نحو وعي إسلامي سياسي
عبد الرحمن البشير
إلى الأمة المسلمة، إلى الأمة العربية: أي إسلام تريدون؟ أتريدون الإسلام
المستأنس، أم إسلام الخوارج، أم إسلام الكتاب والسنة؟
لأن الإسلام من عند الله الذي لا يحابي أحداً، ولا تكريم عنده إلا للتقي،
ولأن التقوى منزلة عزيزة المطلب ولأن حب التسلط من طبع البشر ولا يتخلص إلا
القليل منهم من نوازع نفسه وحب ذاته؛ ولأن الآية والحديث سيف في يد قائلهما؛
لكل ذلك لا بد للسلطان الذي يحكم الهوى أن يستأنس إسلاماً يسانده في سلطانه
ويحقق منافعه ويستخدمه سلاحاً ضد أعدائه. وعملية استئناس الإسلام عملية قديمة
قدم الانحراف عن منهج الكتاب والسنة، وستستمر ما بقي سلطان في الأرض يحكم
بالإسلام اسماً، وبالقرآن رسماً وبالمصالح والأهواء عملاً وواقعاً.
والمستفيدون من ذلك يرون لزاماً عليهم أن يقربوا رجالاً يتزينون بزي الدين
فينطقونهم حيث يردون ويسكتونهم حيث يشاؤون، ويضع هؤلاء لهم من الفتاوى ما
يناسب أذواقهم وأهواءهم، ويفصلون لهم من الدين أثواباً على قياسهم، ولذلك
فالاسلام المستأنس إسلام عجيب، إذا كان السلطان يطبق النظام الشيوعي كان
الإسلام المستأنس شيوعياً وكذلك إذا كان اشتراكياً لا ترى ولا تسمع إلا الأحاديث
التي تشيد بالمساواة وآيات الإنفاق، وإذا كان السلطان يطبق النظام الرأسمالي بكل
احتكاراته وظلمه وغشمه لا تسمع إلا: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) .
واليوم حيث تتشابك السبل وتشتبه النصوص وتقل المعرفة ويستأنس علماء
الإسلام بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، ويصنع لكل سلطان في كل بلد جبة
إسلامية تناسبه في الشكل والموضوع يخرج فكر الخوارج من معاقله فنسمع عن
جماعات التكفير والهجرة وعلى شاكلتها.
وإسلام الكتاب والسنة ليس هذا ولا ذاك، إنه إسلام مهتد ينطق بالحق ولا
يبرر الواقع، ويصدع بالنص كما يريده الله ورسوله، ولا يلوي عنقه ليوافق أهواء
الناس. إسلام الكتاب والسنة هو الإسلام الكامل الذي أنزله الله لا يجامل أحداً، ولا
يستغله أحد، يقوم عليه علماء نذروا أنفسهم لله وتواضعوا له فرفعهم وأخلصوا
نياتهم فأشرقت قلوبهم بنور الوحي فعرفوا طريقهم وعظموا الله فذل كل جبار في
أعينهم، وتواصوا بالمرحمة فعلموا الجاهل وأرشدوا الحائر وصبروا على إساءة
الظالم طمعاً في هداية الخلق ورغبة في ثواب الخالق، فأي إسلام تريدون يا أمتنا.