مجله البيان (صفحة 1124)

بل هم عنصريون

أحمد عبد العزيز أبو عامر

رفض اليهود إدانة هيئة الأمم المتحدة لهم بكون الصهيونية شكلاً من أشكال

التمييز العنصري واستمروا منذ صدور قرار هيئة الأمم المتحدة بهذا الصدد في

10/11/1975 يعملون بكل جهد بغاء القرار، حتى استغلوا الظروف الدولية التي تمخضت عما سمي بالنظام العالمي الجديد ومرحلة السلام التي طرحت وتداعى لها العرب كتداعي الذباب على الشراب، بينما تصلب (العدو الصهيوني) ليفرض ما يريده من آراء وتوجهات منها (إلغاء القرار المذكور) وما زال يطالب بإلغاء

(المقاطعة العربية) بل وإلغاء (الجهاد ضد الصهاينة) كما جاء في (خطاب شامير)

في مؤتمر مدريد. وحصل إلغاء القرار بمساواة الصهيونية بالعنصرية بقرار من

أمريكا كما هو معلوم، فما قصة القرارين؟ وهل الصهاينة ليسوا عنصريين كما

يزعمون أم أن الحق والواقع أنهم عنصريون بلسان حالهم ومقالهم؟

قصة قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية:

لم يأت القرار رقم 3379 الذي قضى بأن الصهيونية شكل من أشكال

العنصرية من فراغ فقد قررت هيئة الأمم شجب التمييز العنصري فيما يسمى

بحقوق الإنسان، وأكدت الهيئة ذلك حينما شجبت العنصرية القائمة على التمييز

باللون والجنس والعرق.. في الدورة 22 حيث قررت الجمعية العمومية للأمم

المتحدة اعتبار الفترة من 10/12/73 حتى 10/12/83 حقبة مكافحة التمييز

العنصري حيث طلب من المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنبثق عن الأمم المتحدة

بأن يتولى مساعدة الأمين العام في مسؤولية تنسيق النشاطات والبرامج المضطلع بها

خلال ذلك العقد على أن يقدم تقريراً سنوياً للجمعية العامة عن الحالة المختصة بهذا

الشأن في نهاية كل دورة.

واستغلت الدول العربية هذا التوجه في مكافحة التمييز العنصري فاتفق على

أن يتقدم مندوب الصومال بمشروع القرار (بمساواة الصهيونية بالعنصرية) . ولما

شعر الصهاينة بالمشروع حرص مندوب أمريكا (دانيال مونيان) ومندوب العدو

الصهيوني (حاييم هيرتزوك) على الاشتراك مع اللجنة مع مستشارين ورجال

الإعلام وتمت محاولات لإفشال المشروع وإثارة الخلافات حول الجانب التنفيذي منه

وصياغته إلا أنها لم تنجح. واستمرت المناقشات عدة أيام وسط جو محموم

ومحاولات استقطاب واضحة إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل وصدر القرار رقم

3379 في 10/11/1975 بتأييد 70 صوتاً مؤيداً و 29 صوتاً معارضاً و 27

صوتاً ممتنعاً وغياب 15 عضواً وكان يوماً مشهوداً في هيئة الأمم إذ ثارت ثائرة

ممثل العدو الصهيوني وتصرف المندوب الأمريكي بصورة أكدت عمق الصدمة

الأمريكية من نتيجة التصويت.. وقام مندوب أمريكا واحتضن مندوب إسرائيل

مواسياً له أمام الوفود وأدلى بتصريحات غير دبلوماسية تصور عمق الصدمة [1] .

وقد مارست أمريكا وإسرائيل طوال 16 عاماً ضغوطاً كثيراً لإلغاء القرار حتى تم

لهم ما أرادوا على ضوء المستجدات الدولية فكان قرار الإلغاء الصادر في 10/6/

1412 والذي أيده 111 دولة وعارضه 25 دولة وامتنع عن التصويت 13 ولم

تشارك 17 دولة.

ومما يؤسف له أن بعض الدول العربية امتنعت عن التصويت وكأنهم لا

يعرفون عنصرية إسرائيل وما يعانيه شعب عربي مسلم من مظالمها واضطهاداتها

وبالفعل كان إلغاء القرار سابقة عجيبة في قرارات الأمم المتحدة وبخاصة وأن إلغاء

القرار لهم يضع في اعتباره ما كان يجب على (إسرائيل) أن تتخذه من إلغاء

القوانين العنصرية التي ما زالت سارية المفعول وتطبق بكل صفاقة على

الفلسطينيين [1] .

لماذا هم عنصريون فعلاً

إن الصهاينة عنصريون فعلاً فهم يستقون تاريخهم في الدرجة الأولى من

التوراة وهو كتاب خالطه الكذب والزيف والتضليل وامتزجت فيه الحقيقة بالخرافة

والخيال فلا يعتمد عليه المؤرخ النزيه مصدراً يستقي منه معلوماته. وهم منذ

وجدوا يغلفون تاريخهم بالأسرار والألغاز! إذ أن تاريخهم كله تاريخ صراع بينهم

وبين الأمم الذين يعيشون بينهم كأقليات مستضعفة ذات نشاط أوسع من إمكاناتها

وأطماع أوسع من أن تحتملها تلك الأمم فلجأوا إلى أسلوب الكذب والغش والعمل في

الخفاء وعرفوا بعدة أسماء فهم تارة اليهود وتارة العبرانيون وتارة الموسويون وتارة

بنو إسرائيل وتارة الساميون وحاولوا دائماً هدم التوازن بين تلك الأسماء ويفضلون

بأن يُدْعَوْا بني إسرائيل ليدخلوا في روع الناس أنهم جميعاً من نسل ذلك النبي

الكريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ليصلوا من ذلك إلى أنهم الأشرف

جنساً والآصل نسباً والأصدق ديناً، فهم في زعمهم (شعب الله المختار) وإن ما

عداهم من (الجيوييم) أي الأغيار ما خلقوا على هيئة البشر الا ليخدموهم ويعترفوا

بفضلهم ولا تعليل لهذه التصورات القاصرة إلا لكونهم يشعرون بشعور الطفولة

لأنهم على مر تاريخهم [2] ضعفاء مستضعفون لا وزن لهم إلا بضعف غيرهم.

ويوم انقطع حبل الله عنهم بما كفروا بقي لهم حبل (الناس) المعروف. وواقعهم

العنصري يعرفه كل مطلع على حياتهم الفعلية وأنا في هذا المقام لا أفتري عليهم بل

أسوق الأدلة على ألسنة أشخاص معروفين منهم لهم وزنهم الأدبي والفكري على

النحو التالي:

أولاً / الدكتور إسرائيل شاحاك:

وهو يهودي بولوني قدم إلى فلسطين عام 1945 وشهد نشوء الكيان

الصهيوني وأنهى دراسته الثانوية عام 1951 في هرزليا في تل أبيب وأكمل خدمته

في الجيش الإسرائيلي إلى عام 1953 ودرس الكيمياء العضوية في جامعة القدس

العبرية وحصل على شهادة الأستاذية عام 1963 وأكمل التخصص في جامعة

(ستانفورد) بأمريكا وعاد مدرساً في جامعة القدس.

وقد شارك في لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن وساءه ما حصل من

عدوان 1967 فانقلب على قومه الصهاينة وبدأ نضاله ضد كافة مظاهر الظلم

والعنصرية لديهم. وألف كتابه (عنصرية إسرائيل: بالوثائق والأرقام

والأسماء) [3] ويمكن إيجازه فيما يلي:

1- الكيان الصهيوني دولة يهودية وحسب واليهود وحدهم الشعب المختار.

2- اليهود في الحقوق المدنية أصحاب الحق ويخضع الفلسطينيون لنظام ظالم

يستند إلى القوانين الاستثنائية التي سنها الانتداب الإنجليزي عام 1945

3- الأسس الأيديولوجية والقانونية التي يقوم عليها الكيان الصهيوني تضعه

حتماً في خط نازي لا يقل وحشية عن نازية هتلر.

4- تهويد الأرض والبشر شرط أساسي ونتيجة محتومة للتضييق على الناس

وتهجيرهم ومصادرة كل ما لديهم باسم الأمن القومي والمصلحة العليا.

5- يتغنون بالسلام ابتزازاً وهم المتعلقون بالحروب استدراراً للأموال من

الخارج وقد تطرق في الكتاب لجرائم الصهاينة ضد الفلسطينيين بالحقائق والأرقام

وفضح أوضاع السجون ومعاناة مرتاديها وكذلك القرى المهدمة التي قامت بها

إسرائيل وصوراً من المعاناة والاضطهاد والتمييز العنصري حتى من اليهود أنفسهم

وخاصة السود منهم والقادمون من أوربا الشرقية والكتاب بالفعل يكشف وجه

إسرائيل العنصري بكل بشاعاته.

ثانياً / جدعون جيلادي:

وهو يهودي شرقي عاش طفولته وشبابه في فلسطين وشهد مرحلة التقسيم

وسيطرة اليهود الغربيين (الاشكناز) على الحكم وبعد تأسيس دولتهم كان شاهد عيان

لما أقدم عليه الصهاينة من مذابح وطرد جماعي وقهر سياسي واستيلاء على

الأراضي والممتلكات من الفلسطينيين وبعد مراحل متتالية من الدراسة والبحث

وجمع الوثائق ألف كتابه (إسرائيل نحو الانفجار الداخلي) [4] .

يقول في المقدمة: إن الكتاب دراسة تبرز اتجاه الحكومة الإسرائيلية نحو

التمييز العنصري ويسوق على ذلك نموذج اليهود السوفييات الذين تدفقوا بالآلاف

على الأرض المحتلة ووفرت لهم المساكن والوظائف وتفرد لهم مساحات من الرأي

في الشؤون الثقافية بينما يتعاملون مع اليهود الشرقيين (السفارديم) من أرض علوية

ويبقى حظهم من التعليم والتمثيل البرلماني والوظائف العليا والنقابات المهنية

والمؤسسة العسكرية أدنى المعدلات التي يتمتع بها (الاشكناز) .. وأن العالم لم ينتبه

إلى سياسة التفرقة العنصرية التي تمارس ضد (السفارديم) داخل إسرائيل للتعتيم

حولها.

وهذه الدراسة مقسمة إلى عشرة فصول تطوف بالقارئ حول علاقة العرب

والمسلمين باليهود منذ عهد النبوة باعتبارهم أهل ذمة لهم حقوقهم وأثر الحضارة

الاسلامية على الدين اليهودي والأدب العبري وإنكار المزاعم باضطهاد اليهود في

ظل الإسلام ويخصص المؤلف فصلاً لدراسة تهجير يهود اليمن إلى فلسطين

واستغلالهم دعائياً والمعاملة المزرية التي لاقوها على أيدي اليهود (الاشكناز) .. ثم

يتحدث عن السجون هناك التي تشهد أبشع نماذج التعذيب والتنكيل والجدير بالذكر

بأن هذا الكتاب نشر أولاً بالعربية في القاهرة وترجم إلى الإنجليزية.

ثالثاً / عوري دافيد:

وكتابه (إسرائيل دولة عنصرية) [5] وهو كاتب يهودي، بين الكاتب بأن أحد

المبادئ الأيديولوجية للحركة الصهيونية منذ تكوينها حتى الآن الفصل بين المجتمع

اليهودي وغير اليهودي ولذلك تعاملت مع اعداء اليهود بهدف إجبارهم على اتباع

سياساتها إذ أنهم يرون بأنهم شعب مكروه وإن الطريق الوحيد هو إقامة دولة لهم

واستغلت الحالة الحسنة نسبياً لبعض اليهود في الدول العربية فبثت الرعب في

قلوبهم عن طريق نسف محلاتهم لإجبارهم على الهجرة إلى الأرض المحتلة.

وانطلاقاً من مبدأ الصهيونية في العزلة باشروا بعد قيام دولتهم في تطبيق

مبدئهم عن طريق تدبير المذابح الجماعية للشعب الفلسطيني وذلك لإخلاء فلسطين

من سكانها وتهويدها كلياً وساق أمثلة من أقوال زعمائهم من استغلالهم الحروب

لطرد المزيد من الفلسطينيين وتشجيعهم العنف ضدهم كوسيلة لطردهم للمحافظة

على التفوق السكاني لصالحهم وكيف أن (كاهانا) أكثر القادة الصهاينة صراحة في

التعبير عن آرائه.

وذكر المؤلف أن الكنيست الاسرائيلي وافق على قانونين يحددان المستقبل

السكاني لهم وهو قانون (العودة 1950) الذي ما زال ساري المفعول والذي يسمح

لأي يهودي في أي بقعة من بقاع العالم بالهجرة إلى (الأرض المحتلة) مع إعطائه

جميع التسهيلات الممكنة.

الحق في الاستيلاء على أراض وأملاك الفلسطينيين الذين طردوا من مواطنهم

بحجة أنهم غائبون عن أملاكهم وهذا القانون يجرد الفلسطينيين من أبسط الحقوق

الطبيعية لأي إنسان وهو حق عيشه في أرضه ووطنه.

ثم ذكر المؤلف بأن من أهم النتائج السياسية للسيطرة الصهيونية هي فقدان

الحرية السياسية للفلسطينيين مدللاً على ذلك بما أقرته الكنيست من قانون في سنة

1980 يحق بموجبه لوزير الداخلية أن ينتزع الجنسية عن أي شخص يقوم بعمل

يهدد شرعية الدولة ومن ذلك تأييد منظمة التحرير بأي صورة وأن هذا القانون قد

يؤدي إلى طرد جميع الفلسطينيين لأن معظمهم ذوو ولاء لقومهم ووطنهم وقضيتهم.

وهكذا يتضح لكل ذي عينين بأن اليهود الصهاينة عنصريون فعلاً بمنطلقاتهم

الدينية وايديولوجيتهم السياسية. ومن واقع قوانينهم الحاكمة التي ذكرها هؤلاء النفر

منهم يتضح مدى الشكل العنصري الذي يؤمنون به ويطبقونه حتى على بعض بني

عقيدتهم ممن يصنفون في فئة (السفارديم) أي اليهود الشرقيين الذين هم أقل مكانة

من (الاشكناز) الغربيين.

إذاً لماذا تلغى وصمة العنصرية عنهم؟

لا شك أن إلغاءها لم يأت بمبرر معقول أو سبب وجيه لما سبق ذكره من أنهم

لم يلغوا القوانين العنصرية التي يحكمون بها ولم ينصفوا حتى بني عقيدتهم الأقل

شأناً وهم (السفارديم) والأعجب والأغرب أنهم في إبان مناقشة هذه الموضوع كانوا

يسومون الفلسطينيين في المخيمات سوء العذاب بالطرد والإبعاد وهدم البيوت

وإخلائها لصالح الوافدين الجدد وما طرد أهل (سلوان) عنا ببعيد.

إنها مقايضة سخيفة لتتكرم بالمشاركة في السلام المزعوم! بل ولتملي

شروطها. والأدهى والأمر: (طلب إلغاء المقاطعة العربية) و (إلغاء الجهاد ...

ضدها) ! !

إن (العدو الصهيوني) دولة عنصرية ليس من واقع معاملتها فحسب؛ بل حتى

كتب دينها المحرفة تؤكد هذا التوجه وتوضحه بما لا يدع مجالاً للشك، وإصحاحات

أسفارهم الدينية المحرفة في التوراة والتلمود مملوءة بالشهادات على ذلك.

وهل إلغاء قرار وصمهم بها يمنع حقيقة عنصريتهم التي يحيونها وعلى

ضوئها يعيشون.

فهم بالفعل عنصريون وإن رغمت أنوف.

فهل في وصفهم بالعنصرية تجنٍ عليهم؟ ! وهل إلغاء قرار الأمم المتحدة في

ذلك يغير من الحقيقة شيئاً؟ ! لا، وألف لا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015