بل الظاهر -والله أعلم- أنها كانت على نحو لعب بنات العرب في زماننا فإنهن يأخذن عودا أو قصبة أو خرقة ملفوفة أو نحو ذلك فيضعن قريبا من أعلاه عودا معترضا ثم يلبسنه ثيابا ويضعن على أعلاه نحو خمار المرأة، وربما جعلنه على هيئة الصبي في المهد ثم يلعبن بهذه اللعب ويسمينهن بنات لهن على وفق ما هو مروي عن عائشة وصواحباتها رضي الله عنهن.
وقد رأينا البنات يتوارثن اللعب بهذه اللعب اللاتي وصفنا زمانا بعد زمان، ولا يبعد أن يكون هذا التوارث قديما ومستمرا في بنات العرب من زمان الجاهلية إلى زماننا هذا والله أعلم.
وليس كل بنات العرب في زماننا هذا يلعبن باللعب اللاتي وصفنا، بل كثير منهن يلعبن بالصور الحقيقية من صور البنات وغير البنات من أنواع الحيوانات، وهؤلاء هن اللاتي دخلت عليهن وعلى أهليهن المدنية الإفرنجية، وكثرت مخالطتهم للأعاجم وأشباه الأعاجم.
وأما السالمات من أدناس المدنية الإفرنجية ومن مخالطة نساء الأعاجم وأشباه الأعاجم فهؤلاء لم يزلن على طريقة بنات العرب ولعبهن على ما وصفنا من قبل، وكما أن بين لعب هؤلاء وأولئك بونا بعيدا في الحقيقة والشكل الظاهر فكذلك الحكم فيها مختلف أيضا. فأما اللعب اللاتي على ما وصفنا فلا بأس بعملهن واتخاذهن واللعب بهن؛ لأنهن لسن صورا حقيقية، وأما اللعب اللاتي على صور البنات وأنواع الحيوانات فصناعتهن حرام، وبيعهن حرام، وشراؤهن واتخاذهن حرام، والتلهي بهن حرام، وإتلافهن واجب على من قدر على ذلك؛ لأنهن من الأصنام. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطمس الأصنام كما تقدم في حديث علي رضي الله عنه.
والقول في الفرس الذي كان في لعب عائشة رضي الله عنها كالقول في لعبها سواء،