صليب وصورة، وهذا يدل على أن لعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صورا حقيقية، ولو كانت صورا حقيقية لقضبها النبي صلى الله عليه وسلم كسائر التصاليب والصور.
الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة، وقد تقدمت الأحاديث بذلك، «وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام أنه أتاه ليلة فلم يدخل البيت من أجل كلب فيه، ومن أجل ما فيه من تمثال الرجال، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مر بقطع رأس التمثال وإخراج الكلب (?)». وهذا يدل على أن لعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صورا حقيقية، ولو كانت صورا حقيقية لمنعت الملائكة من دخول بيتها، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليترك في بيته شيئا يمنع من دخول الملائكة فيه، فتعين أن لعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صورا حقيقية وإنما هي على نحو ما وصفته في الوجه الأول.
الوجه الخامس: ما تقدم من رواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت (?)».
وفي رواية: «أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت (?)».
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد امتنع من دخول الكعبة مرة واحدة من أجل ما فيها من الصور فكيف يظن به أنه كان يدخل بيت عائشة رضي الله عنها في اليوم والليلة مرارا متعددة وفيه الصور؟ فتعين أن لعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صورا حقيقية، وبهذا تجتمع الأحاديث وينتفي عنها التعارض.
الوجه السادس. ما تقدم من حديث أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته (?)». وفي رواية: «ولا صورة إلا طمستها (?)».
وفي رواية: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه أن يسوي كل قبر ويطمس كل صنم (?)». والفكرة في هذا الحديث من صيغ العموم كما تقدم تقرير ذلك، ويستفاد من هذا أن لعب عائشة رضي الله عنها لم تكن صورا حقيقية، ولو كانت صورا حقيقية لكانت داخلة في عموم ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطمسه. ولم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حرف واحد يقتضي استثناء لعب عائشة رضي الله عنها من هذا العموم؛ فتعين كونها من غير الصور الحقيقية.