ومن ادعى أنها كانت صورة حقيقية لها رأس ووجه فعليه إقامة الدليل على ذلك ولن يجد إليه سبيلا.
والظاهر -والله أعلم- أنها على نحو لعب صبيان العرب في زماننا فإنهم يأخذون العظم ونحوه ويجعلون عليه شبه الأكاف ويسمونه حمارا وربما سموه فرسا. ويأخذون أيضا من كرب النخل ويغرزون في ظهر كل واحدة عودين كهيئة عودي الرحل ثم يضعون بينهما شبه ما يوضح على النجائب من الأخراج وغيرها ويجعلون لها مقودا يمدونها به، وربما اتخذوا ذلك من خشبة منجورة في أعلاها السنام وبين يديه ومن خلفه عودان كهيئة عودي الرحل يوضع بينهما شبه ما يوضع على النجائب ومن أمامها عود كهيئة الرقبة يوضع فيه المقود ولها أربع عجلات تمشي عليهن ويسمون هذه اللعب والتي قبلها إبلا. وليست هذه اللعب من الصور المحرمة في شيء والنسبة بينهما وبين الصور الحقيقية بعيدة جدا.
ومما يدل على أن الفرس كانت على نحو لعب صبيان العرب ولم يكن صورة حقيقية أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عائشة رضي الله عنها ما هذا؟ فقالت: فرس. ولو كانت صورة حقيقية لعرفه النبي صلى الله عليه وسلم من أول وهلة ولم يحتج إلى سؤال عائشة عنه- وكذلك سؤاله صلى الله عليه وسلم عن اللعب يدل على أنها لم تكن صورا حقيقية، ولو كانت صورا حقيقية لم يحتج إلى السؤال عنها والله أعلم.
الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة رضي الله عنها نصب الستر الذي فيه الصور، وتلون وجهه لما رآه ثم تناوله بيده الكريمة فهتكه، وقد قدمت الأحاديث بذلك.
وهذا يدل على أن لعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صورا حقيقية، ولو كانت صورا حقيقية لكانت أولى بالتغيير من الصور المرموقة في الستر؛ لأن الصور المجسدة أقرب إلى مشابهة الحيوانات وأبلغ في المضاهاة بخلق الله تعالى من الصور المرموقة؛ فكانت أشد تحريما وأولى بالتغيير من الصور المرموقة.
الوجه الثالث: ما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه (?)» وفي رواية: إلا قضبه. وفي رواية: تصاوير بدل تصاليب. وصيغة هذا الحديث تقتضي العموم؛ لأن شيئا نكرة في سياق النفي فتعم كل