والأحاديث الصحيحة في عرض الإسلام أو الجزية أو الحرب، ومقابل البقاء على دينه يؤخذ منه مقدار يسير، ولا يكلف ما لا يطيق. وقد روى سعيد بن منصور في السنن عدة أحاديث في العدل في أهل الذمة والصلح، وتحريم أخذ زيادة على ما تم عليه الصلح (?)
وكان عمر رضي الله عنه يراقب عماله ويحذرهم من تكليف الناس ما لا يطيقون، أو تكليف الأرض نفسها ما لا تطيق، وما لا يتناسب مع غلاتها وإنتاجها؛ لأن ذلك ظلم وينشئ الأحقاد، ويشجع على التربص بالإسلام والمسلمين، ويمنع من الدخول في الإسلام، وهذا خلاف ما أراده الله تعالى من أن الحكمة من خلقهم عبادته والإيمان بما أمرهم به.
ومن الحكمة في الجزية هو تشجيع الناس على البقاء في أرض المسلمين، ومخالطتهم للاطلاع على محاسن الإسلام مما يكون سببا في الدخول فيه ولو قل، وهذا يعني أن الجزية هي في الواقع وسيلة للدعوة وليست مصلحة دنيوية.
وهذا ربما نسترشد به إلى أن المسلمين الذين يعيشون في بلاد غير المسلمين يجب عليهم التخلق بالأخلاق الحسنة التي قد تشجع الناس إلى سؤالهم عن دينهم مما يؤدي إلى دخولهم في الإسلام، بعيدا عن التنطع والغلو الذي قد يسيء إلى الإسلام أكثر مما يحسن إليه.
وقول البخاري: الجزية والموادعة ... فيه لف ونشر مرتب؛ لأن الجزية مع أهل الذمة، والموادعة مع أهل الحرب. والجزية من جزأت الشيء إذا قسمته، ثم سهلت الهمزة.