العلم العصري) فشرع يتكلم فقال لي: إنه كان من أشد أعداء القرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكان كلما جاءه مريض مسلم محتاج إلى علاج جراحي يعالجه، فإذا تم علاجه وشفي يقول له: ماذا تقول في القرآن، هل هو من الله تعالى، أنزله على محمد، أم هو من كلام محمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ قال: فيجيبني هو من الله ومحمد صادق، قال: فأقول له: أنا أعتقد أنه ليس من الله وأن محمدا ليس صادقا، فيسكت، ومضيت على ذلك زمانا حتى جاءني الملك فيصل بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية. فعالجته علاجا جراحيا حتى شفي، فألقيت عليه السؤال المتقدم الذكر، فأجابني: بأن القرآن حق، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق. قال: فقلت له: أنا لا أعتقد صدقه. فقال لي الملك فيصل: هل قرأت القرآن؟ فقلت: نعم قرأته مرارا وتأملته.
فقال لي الملك فيصل: هل قرأته بلغته أم بغير لغته، أي بالترجمة فقلت: أنا ما قرأته بلغته، بل قرأته بالترجمة فقط، فقال لي: إذن أنت تقلد المترجم، والمقلد لا علم له؛ إذ لم يطلع على الحقيقة، لكنه أخبر بشيء فصدقه، والمترجم ليس معصوم منه الخطأ والتحريف عمدا، فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية وتقرأه بها، وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك هذا الخاطئ.
قال: فتعجبت من جوابه، فقلت له: سألت كثيرا قبلك من المسلمين، فلم أجد الجواب إلا عندك.
ووضعت يدي في يده وعاهدته على أن لا أتكلم في القرآن، ولا في محمد إلا إذا تعلمت اللغة العربية، وقرأت القرآن بلغته، وأمعنت النظر فيه، حتى تظهر لي النتيجة بالتصديق، أو بالتكذيب.
فذهبت من يومي ذلك إلى الجامعة الكبرى بباريس، إلى قسم اللغة العربية، واتفقت مع أستاذ بالأجرة أن يأتيني كل يوم إلى بيتي، ويعلمني اللغة العربية ساعة واحدة، كل يوم حتى يوم الأحد الذي هو يوم الراحة، ومضيت على ذلك سنتين كاملتين لم تفتني ساعة واحدة، فتلقيت منه سبعمائة وثلاثين درسا، وقرأت القرآن بإمعان،