خواطر في الدعوة
محمد العبدة
خلل كبير نعاني منه في حياتنا الإسلامية المعاصرة أيما معاناة، ذلك هو
النقص في الأخلاق الأساسية التي يجب أن تتوفر في كال مسلم، لأنها إن ضعفت
أو نقصت فلن تقوم للأمة قائمة. هذه الأخلاق كانت موجودة أو كثير منها عند
العرب عندما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة والهداية. كان
خلق الوفاء والصدق والشجاعة والتذمم للصديق والجار شائعاً، وكان العربي يجد
غضاضة في أن يوصم بالكذب أو الغدر، ولذلك لم يتعب الرسول - صلى الله عليه
وسلم - نفسه في تأديب هؤلاء وتربيتهم على هذه الأخلاق والدعوة إلى ممارستها،
فالإشارة منه لهذه الأخلاق كانت تكفي لأنها ارتبطت بالتوحيد الذي جاءهم به، وهو
الذي كان ينقصهم فلما تمثلوا به وأصبحت العبودية تامة لله سبحانه؛ كملت هداية
الفطرة وهداية الوحي فكانوا كما قال تعالى: [نُّورٌ عَلَى نُورٍ] .
وفي هذه الأيام ابتلى المسلمون وابتليت الدعوة بمن تجرد من هذه الأخلاق،
فالكذب - وهو من أسوأ الأخلاق الرديّة - يقع فيه هؤلاء سواء في أحاديثهم العادية
أم في تجريح إخوانهم من الدعاة، ولا أدري بم يعللون هذه الفعلة الشنيعة، هل
بمصلحة الدعوة! ؟ أما الحقيقة فهي أن معادنهم رخيصة، وليس عندهم أخلاق
الفطرة لأنها فسدت بسبب البيئة التي عاشوا فيها، ولا أخلاق الإسلام لأنهم تربوا
على الأنانية والحزبية الضيقة، ويتبع هذه الخصلة السيئة قلة الإنصاف في الحكم
على الآخرين، فالتهم تكال كيلاً دون أدنى تحرٍ للعدل والإنصاف، ويتناقل هذه
التهم المغفلون والسذج دون أي تحرج أو تأثم، فكيف تستقيم حياتنا الإسلامية وفينا
هذه الأخلاق، انظر إلى هذا الذي يقول عن إخوانه الذين يتصدون للظلم والقهر
والإرهاب السافر، يقول عنهم في لقائه مع رئيس مجلس الدولة: (جئنا لتهدئة
الأوضاع والخروج من الأزمة التي سالت فيها الدماء، فأصبح المقتول لا يعرف
لماذا قتل، والقاتل لا يعرف لماذا قتل) [1] .
أهكذا أيها الداعية؟ ! المقتول لا يعرف لماذا قتل؟ الذين يجاهدون الظلم
ويدفعون عن أنفسهم العدوان لا يعرفون لماذا يجاهدون؟ هل هذه أخلاق رجال،
هل الذي يشمت بما يفعل بإخوانه يملك الأخلاق الأساسية التي هي من مقومات
نهضة الأمة، وكان قد أظهر شماتته في أحداث سبقت وأيد نزول الجيش لإنهاء ما
سماه (الفتنة) .
إنها مصيبة والله أن يكون بعض من لا يتبنى الإسلام عنده من الجرأة
والرجولة أكثر من هذا الذي يملك نفساً أنانية ولا يريد إلا التسلق على حساب
مصائب إخوانه ولذلك نقول: إن أزمتنا في بعض جوانبها أزمة أخلاقية.