الافتتاحية
أيها الأفغان
اهزموا الحمية الجاهلية كما هزمتم الشيوعية
يكثر الحديث عن دور الإعلام في توجيه الأحداث والتحكم بسيرها، وأوضح
مثال على ذلك ما يجري في أفغانستان، وكثرة اللاعبين والمتدخلين في مصير هذا
البلد.
يبدو أنه كلما تقدم الزمن كلما كثرت التدخلات بسبب سرعة الاتصال بين بني
البشر وترابط مصالحهم وتعقدها، وتزداد هذه التدخلات حدة حينما يكون المسلمون
طرفاً فيها، فالقوى التي تعادي الإسلام كثيرة وإن هي آلت في النهاية إلى فريقين
من الناس هم: الكفار والمنافقون الذين تحددت صفاتهم وملامحهم وقسماتهم في
القرآن الكريم وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهذه القوى الكافرة -
السافر منها والمستتر - قد يكون بينها خلاف سابق أو لاحق بسبب التنافس
والحرص على الفوز بالنصيب الأكبر من كل ضحية تلوح، ولهذا فإن بعضها قد
يقف مع المسلمين وينصرهم بالسلاح والمساعدات، فيظن من لا خبرة له أن هذا
معونة ونخوة، ولا يدرون أن هذا ليس إلا من قبيل تسمين الذبيحة، أو من قبيل
حشد (البياطرة) لقطعان الماشية للعناية بصحتها لتكون أفضل إنتاجاً، أو لإنقاذ
حيوان نادر مهدد بالانقراض.
إن كثيرين يظنون أن هناك دوافع إنسانية تكمن وراء هذه المساعدات لمجرد
(الإنسانية) لا لشيء آخر، ويغفلون عن حقيقة وأهداف هذا الرفق بالإنسان
والحيوان، وهو توفير جو من الاستمتاع المادي (والفني) الرومانسي بالإبقاء على
هذه الفصائل التي يتعاورها ما يهددها بالانقراض والإبادة لإشباع ميول الإنسان
المتحضر وإرضاء فضوله وحب المعرفة عنده.
هذه أفغانستان، ملحمة من ملاحم المسلمين في العصر الحاضر، دولة مسلمة
مسالمة، لا أطماع لها فيما حولها، نكبتها الشيوعية بواحدة من نكباتها الكثيرة التي
نكبت بها الشعوب، فهب شعبها - بما عرف به من بأس وأنفة وإباء للضيم - هبة
واحدة، ولم يقبل بالظلم وإن كان من جار جبار لا تقاس قوته إلى قوته، ووقف
كثير من المسلمين مع هذا الشعب مادياً ومعنوياً، ولم يسع الغرب أن يقف مكتوف
اليدين أيضاً، فما الذي يمنعه أن يمد يد العون إلى من يكيل الضربات للشيوعية
العدو الراهن للغرب؟ ! ففعل، وفي الغالب فإن المنكوب لا يدقق في المساعدات
التي تصله: ماذا وراءها، وإلى ماذا ترمي؟ وبخاصة إذا أصابت هذه النكبة شعباً
كاملاً بمختلف عناصره، بل كانت هذه المعونات تقدم أحياناً على طبق الآخرة
الإسلامية وإغاثة الملهوف.
ومنذ أن أذن الله بهزيمة السوفييت وانسحابهم من أفغانستان، والتداول مستمر
بشأن أفغانستان: (هزيمة للسوفييت: نعم، ولكن انتصار للإسلام: لا) . ويقود
كبر تحقيق هذه المعادلة أعداء الإسلام في المنطقة وخارجها، وهم معروفون
بمسعاهم وحرصهم المستميت على أن لا يسمحوا لمن ضحوا التضحيات الجسام
بأموالهم وأنفسهم أن يقطفوا ثمرة جهادهم. وقد شاهدنا - وشاهد العالم بأسره -
حرص الدوائر الغربية - التي يظهر إعلامها بواطن ما تخفيه - على إبراز من
تريد والإشادة به، وإخفاء من تريد والإساءة إليه بإلصاق الصفات المنفرة به،
وإظهاره بمظهر المتعطش للدم، الهاوي للخراب.
ولكن المسلم أصبح في هذه الأيام، ولطول ما عانى من أكاذيب هذا الإعلام
يكتشف بشكل لا شعوري أين تكمن الحقيقة، ويتجه مباشرة بولائه إلى الجهة التي
يناصبها هذا الإعلام عداءه، حتى ولو كانت عليها مآخذ أخرى.
إن مشكلة أفغانستان كغيرها من المشاكل التي تقع في البلاد الإسلامية، هي
مواجهة حقيقية للظروف الصعبة التي تحيط بالمسلمين، وسبيل من سبل المواجهة
لقوى التدخل الخارجي التي تفرض وجهات نظرها على الشعوب، وتحاول أن
تتحكم بمصائرهم. فهذا الجهاد الطويل ليس إلا محاولة لإفهام هذه القوى الخارجية
أنه من العبث استخدام عملاء تصنعهم على أعينها كي يسلموها مفاتيح البلاد،
ويرتهنوا مستقبل أجيالها لمصلحة الأجنبي الدخيل. ومن الخطأ الاعتقاد بأن
التدخلات لا يعبر عنها إلا بدخول الأجنبي البلاد، ثم تنتهي برحيله، إن السوفييت
ارتحلوا ولكن خلفوا وراءهم تركة ثقيلة من الهدم والخراب في البنيان والنفوس،
وتظن القوى الخارجية الأخرى التي فركت أيديها فرحاً بهزيمة السوفييت وانهيار
الشيوعية أن بإمكانها ملء الفراغ الناجم عن ذلك، واستثمار الدمار والشقوق
الموجودة في المجتمع الأفغاني، وتضخيمها، وهي لا تهدأ عن دفع محاولاتها
الدائمة في استثمار كل شيء لتحقيق أهدافها. ولا ينبغي أن ينسى المسلم أن وسائل
هذه القوى أخبث، وطرق تأثيرها أكثر تعقيداً وأبعد أثراً.
فمن يأتيك شاهراً قبضته يستنفر كل عوامل الدفاع عندك، ويضاعف قوتك
أضعافاً مضاعفة. ولكن من يأتيك بالمال والرغيف وباقة الزهر والبسمة، وإظهار
الحرص على إخراجك من محنتك ومشكلاتك ... يوقع في نفسك الحرج،
(والنفوس مفطورة على حب من أحسن إليها) ! وهكذا يصبح التشكيك في نوايا
هؤلاء المحسنين الأدعياء وسيلة من وسائل انشقاق المجتمع وبث الفرقة والفتنة في
صفوفه.
المعونات وسيلة من وسائل الارتهان:
لا يحسن أن يغيب عن أذهان المسلمين - اليوم - أن المعونات الاقتصادية
والعسكرية الآتية من المجتمعات الغربية وسيلة من وسائل التحكم بالمصير
والارتهان لسياسات لا تتلاءم مع الشعور الإسلامي، فهذه المعونات ليست لله،
وهذه صحيفة أمريكية تظهر الأسف والندم على تقديم المعونات لقلب الدين حكمتيار
بحجة أنه ظهر أنه معاد للغرب، ولكن لم تبين لنا هذه الصحيفة المحترمة ما
المظهر العملي لعداء المذكور للغرب، هل أغار على بلد غربي؟ أو سفك دماء
غربين أبرياء، أو يفكر في إقامة حكومة إسلامية في ولاية من الولايات المتحدة
الأمريكية؟ ! أم أن جريمته بنظر هؤلاء أنه يقول: نقبل المساعدات على أنها
مساعدات مجردة، ولكن أن تكون هذه المساعدات ثمناً لشيء غير الشكر فلا؟ !
وعلى كل حال، فإن أجهزة المخابرات حينما تتفضل بتقديم المساعدات لهذا
الفريق من المسلمين أو ذاك تعرف كراهية ومقت المسلمين للإذلال والمن وما
تنطوي عليه صدورهم للدول الغربية الاستعمارية من بغض سواء قدمت مساعدات
وإغاثات أم لا، ولكن هذه الأجهزة تراهن على ضعاف النفوس الذين لابد أن
يخرجوا من بين ظهراني المسلمين مدفوعين بالحرص على الجاه والشهرة وحب
السلطة، وهؤلاء هم سبب البلاء في كل عصر ومصر، وهم العقبات التي تجهض
جهاد المسلمين، وتذرو جهودهم وأعمالهم في الرياح. إن المطلوب من المجاهدين
أن يسدوا الشقوق التي يستغلها أعداء الإسلام بوحدتهم ونظرهم البعيد للأمام،
وبوضعهم أهواءهم الشخصية تحت الأقدام، فليسوا أشد حاجة إلى التلاحم والاتحاد
وتنقية الصفوف منهم في هذه اللحظة، لكن الإصرار يجب أن ينصبَّ على تحييد
هذه المجموعات التي كانت مرتزقة للنظام السابق، وكذلك عدم السماح للشيوعيين
السابقين باحتلال مناصب حساسة تجعلهم يسيرون الأمور من الداخل لمصالحهم،
وليتعظ المجاهدون بأحوالى اليمن، حيث نجا الشيوعيون من الحساب باستباقهم
الأحداث ودعوتهم إلى الوحدة - وهم أعداء الوحدة - وبأحوال الجمهوريات في
الاتحاد السوفيتي المنهار، حيث لازال الشيوعيون السابقون الذين أذاقوا المسلمين
الأمرين وكانوا (طابورا خامسا) ضد بني قومهم.. لازال هؤلاء الشيوعيون هم
الحاكمين وعلى وجوههم الصفيقة غلالة من النفاق والخبث والمكر يستخدمونها
لتضليل الناس وخداعهم، أولئك هم العدو، فأحذرهم [قاتلهم الله أنى يؤفكون] .
إن المسلمين في كل مكان يتطلعون إلى أفغانستان وأيديهم على قلوبهم،
يشفقون على أن يتبخر حلم المجاهدين بإعادة العزة إلى شعب أفغانستان، ومن
ورائه الشعوب الإسلامية التي بعث فيها الجهاد الأفغاني نسمة الحياة، فالله الله -
أيها الإخوة - في ذلك الحلم أن يتبدد ويضمحل. وكما أسقطتم الشيوعية وعملاءها
المطلوب منكم أن تتنبهوا للغرب وعملائه، وقبل ذلك وأهم منه: أن تدوسوا
الركائز التي يرتكز عليها الغرب في تحقيق أهدافه وهي: العصبية القبلية،
والحمية الجاهلية، والأهواء الشخصية.