مجله البيان (صفحة 1057)

القواعد الفقهية

عبد العزيز الحويطان

معنى القاعدة لغة واصطلاحاً:

القاعدة لغة: الأساس [1] وتجمع على قواعد وهي: أسس الشيء وأصوله

حسياً كان ذلك الشيء أو معنوياً.

قال تعالى: [وإذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وإسْمَاعِيلُ ... ]

وقال تعالى: [فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ القَوَاعِدِ ... ]

واصطلاحاً: عرفها الجرجاني بأنها (قضية كلية منطبقة على جميع

جزئياتها) [2] .

وقال تاج الدين السبكي: (هي الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة

تفهم أحكامها منها) [3] .

إذاً فقد عرفها السبكي بأنها أمر كلي، لكن الحموي له تعريف آخر فهو

يعتبرها أمر أكثري أو قضية أغلبية فهو يقول: (إن القاعدة هي عند الفقهاء غيرها

عند النحاة والأصوليين، إذ هي عند الفقهاء حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر

جزئياته لتعرف أحكامها) [4] .

لكن ما السبب في جعلها حكماً أغلبياً لا كلياً؟

سيأتي معنا بعد قليل أن القاعدة تنخرم في بعض الأمور أي تشذ بعض الفروع

فلا تنطبق على القاعدة، ولذا سميت قضية أو حكماً أغلبياً.

إذاً نستطيع أن نعرفها بأنها (حكم شرعي في قضية أغلبية يتعرف منها أحكام

ما داخل تحتها) [5] .

الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:

حتى نعرف الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي، يجدر بنا أن نعرف

الضابط الفقهي أولاً، ومنه يتضح الفرق إن شاء الله.

قال العلامة تاج الدين السبكي: (والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم

صور متشابهة أن يسمى ضابطاً) [6] .

هذا هو المقصود بالضابط الفقهي، وهو أنه قاعدة تختص بباب واحد فقط.

أما الفرق بينهما، فقد قال ابن نجيم:

(الفرق بين الضابط والقاعدة: أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى،

والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل) [7] . وأكد ذلك السيوطي -

رحمه الله - في كتابه الأشباه والنظائر حيث قال: (القاعدة تجمع فروعاً من أبواب

شتى والضابط يجمع فروع باب واحد) [8] .

وحتى يتضح الأمر تماماً دعنا نضرب مثالاً للضابط الفقهي، وهو حديث ابن

عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيما إهاب

دبغ فقد طهر) [9] . فهذا الحديث يعتبر ضابطاً لطهارة الجلود في باب الآنية، لذلك يقول الإمام إبراهيم النخعي -رحمه الله-: (كل شيء منع الجلد من الفساد فهو دباغ) [10] .

أما مثال القاعدة فهي قاعدة (الأمور بمقاصدها) نجد أنها تدخل في أغلب

أبواب الفقه إن لم يكن جميعها..

بهذا نكون قد وقفنا على الفرق بين الضابط والقاعدة في الفقه، وهذا لا يمنع

أن يكون بعض العلماء قد ساروا في كتبهم على عدم التفريق بينهما.

الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:

أول من وجد له كلام عن التفريق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية الإمام

القرافي -رحمه الله-، حيث يقول:

(فإن الشريعة العظيمة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأصولها

قسمان:

1- المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام

الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح

ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك ...

2- قواعد فقهية كلية، كثيرة العدد عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع

وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر شيء منها في

أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هناك على سبيل الإجمال فبقي تفصيل لم

يتحصل) [11] . إذا فالشريعة من أصولها أصول الفقه والقواعد الفقهية كما قال القرافي.

ولو أمعننا النظر في القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، لوجدنا بينها فروق

نذكرها على سبيل الإيجاز:

1- أن أصول الفقه بالنسبة للفقه ميزان وضابط للاستنباط الصحيح، شأنه

في ذلك شأن علم النحو لضبط النطق والكتابة، فهي التي يستنبط بها الحكم من

الدليل التفصيلي وموضوعاتها دائماً الدليل والحكم، كقولك: الأمر للوجوب والنهي

للتحريم والواجب المخير يخرج المكلف من العهدة فيه بفعل واحد مما خير فيه. أما

القاعدة الفقهية فهي كلية تنطبق على جميع جزئياتها، وجزئياتها بعض مسائل الفقه، وموضوعاتها دائماً هو فعل المكلف.

2- القواعد الأصولية كلية تنطبق على جميع جزئياتها، أما القواعد الفقهية

فإنها أغلبية وتكون لها المستثنيات.

3- القواعد الأصولية ذريعة لاستنباط الأحكام الشرعية، أما القواعد الفقهية

فهي عبارة عن مجموعة الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى علة واحدة تجمعها.

4- القواعد الفقهية متأخرة في وجودها الذهني والواقعي عن الفروع، لأنها

جمع لأشتاتها وربط بينها، أما الأصول فالغرض الذهني يقتضي وجودها قبل

الفروع لأنها القيود التي أخذ الفقيه نفسه بها عند الاستنباط [12] .

هذه هي أهم الفروق بينهما، ولعلها اتضحت إن شاء الله. ويبقى أن نذكر أن

من أهم مميزات القواعد الفقهية أنها تخدم المقاصد الشرعية العامة والخاصة، وتمهد

الطريق للوصول إلى أسرار الأحكام وحكمها [13] .

معنى الأشباه والنظائر:

هذا المبحث لأول وهلة يظن المرء أن لا دخل له في القواعد الفقهية، لكن

كتب الأشباه والنظائر مليئة بالقواعد الفقهية وفنون أخرى، ولذلك ألحق بهذا البحث. فما تعريف الأشباه؟ ؟

- كلمة شِبْه أو شَبَه هي المثل في اللغة [14] ، والنظير: المثل المساوي [15] .

أما اصطلاحاً فقد عرف تاج الدين السبكي -رحمه الله- الأشباه فقال: (إن

الأشباه: هو أن يجتذب الفرع أصلان ويتنازعه مأخذان فينظر إلى أولاهما

وأكثرهما شبهاً فيلحق به) [16] . مثال ذلك: (إلحاق العبد المقتول بالحر، فإن له ...

شبهاً بالفرس من حيث المالية وشبهاً بالحر لكن مشابهته بالحر في الأوصاف ...

والأحكام أكثر فألحق بالحر) [17] .

وقد عرف الحموي الأشباه فقال: (المراد بها المسائل التي يشبه بعضها بعضاً

مع اختلاف في الحكم لأمور خفية أدركها الفقهاء بدقة أنظارهم، وقد صنفوا لبيانها

كتباً كفروق المحبوبي والكرابيسي) [18] .

إذاً فالأشباه هي الفروع المتشابهة ظاهراً والمختلفة باطناً لعله معينة، وأصل

هذه الكلمة يرجع إلى كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى

الأشعري حيث جاء فيه: (الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في

الكتاب والسنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى

أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى) [19] .

هذا فيما جاء في أصل هذه الكلمة، أما كلمة النظائر فلم يرد فيها أثر، لكن

الفقهاء أضافوها إلى كلمة الأشباه مقابلة لها، وذلك أنهم ألفوا فنوناً فقهية عبارة عن

أحكام متشابهة مع وجود بعض الفروق بينها [20] .

فالفروق أقاموا كلمة النظائر بدلها، وبعض المؤلفين ألف كتباً وسماها الفروق، بينما بعضهم ألف في نفس الفن وجاء بالأشباه والنظائر، ولذلك يقول السيوطي:

(والمناظرة تكفي في بعض الوجوه ولو وجهاً واحداً) [21] .

أما أول من ألف في الفروق فهو الإمام أحمد بن عمر بن سريج الشافعي

(306 هـ) ثم توالت التأليفات بعده [22] .

وقد عرف صاحب الفوائد الجنية الفروق فقال: (معرفة الجمع والفرق: أي

معرفة ما يجتمع مع آخر في الحكم، ويفترق معه في حكم آخر كالذمي والمسلم

يجتمعان في أحكام ويفترقان كذلك، ومن هذا الفن نوع يسمى الفروق: وهو معرفة

الأمور الفارقة بين مسألتين متشابهتين بحيث لا يسوى بينهما في الحكم) [23] .

وقال أبو محمد الجويني: (فإن مسائل الشرع ربما تتشابه صورها، وتختلف

أحكامها لعلل أوجبت اختلاف الأحكام، ولا يستغني أهل التحقيق عن الإطلاع على

تلك العلل التي أوجبت افتراق ما افترق منها واجتماع ما اجتمع منها) [24] .

ومن الأمثلة على ذلك: (إذا طرح في الماء تراب فتغير به طعمه أو لونه أو

ريحه، لم يسلبه التطهير، ولو مزج فيه طاهر غير التراب كالزعفران والعصفر

والصابون والملح الحجري فتغير بمخالطه بعض صفاته سلبه التطهير، والفرق

بينهما أن التراب يوافق الماء في صفتيه الطهارة والتطهير، فلا يسلبه بمخالطته

شيئاً منها ... ) [25] .

ومما سبق يتبين أن علم الأشباه والنظائر هو نفسه الفروق، وهما يشملان

القواعد الفقهية، لأن علم الأشباه والنظائر يحوي الألغاز والحيل وفنوناً عديدة منها

القواعد الفقهية..

(يتبع)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015