خواطر في الدعوة
محمد العبدة
«خطأ الواحد في تدبير الأمور، خير من صواب الجماعة التي لا يجمعها
واحد، لأن الواحد في ذلك يستدرك، وصواب الجماعة يضرّي على استدامة
الإهمال، وفي ذلك الهلاك» .
هذا الكلام النفيس للإمام ابن حزم الأندلسي، وقد ذكرني ببعض أحداث
تاريخنا الإسلامي، لأرى مصداق ما ذكره: فئة معها الحق، أو هي أقرب إلى
الحق، ومعها كل مقومات النجاح سواء في القيادة أو التضحية، والحماس والثقة
بالنفس وبالحق التي هي عليه، ومع ذلك فقد فشلت، فمن أين جاء الخلل؟ .
لم يكن قائد هذه الفئة يطلب الطاعة العمياء من رعيته، ولكن بعضهم لا
يستحق هذا التكريم، فتمادوا في إساءة استعمال هذه الحرية المتاحة لهم، وأصبحوا
كلهم فقهاء وساسة وقادة، فلم يرضوا برأي قائدهم في أول الأمر، ولا في آخره،
جاء الخطأ من حيث يجب أن يكون هو الصواب، وأعنى احترام الآخرين
وإعطاءهم حرية الشورى والكلام.
ولكنهم استخدموا هذا الحق في غير محله، بل أن بعضهم لا يستأهل هذا
الحق.
إن شبكة الترابط والالتفاف حول القيادة في صف كهذا تكون ضعيفة ولذلك
يخسر الذي معه الحق، فهل نستفيد من هذه التجربة أم يتكرر الخطأ، ولا يقوى
المسلمون ولا يتمكنون، وذلك لاستدامة الإهمال كما عبر ابن حزم، هذا الإهمال
الذي يكون أحياناً بسبب عدم المعرفة بشبكة العلاقات بين الناس، وتداخل الأمور
الشخصية مع ما يتعلق بالمصلحة العامة، وما يترتب على ذلك من نظرات صائبة
أو خاطئة لأن هذا التداخل يكون طبيعياً أحياناً، وشاذاً أحياناً أخرى
والمجتمع المسلم سواء كان صغيراً أو كبيراً ليس هو مجتمع الأطهار الأبرار، الذي ليس فيه أي خطأ، أو ضعف بشري، أو تطلعات يختلط فيها الإخلاص
التام ببعض الهوى، وليس هو بالطبع المجتمع المادي المتكالب على الدنيا وشهواتها
ولكنه المجتمع الذي يتطلع دائماً إلى الأفضل، إلى تطهير النفس من أدران الجاهلية، فالذي يحاسب الناس على أنهم يجب أن يكونوا ملائكة تمشي على الأرض
سيخسر الجولة، لأنه لا يعلم كيف تكون العلاقات الاجتماعية.
وسبب آخر للفشل هو الفوضى التي درج عليها البعض بسبب التكريم الذي
أعطوه، فظنوا أنهم فقهاء ساسة ولأنهم تعودوا على الأوامر والخضوع، فإذا أريد
منهم أن يرتفعوا عن هذا المستوى دبت الفوضى في أوصالهم، وظنوا أنهم لم
يكرموا إلا لأنهم على مستوى عال من التمرس بالدعوة.
بهذه العقليات، وبهذه النفسيات تتشتت الجهود، ولو كانت النوايا صادقة،
ويشعر المسلم بالأسى كما شعر أمير المؤمنين علي -رضى الله عنه- عندما وصف
أتباعه من أهل الكوفة الذين يدعون محبته فقال:
«فيا عجباً من جِدِّ هؤلاء القوم في باطلهم، وفشلكم عن حقكم، ولوددتُ أن
الله أخرجني من بين ظهرانيكم، وقبضني إلى رحمته من بينكم، والله لوددتُ أني
لم أركم ولم أعرفكم. معرفةً والله جرّت ندماً. قد ورّيتم صدري غيظاً،
وجرعتموني الموت أنفاساً، وأفسدتم علىّ رأيي بالعصيان والخذلان» [1] .