محمد آل الشيخ
[ألبانيا جمهورية اشتراكية شعبية قائمة على الحكم المطلق للطبقة الحاكمة.]
[حزب عمال ألبانيا هو السلطة السياسية الوحيدة التي تقود الدولة
والمجتمع.]
[الماركسية اللينينة هي المذهب الحاكم.]
هذه فقرات من دستور ألبانيا التي كانت الدولة الإسلامية الوحيدة في أوربا..
فكيف جاء الإسلام إلى هذه الدولة الأوربية؟ ثم كيف صارت هذه الدولة المسلمة
شيوعية وجمعت بين التناقضات؟ وما هو حال أهلها اليوم؟ وما مستقبلهم؟ هذا ما
سنتناوله في هذا الموضوع.
تاريخ الألبان:
تفوق قدرة التحمل للشعب الألباني ما نسمعه اليوم عن المجاهدين الأفغان، بل
تكاد تتطابق طبيعة الشعب الألباني مع طبيعة أرضه، ويصح لنا القول أن
التضاريس الجبلية لألبانيا أكسبت الشعب قدرة فائقة على التحمل، وهذا هو التفسير
الذي كان يبحث عنه العالم وهو يسمع بالأهوال التي كانت وما زالت تصب على
رأس الألبان وهم صابرون متحملون، بل أحياناً يلجأون بأنفسهم إلى الخيار الصعب، كما فعلت الأقلية الألبانية في يوغسلافيا عندما اعتصموا أسابيع في المناجم على
عمق مئات الأمتار تحت نير الاضطهاد الصربي الحاقد، وذلك بعد أن طالبوا
بالحكم الذاتي.
وساعدت الأرض وطبيعة الشعب على محافظتهم على هويتهم ووجودهم،
رغم ما عانوه من اضطهاد طوال مئات السنين وما وقعوا تحته من احتلال وحروب. ولقد دفع الشعب الألباني عبر التاريخ الثمن غالياً لموقع بلاده الصعب بين كثير
من الإمبراطوريات ابتداء باليونان ثم الرومان وانتهاء بالصرب والشيوعيين.
دخول الألبان إلى الإسلام:
عرف الألبان الإسلام في وقت مبكر من القرن الحادي عشر الميلادي عن
طريق التجار المسلمين، ولكن لم تشهد ألبانيا إقبالاً على الإسلام إلا بعد ذلك ففي
القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) كانت الجيوش العثمانية الإسلامية عام
7890 هجرية (1389م) بقيادة مراد الأول قد وصلت إلى إقليم كوسوفو الذي تحتله
يوغسلافيا الآن فكان ذلك أول احتكاك للألبان بالدولة الإسلامية. ثم بعد ثلاث
سنوات عاد ولده بايزيد لمواصلة عمل أبيه، ففي العام التالي استطاع أن يفرض
الولاء على ألبانيا من دون حرب فدانت له ودفعت الجزية عام 1393م وظلت على
هذه الحال 60 سنة. ثم عاد الألبان وانتفضوا على الدولة العثمانية، وأخيراً انتصر
العثمانيون نصراً نهائياً عام 882 هجرية (1479م) ولم تحدث في البلاد بعدها
مقاومة منظمة، وإن بقيت المواني بعيدة عن سلطة العثمانيين مدة أطول حيث
فتحت انتيفاري آخر مدن ألبانيا عام 979 هجرية.
ولقد كانت الدهشة كبيرة حيث تحولت غالبية الألبان إلى الإسلام في أقل من
مائة سنة، ولعل من أهم أسباب ذلك أن الألبان عرفوا ولأول مرة في حياتهم الدين
الذي يناسب الفطرة، وعرفوا شيئاً من التحسن في الأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية، وكذلك كان هذا التحول الجماعي ردة فعل قوية لمحاولات اليونان
والرومان حملهم على التنصر بالقوة.
والخلاصة أن الألبان كانوا تجربة فريدة واجهها العثمانيون في البلقان، حيث
كانوا في كل بلد يواجهون ثقافة وحضارة وأوضاعاً اجتماعية وإدارية ودينية قوية
تظل تطبع أهلها في جانب من جوانب حياتهم حتى بعد دخولهم تحت المظلة
العثمانية، أما الألبان فكانوا أقرب إلى الفطرة الأولى، فكان من السهل عليهم أن
يعيدوا تشكيل حياتهم وفقاً لدينهم الجديد.
ألبانيا تصبح ولاية عثمانية:
سارعت الدولة العثمانية إلى إعطاء الألبان المواطنة الكاملة وحق تقلد أعلى
المناصب في الدولة، فألبانيا غدت ولاية عثمانية وأهلها أصبحوا مسلمين.
وكان للألبان دور كبير في دعم الدولة العثمانية، وشاركوا في شتى المجالات، فظهر منهم الوزراء والقضاة والكتاب والدبلوماسيون، ولكن كان المجال العسكري
هو المجال الأكبر الذي شاركوا فيه، فسارع الألبان إلى الانخراط في الجيش
العثماني، وسبب برزوهم في هذا ما عرف عن القوم من شدة وشجاعة وقوة وبأس
فاعتمدت عليهم الدولة عسكرياً اعتماداً كبيراً وشكلوا عماد الجيش العثماني، وهذا
من أهم أسباب انتشارهم الواسع في الولايات العثمانية، فقد كانوا على درجة عالية
من الإخلاص والانضباط والبأس في الحروب. وهؤلاء هم الذين يعرفون في البلاد
العربية بالارنؤوط، وهو الاسم الذي أطلقه عليهم العثمانيون.
وكانت أعظم مشاركاتهم في الدفاع عن الحدود الغربية للدولة العثمانية في
مواجهة دول أوربا التي ما فتئت تحاول دحر العثمانيين واسترجاع ما أخذوه من
أوربا.
وظلت ألبانيا تؤدي دوراً مهما داخل الإمبراطورية العثمانية حتى نهاية القرن
التاسع عشر الذي ظهرت فيه النزعة القومية، وحميت فيه كذلك الحرب مع روسيا
ودولة النمسا والمجر وتبع ذلك بداية انهيار الدولة العثمانية وضياع ولاياتها في
أوربا وغيرها، خاصة بعد إرغام الدولة العثمانية على توقيع اتفاقية سان استيفانو
مع روسيا عام 1878م فلم يبق مع الدولة العثمانية في البلقان سوى ألبانيا ومقاطعة
البوسنة والهرسك وسالونيك شمال اليونان، والجديد في هذه المعاهدة أنه تم ولأول
مرة تقسيم ألبانيا حيث اقتطع جزء من أراضيها وهو بعض مقاطعة كوسوفو وضم
إلى دولة الصرب، وظهرت على السطح في تلك الأثناء القومية الألبانية لأول مرة
وكان الذي أذكى نارها فرنسا وإيطاليا وألمانيا، لتقويض الإمبراطورية العثمانية
تمهيداً لإبعادها عن الإسلام، وقد أدى ذلك إلى صراعات بين الألبان المناوئين
للانفصال عن الدولة والألبان المؤيدين لذلك، ولكن الدول الغربية ضغطت على
الدولة العثمانية من جديد وأرغمتها على توقيع معاهدة برلين التي تنازلت فيها عن
بعض الأراضي الألبانية، مما أدى إلى تقسيم جديد للأراضي الألبانية، الأمر الذي
آثار جميع الألبان على الخلافة وأظهرت تلك الأحداث بجلاء قوة القومية الألبانية
ومدى تغلغلها في النفوس، وعدم قبولهم لتقسيم أراضيهم وشعبهم، فثاروا ثورة
عارمة مطالبين بوحدة الأمة الألبانية والدفاع عن حقوقها بل والانفصال عن الدولة
العثمانية، هذا الانفصال الذي جر عليهم الويلات فيما بعد، ومع أن الدولة العثمانية
قمعت هذه الثورات بشدة إلا أن نارها لم تخمد، وظلت متقدة بشكل أو بآخر إلى
يومنا هذا، فما زالت لديهم نزعة قوية لتوحيد شعبهم وأراضيهم.
وانتهى بهم المطاف حين ظهرت القومية الطورانية في تركيا على يد مصطفى
كمال، وذوبان الرابط الديني الذى كان يربط ولايات الدولة، فثار الألبان ثورتهم
النهائية على الدولة العثمانية عام 1909 م، ثم ما لبثت أن نشبت حرب البلقان عام
1912 م وهي الحرب التي أنهت فعلياً علاقة ألبانيا بالدولة العثمانية، وبدأت خطاً
شديداً في حياتها يبعدها عن الإسلام شيئاً فشيئاً لحساب القومية الألبانية.
ألبانيا بعد العثمانيين:
كانت المؤامرة على الدولة العثمانية كبيرة، وكانت مصممة بحيث تقضي
تماماً على كل أثر للإسلام في أوربا، بما فيها ألبانيا. فكان نصيب ألبانيا أن تحتلها
إيطاليا بعد سنتين فقط من رحيل العثمانيين عنها أي في عام 1915م.
وبعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولتين الكبيرتين في ذلك الوقت الدولة
العثمانية ودولة النمسا والمجر، أعاد مؤتمر باريس عام 1919م تقسيم المنطقة
فكافأ الصرب على بلائهم في الحرب ضد العثمانيين فضم إليهم كثيراً من أراضي
الدول المجاورة وعلى رأسها مقاطعة كوسوفو كاملة مع أنها أرض ألبانية وأهلها
ألبان مسلمون كما أخذ منها أيضاً منطقة شامريا وضمت إلى اليونان. فجنت ألبانيا
من انفصالها عن الدولة العثمانية ثماراً سيئة، فصارت ألعوبة للدول الكبرى في ذلك
الوقت، وبعد أن استقلت عن إيطاليا عام 1925 م عاد الإيطاليون واحتلوها عام
1929م وبقيت تحت الاحتلال الإيطالي أربع سنوات، ثم احتلها الألمان عام
1943م وانسحبوا منها بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية فاستقلت، ولكنها
هذه المرة وقعت في قبضة أخبث نظام شيوعي عرفه التاريخ ودعّم هذا النظام
شيوعيته بتحالفه مع يوغسلافيا (1944-1948م) ثم مع الاتحاد السوفييتي
(1948-1961م) ثم مع الصين (1961-1978م) ، ثم تخلى عنهم جميعاً متبنياً
نهجناً شيوعياً بحتاً ليس له نظير.
ألبانيا دولة الأبواب المغلقة:
تحولت ألبانيا من الدولة الإسلامية الوحيدة في أوربا إلى الدولة الشيوعية
البحتة الوحيدة في العالم بسرعة خاطفة، حيث ظهر الحزب الشيوعي الألباني إلى
الوجود عام 1941 م بمساعدة وتدبير من يوغسلافيا، وبسبب دور الحزب في
سرب الاستقلال استولى الشيوعيون سعادتهم على السلطة عام 1944م وظهر
زعيمه أنور خوجا إلى السطح ليجثم على حكم البلاد أربعين سنة، ومع أنه مولود
لأبوين يدعيان الإسلام إلا أن سلوكيات أسرته وسلوكياته هو أيضاً فيما بعد جعلت
الناس لا ينسون أصله اليهودي، أضف إلى ذلك أنه درس في فرنسا فتخرج منها
شيوعياً، ثم اعتنق بعد ذلك الإلحاد وعادى كل الأديان.
حول أنور خوجه ألبانيا من الإسلام إلى الإلحاد، فشن أقسى الحملات على
الأديان وخص الإسلام بحرب لا هوادة فيها، فدمر جميع المساجد وحولها إلى
مخازن ومتاحف ومتاجر، وألغى جميع المؤسسات الدينية وحظر الشعائر التعبدية
حظراً تاماً، ولم يسمح بأي رحمة تدخل قلبه تجاه مخالفيه فأنزل فيهم أشد العقوبات
وسعى بكل ما أوتي من قوة إلى طمس معالم الحقبة العثمانية مع أنها هي الحقبة
الحضارية في تاريخ ألبانيا، وجعل للبلاد رمزاً تاريخياً هو الاسكندر بك الذي
عرف بكرهه للعثمانيين، ورمزاً معاصراً هو أنور خوجه نفسه.
وقد نجح هذا الطاغوت إلى حد كبير في طمس هوية الألبان الإسلامية فنشأت
أجيال كاملة بلا هوية ولا دين كما كانوا قبل ثمانية قرون، ومن يزور ألبانيا اليوم
لا يصدق أن هذا البلد قبل أقل من قرنين من الزمان كان أهله يحملون راية الإسلام
مجاهدين في سبيل الله تحت راية العثمانيين.
وقد كان هجوم الشيوعيين على الإسلام في البداية مقتصراً على إخراج المرأة
المسلمة إلى المعامل والمصانع وورش البناء والمزارع والمكاتب حتى أن المرأة
الألبانية أجبرت على المشاركة في العمل في ثلاث نوبات على مدار الـ 24 ساعة، وأسندت إليهم أعمال شاقة مثل الرجال وحرص الشيوعيون على زواج المسلمات
من غير المسلمين، ثم انتقلت الدولة إلى مرحلة أخرى فشددت الخناق على الإسلام، وطاردت كل من يؤدي الشعائر التعبدية، ونظمت حملات قاسية من أجل
استئصال جذور العقيدة والشعائر والأدب والسلوك الاسلامي من حياة الناس. وبلغ
الاضطهاد أوجه عام 1967 م عندما حرض أنور خوجه الشباب الذين تربوا في
أحضان الشيوعية على تدمير المساجد والجوامع فهدموا المنارات بالجرارات وما
بقي منها حول إلى متاحف ومعالم ثقافية، وإمعاناً في الإهانة حول بعضها إلى
دورات مياه، ثم صدرت قوانين رسمية تعاتب كل من يؤدي شعائر تعبدية، فخرج
جيل ألباني ممسوخ مسخاً تاماً، وسلط الولد على والده والوالد على ولده حتى خاف
الآباء أن يعلموا أبنائهم كلمة التوحيد، فقد كانت المعلمة تسأل التلاميذ ماذا تقول
والدتك؟ وماذا تعمل جدتك؟ وهل يقول والدك أو جدك أن الله واحد لا شريك له؟
وماذا طبخت والدتك من الحلويات بمناسبة عيد الفطر؟
ولعبت ألبانيا دوراً مهما على مستوى العلاقات الدولية خاصة بين الدول
الشيوعية الكبرى، وكان هذا الدور أكبر من حجمها (مساحتها حوالي 27 ألف كم
مربع، وسكانها يزيدون على الثلاثة ملايين قليلاً) وسبب هذا الدور يعود إلى تنافس
الدول الشيوعية على الاستحواذ عليها مما أكسبها وضعاً دولياً مميزاً، إضافة إلى
موقعها الهام جنوب القارة الأوربية وكونها مخرجاً إلى البحر المتوسط عبر البحر
الأدرياتيكي الواقع بينها وبين إيطاليا.
ومن جهة نظر أنور خوجه فقد خاب أمل هذا الشيوعي الملحد في الدول
الشيوعية واحدة بعد الأخرى كما مرّ معنا فابتعد عنها كلها عندما تبنت سياسات
اقتصادية أكثر تحرراً، فقد اختلف مع الاتحاد السوفييتي وحلفائه بسبب سياسات
خروتشوف الإصلاحية في أوائل الستينات فأصبح يعتمد اعتماداً كلياً على
المساعدات الصينية غير أن الصين كذلك بدأت بعد هلاك ماو تسي تونغ تسير في
درب الإصلاح الاقتصادي فوجدت ألبانيا نفسها في عزلة تامة وسط العالم الشيوعي
معتمدة على نفسها ومنغلقة على شعبها.
ولما توفي أنور خوجه عام 1985م خلفه نائبه رامز عليا الذي بدأ حكمه
بمواصلة سياسة سلفه أنور الانعزالية لكنه أمام التغيرات التي شهدتها الدول
الشيوعية من حوله في السنوات الماضية وكثرة الاضطرابات عليه في الداخل
ولجوء كثير من الألبان إلى السفارات الأجنبية في تيرانا عاصمة البلاد وهروب
أعداد كبيرة من الألبان إلى إيطاليا عبر البحر اضطر إلى إعلان إصلاحات داخلية
وخفف كثيراً من الضغوط على الشعب وسمح بمزاولة الشعائر التعبدية، ثم دعا إلى
انتخابات عامة عام 1991م فاز فيها هو بطبيعة الحال، ثم أجريت انتخابات أخرى
هذا العام هزم فيها الشيوعيون فاضطروا لتسليم السلطة للحزب الديمقراطي
العلماني. ...
ألبانيا اليوم لمن يسبق!
ألبانيا لمن سبق فلو سبق النصارى لحولوها إلى نصرانية ولو سبق المسلمون
لحافظوا على بقاء الإسلام فيها، هكذا يلخص أحد الدعاة حال ألبانيا اليوم.
في أواخر عام 1990م وبسبب الانهيار الذي كانت تعيشه الشيوعية سمحت
الحكومة بمزاولة الشعائر التعبدية وأعادت إلى المسلمين بعض المساجد التي نجت
من التدمير وسارع المسلمون إلى الصلاة فيها. ومع ذلك فالوضع الحالي في ألبانيا
سيئ للغاية، وتعتبر ألبانيا أفقر دولة أوربية فهي تعيش حالياً على المساعدات
الخارجية التي تأتيها من الفاتيكان وإيطاليا واليونان.
ويعاني المسلمون من عدم توفر الكتب الإسلامية والدعاة والمدرسين. ومما
عقد المسألة هناك السياسة الشيوعية السابقة التي كانت تزوج المسلمين والمسلمات
من المسيحيين والمسيحيات مما جعل البيت الواحد الآن فيه أكثر من دين.
سباق المبشرين:
وبسبب الأحوال المأساوية في ألبانيا فإن الشباب الألباني يحاول جاهداً
الخروج من ألبانيا بشتى الطرق الممكنة وقد استغلت اليونان ذلك ففتحت مكتباً
خاصاً داخل السفارة اليونانية في تيرانا لإعطاء الشباب الألباني حق الهجرة إلى
اليونان بشرط أن يغير أسمه إلى اسم مسيحي، ويتم تعميده مبدئياً في السفارة على
أن يكون التعميد النهائي عند وصوله إلى اليونان.
وينشط الفاتيكان في عمل منظم داخل ألبانيا يبدأ بإرسال الوفود التبشيرية
وإرسال الصحفيين والمعلمين ويعقدون مؤتمرات أسبوعية يوزعون خلالها الأناجيل
والكتب الصليبية باللغة الألبانية مما يوحي بأنهم كانوا مستعدين لذلك منذ مدة.
ويقوم الفاتيكان كذلك بفتح المعامل والمتاجر ويوظف فيها الشباب الألباني ويشترط
عليهم وضع الصليب في أعناقهم.
ثم سارعت الأم تيريزا المتخصصة في تنصير الأطفال بالذهاب إلي ألبانيا
وشراء بعض البيوت واسترجاع بعض الكنائس واحضرت معها حوالي 100 مبشرة
ليقمن بتوزيع الأناجيل والكتب التنصيرية والصلبان على الأطفال ثم يقمن بتغيير
اسماء الأطفال المسلمين إلى أسماء مسيحية، وقد وعدت الأم تيريزا البابا بتقديم
100000 طفل مسلم يكونون قد تنصروا هدية له عند زيارته الأولى ألى البانيا.
ويعمل الفاتيكان حالياً على فتح كلية لتدريس الدين النصراني وتخريج
القساوسة ووضع الفاتيكان كذلك خطة لبناء 200 كنيسة خلال العامين القادمين مع
أن الكاثوليك في ألبانيا لا يتجاوزون 10% من السكان. ومن القوى الصليبية التي
تعمل هناك السفارة الإيطالية فلها نفوذ سياسي قوي على الحكومة الألبانية بحكم أن
إيطاليا كانت تحتل ألبانيا في الماضي.
حاجة المسلمين الألبان اليوم:
يعاني المسلمون في ألبانيا من الجوع والجهل، فيحتاجون الخبز لسد الجوع
والإسلام لرفع الجهل.
لقد كان عدد المساجد في ألبانيا قبل الحكم الشيوعي 1600 مسجداً، وقد
أعادت الحكومة اليوم عدداً قليلاً جداً منها، ويحتاجون اليوم حوالي 70 مسجداً
حاجة عاجلة طبقاً لما ذكر الشيخ صبري كوتشي رئيس الجماعة الإسلامية الألبانية
في تقرير له كتبه في يناير من هذا العام. ومن أهم ما يجب تركيز العمل من أجله
استعادة المساجد التي صادرتها الدولة وحبس الأوقاف عليها وتزويدها بالأئمة
والدعاة والمدرسين.
ومما سيساعد على إبقاء الإسلام في ألبانيا العناية بمدارس الأطفال لتعليمهم
الإسلام واللغة العربية والقرآن الكريم لبناء جيل ألباني مسلم وإقامة المؤتمرات
الإسلامية لتوعية الناس بدينهم وإيجاد تيار عام يرجع الناس إلى الإسلام، وطباعة
الكتب الإسلامية بلغتهم وتوفيرها مجاناً لهم ثم إقامة مراكز وكليات إسلامية
متخصصة تخرج الأئمة والدعاة لكي يقوموا بتشغيل هذه البرامج والإشراف عليها
والتوسع في قبول الطلاب الألبان في الجامعات الإسلامية لإعدادهم للقيام بالدعوة
هناك.
ويجب ألا ينسى المسلمون الاحتياجات الأخرى للشعب الألباني مثل
المساعدات الغذائية والعينية فهذا الباب هو الذي يدخل منه المنصرون لتنصير
الألبان.
مستقبل الأمة الألبانية:
لعل أحداث يوغسلافيا خلال السنة الماضية هي أول خطوة على طريق توحيد
الأمه الألبانية، فيوغسلافيا تضم أكبر تجمع ألباني خارج ألبانيا حيث يقدر عدد
الألبان في يوغسلافيا بأكثر من ثلاثة ملايين ألباني وتفكك يوغسلافيا لا بد أن
يصحبه مطالبة الألبان في يوغسلافيا بالانضمام إلى بلدهم الأصلي إما عاجلاً أو
آجلاً وسيساعد سقوط الشيوعية في ألبانيا كثيراً على إتمام ذلك.
وهذا بلا شك سيسبب مواجهة بين الألبان والصرب، ومواجهة من هذا النوع
لن تكون سهلة فقد تستمر طويلاً وتتحول إلى حرب أوربية واسعة، ما لم يتدارك
الصرب والأوربيون عموماً ذلك ويسارعون إلى رفع الظلم عن الشعوب المضطهدة
في البلقان وعلى رأسهم المسلمين في ألبانيا والمسلمين في البوسنة والهرسك. وإلا
فإن مرحلة من الصراعات الجديدة قد تبدأ في البلقان ولا يعلم إلا الله وحده أين
ينتهي خاصة أن حروباً عالمية كانت شرارتها الأولى في البلقان.
وما مطالبة المسلمين الألبان في كوسوفو بالاستقلال أو الحكم الذاتي التى بدأت
العام الماضي إلا مرحلة أولى للانضمام إلى ألبانيا هذا الانضمام الذي سيكون مسألة
طوال الفترة القادمة، والمقلق أنه لا توجد دولة واحدة في البلقان توافق على وحدة
الأمة الألبانية لأن هذا سيجعلها قوة كبرى مؤثرة في المنطقة ثقافياً وسياسياً ودينياً،
فمن المتوقع أن تطالب بإقليم شامريا الألباني الذي تحتله اليونان وأن يعود إليها
مئات الآلاف من الألبان المهاجرين من كل مكان.
ومعظم الألبان خارج ألبانيا اليوم موجودون في يوغسلافيا ففي إقليم كوسوفو
الذي يخضع لحكم الصرب المباشر يوجد مليونان من الألبان ويشكلون 92% من
سكان الأقليم الذي يحكمه الصرب وحوالي 800 ألف في مقدونيا وحوالي 300 ألف
في جمهورية الجبل الأسود. وينتشر الألبان كذلك في معظم بلاد البلقان خاصة
اليونان، ويوجد مجموعة منهم هاجروا إلى تركيا من يوغسلافيا بتواطؤ بين تيتو
ومصطفى كمال وقد عرفوا في الغالب في هذه المناطق بشدة تماسكهم وصعوبة
ذوبانهم في المجتمعات المسلمة مثل البوسنة والهرسك حيث يفضلون العيش في
جماعات صغيرة منغلقة.
وقد نجح الألبان في الماضي كثيراً في التفوق على ظروفهم الصعبة بطريقة
فريدة فهم رغم التشتت والتفرق والهجرات أقاموا بينهم روابط تنظيمية متينة لا
مثيل لها، ومن المتوقع أن يلعب ألبان كوسوفو دوراً هاماً على صيد الوحدة الألبانية
فتاريخياً كوسوفو تمثل مركز القيادة الألبانية وكثير من الزعماء والقادة الألبان جاؤوا
من كوسوفو وهم منذ سنة يعيشون انتفاضة قوية ضد الصرب ودخلوا معهم في
مواجهات دموية قاسية.
إن معطيات الأحداث اليوم وتاريخ هؤلاء القوم يولد نتيجة حتمية مؤداها أن
القوم سيتحركون على كل صعيد لبدء خطوات عملية في سبيل إعادة دولتهم الموحدة.
المصادر:
(1) المسلمون تحت، السيطرة الشيوعية، محمود شاكر، المكتب الإسلامي.
(2) جريدة الحياة 8 اغسطس 1991 م.
(3) The World TodayJune 1985.
(4) دائرة المعارف البريطانية.
(5) مجلة البيان عدد 5.