكملة ما بدأه بعض المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث، وعندنا الآن فقر فكري شديد، لا شك في ذلك، ما سبب ذلك؟ هل الموضوعات
التي تصلح أن تكون مدار بحث ودراسة أم أن هناك أسباباً أخرى طرأت كفقدان
الحرية مثلاً؟
* أنا أقول: إن جزءاً منها راجع إلى الأفكار؛ فهؤلاء الرواد الأوائل عاشوا
في أجواء من الحرية، نحن الآن قد لا نتمتع بها، وتثقفوا وكونوا أنفسهم، وهذا
التكوين كان شخصياً فالمودودي، وحسن البنا وسيد قطب.. هؤلاء عاشوا في
أجواء ديموقراطية نسبية، وكونوا أنفسهم، وهناك سبب قد لا يرضى عن ذكره
المتأثرون بالعقليات الحزبية، وهو أن هؤلاء كونوا أنفسهم خارج التنظيمات،
ولكن المؤسف أن حركة هؤلاء الرواد التي تحولت إلى تنظيمات كانت هي من
أسباب الركود الفكري، لأن كثيراً من الشباب اكتفوا بالحركة اليومية والمواجهات
السياسية، وظنوا أن ما كتبه الرواد يكفي، والمهم أن نقوم بشيء عملي! مع
الأسف عملهم هو الذي أدى إلى هذا الركود.
* البيان: لكن إذا قلنا أن التنظيمات هي من الأسباب؛ هناك من الناس
خارج التنظيمات وهم مفكرون وعندهم قدرات لماذا لا يكتبون؟ إذاً العامل الرئيسي
هو الجو المخيم، انعدام الحرية وحالة اليأس الفاشية بين المسلمين الآن، يقولون:
ما الفائدة من الكتابة؟ الإسلام مهدد في عقر داره.
* نعم هذا السبب الأول الذي قلناه، وهو سبب إضافي، والذي قلته عن
التنظيمات هو شيء معروف ليس فقط في التنظيمات الإسلامية، بل حتى في
التنظيمات الأخرى، أحياناً التنظيم يصور للشخص المنتمي إليه أن مجرد الانتماء
إليه عمل عظيم، ويكتفي بهذه الاجتماعات، كان بعض الغربيين قد لاحظوا تشابهاً
بين الحزب الشيوعي والكنيسة الكاثوليكية، قالوا: إن كثيراً من المفكرين ضاقوا
بالكنيسة الكاثوليكية لأنها تخنقهم، فخرجوا منها، وأن الحزب الشيوعي قد أخذ
كثيراً من مواضعات الكنيسة الكاثوليكية فصار قرار الحزب عندهم جزءاً من
الشيوعية، كما أن قرار البابا جزء من الدين، وإلى حد ما لولا أن الإسلام فيه كلام
واضح عن أن مصادر الدين هي الكتاب والسنة فإن بعض الأحزاب كادت تجعل
قراراتها جزءاً من الدين، وإن لم تقل ذلك صراحة؛ لكنها تهتم بالالتزام بها أكثر
من اهتمامها بالالتزام بكثير من نصوص الكتاب والسنة، وتجد كثيراً من الشباب
المنتمين إلى التنظيمات يلتزم فعلاً ولا يداخله شك في وجوب الالتزام بقرارات
التنظيم، وإن داخله شك في الالتزام في بعض النصوص الشرعية أو أنه يتسامح
في بعض الأمور الشرعية أكثر من تسامحه في الامور التنظيمية، على كل حال
غاية ما يقال أنه سبب من الأسباب وليس هو السبب الرئيسي..
* البيان: ذكرتم في الحديث عن الغرب وقضية المواجهة أن في الغرب الآن
عودة إلى الإيمان بالخالق، كيف هذا، وهل نعتبر هذه نقلة تساعدنا في دعوتهم
للإسلام؟
* استقر في أذهان الغربيين في الماضي أن مسألة وجود الخالق هذه مسألة
انتهت، عندما كنت طالباً أدرس الفلسفة (الغربية) ؛ كان الشيء الشائع بين الفلاسفة
أن هذا الموضوع انتهى، لكن الذي فتحه الآن ليس الفلاسفة وليس رجال الدين،
بل رجال الفيزياء، الفكرة ببساطة أنه في الماضي كان يقال بحسب النظرية
الفيزيائية القديمة أن هذه المادة أزلية لم تخلق ولا تنعدم، فالسؤال من أين جاءت لا
يطرأ، وهذه هي التي بني عليها الإلحاد الأوروبي تقريباً ولا سيما الإلحاد الماركسي، النظرية الحديثة التي يسمونها الانفجار الكوني العظيم تقول: إن الكون كله كان ...
في شكل ذرة صغيرة وأن هذه الذرة مسبوقة بالعدم، فصار السؤال: من أين
جاءت، - سؤالاً مشروعاً - ففتح الباب بهذه الطريقة، لكن مع الأسف من الأشياء التي نحن ملامون عليها أنهم عندما بدأوا بمناقشة هذا الكلام لم يجدوا عندهم شيئاً إلا كتابات فلاسفتهم وفيها الكثير من الخلط الفكري، وأنا حاولت في مقال سينشر في شكل رسالة صغيرة أن أجمع حججهم الحديثة التي يدافعون بها عن الإلحاد بالرغم من حدوث المادة، وجئت بكلام العلماء المسلمين كالغزالي وابن تيمية في رد الحجج العقلية الشائعة بين الفلاسفة، تستغرب أن عقل إنسان يقول لهم أن شيئاً يأتي من العدم، القرآن يقول: [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ] ، يعنى إما أحد هذين أو أن له خالقاً، وكل من هذين مستحيل لذلك جاء ذلك في القرآن بصيغة سؤال استنكاري [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) خلقوا أنفسهم؟ ! هذا مستحيل، الذي يقوله الآن كبار هؤلاء الفيزيائيين والفلاسفة هو أحد هذين: إما أن يقول المادة خلقت نفسها، أو يقول أنها جاءت من العدم، وقليلون هم الذين يقولون ليس هناك مخرج إلا في وجود خالق، فلو أن الفكر الإسلامى كان متصلاً بهذه المسائل، ولو أن المسلمين شاركوا لربما ساعد ذلك على أن يعود هذا العلم الشارد إلى الله، وقد شجعت بعض الإخوان الذين أعرف أنهم متعمقون بعلم الفيزياء ولهم معرفة حسنة بدينهم أن يكتبوا في هذه القضية التي أصبحت الآن مفتوحة.
* البيان: لا يسمحون، فهم لا يعترفون بعالم عربي أو مسلم فيزيائي أحب
أن يكتب بحثاً في هذا الموضوع. لا أظن أن هناك دورية أو مجلة تنشر له هذا
البحث.
* ما داموا هم يكتبون تستطيع أن تناقشهم، وبعض الإخوة الآن يكتبون في
المجلات الفيزيائية في الاتجاه العادي، أما الموضوع الديني فقد أصبح موضوعاً
شائعاً بينهم، والمهتمون بعلم الفلك وأصل الكون يسمحون، ولا يشترط أن أقول
لهم هذا إسلام أو غير إسلام، الحجج التي عرفتها من الدين وعلماء المسلمين
أذكرها وأبطل بها حججهم.
* البيان: لكن أنت سوف تتعرض لأشياء إسلامية استقيتها من القرآن الذي
نعتقد - نحن المسلمين - أنه وحي من السماء، وهم يرون أنك تتحدث عن أمور
هي عندهم غيبية وليست عالمية.
* لا ينبغي أن أطرح هذه المسألة، لأن المناقشة عقلية: هل الكون له خالق؟ ومن المفروض أن أواجهه بما عندي من حجج عقلية أخذتها من كتاب الله وسنة
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو بحسب ما وسعها علماء المسلمين وشرحوها، طبعاً لا أواجهه بأن القرآن قال كذا أو السنة قالت كذا. لأنه لا يؤمن بالأصل
حتى إني قرأت منذ أيام كلاماً لشيخ الإسلام فحواه أن الخطاب في مكة كان: يا أيها
الناس، لأن الكلام كان عن أصول الدين، والذي لا يؤمن بالأصول لا يخاطب
بالفروع، وما نزلت] يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا [إلا في المدينة ومعها أيضاً] يَا أَيُّهَا
النَّاسُ [فنحن الآن في عصر نقول فيه يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا، فعندما
نقول يا أيها الناس نواجههم بأصول الدين وبحججه العقلية والعلمية لا بالاستناد إلى
مصدرها.
- يتبع -